الخميس 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

لأن “تطبيق العدالة قرار سياسي”...

اوقفوا المحكمة قبل صدور قرارها الفتنوي
الخميس 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 par د. عصام نعمان

تَعتبر قوى المعارضة (السابقة واللاحقة) “المحكمة الخاصة بلبنان” ذات الطابع الدولي محكمة مسيّسة وان القرار الإتهامي المرتقب صدوره عنها من شأنه تفجير فتنة اهلية في البلاد.

يكاد ان رئيس المحكمة القاضي الايطالي انطونيو كاسيزي يشارك المعارضة ضمناً مخاوفها . فقد تحوّلت كلمته في افتتاح اليوم الاول من أعمال المنتدى الإعلامي الذي نظمته المحكمة اخيراً الى مؤتمر صحافي “ارتجالي” اجاب فيه كاسيزي عن اسئلة ذكية ومحرجة طرحها عليه الاعلاميون اللبنانيون ، واكد لهم خلاله “اننا ضد اي عدالة تكون مسببة لحرب او لزعزعة السلام” (صحيفة “النهار” 4/11/2010 ) .

لكن ما مفهوم كاسيزي للعدالة ؟.

يجيب كاسيزي : “العدالة انتقائية وقرار المباشرة بتطبيقها في اي قضية هو قرار سياسي” (صحيفة “الاخبار” 4/11/2010 ) .

يمكن الإستنتاج ، اذاً ، دونما عناء ان قرار المحكمة الدولية سيكون سياسياً او مطبوعاً بدوافع سياسية ، وانه قد يتسبب بحرب اهلية .

هذه النتيجة المفجعة تطرح بدورها سؤالاً آخر : ما جدوى المحكمة او العدالة التي يفضي تطبيقها الى تفجير حرب اهلية ؟

الحقيقة ان المعارضة ، بل غالبية الشعب اللبناني ، ادركت مذّ بدأت لجنة التحقيق الدولية مهمتها ان العدالة الدولية المستعارة ملغّمة . تبدّى ذلك في تصرفات رئيسها دتليف ميليس . ألم يكشف بنزق جوانب من التحقيق الذي يقتضي ان يكون سرياً ؟ ألم ينتقي بضعة شهود مشبوهين لـِ “يعاينوا” من وراء اقنعة اربعةً من كبار الضباط اللبنانيين ثم ليلفقوا ضدهم شهادات كاذبة ؟ ألم يتسبب بتوقيف الضباط الاربعة مدة تناهز السنوات الاربع قبل ان يبريء ساحتهم قاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة لانتفاء الدليل ؟ ألم يعترف رئيس الحكومة ، وليّ الدم ، سعد الحريري بوجود شهود زور ضللوا التحقيق ، وخربوا العلاقات اللبنانية–السورية ، واساءوا الى عائلة المرحوم الرئيس رفيق الحريري ؟

اليوم يقف لبنان منقسماً على مفترق حرب اهلية قد تتفجر بسبب قرار اتهامي يقول كاسيزي انه “يأمل” ان يصدر في مطلع كانون الاول/ديسمبر المقبل ، وموزََّعاً بين قوى تتمسك بالمحكمة حتى لو ادى ذلك ، بحسب مسؤول اميركي ، الى تقويض الاستقرار ، وبين قوى ترفضها لكونها اداة تفجيرٍ لفتنةٍ مدمرة . ما العمل ؟

الحريري يبدو مصمماً ، بتشجيع سافر من واشنطن التي “تكرّمت” بتقديم هبة للمحكمة بقيمة عشرة ملايين دولار ، على رفض احالة شهود الزور على المجلس العدلي ، في حين لا يكتفي حزب الله بالاصرار على الاحالة بل يطلب امينه العام السيد حسن نصرالله الى المسؤولين والمواطنين الإمتناع عن التعاون مع محققي المحكمة لأنه يخدم اسرائيل .

اذ يحتدم الصراع ويلجأ الحريري الى تعطيل اجتماع مجلس الوزراء ، وتردّ المعارضة بتعطيل اجتماع طاولة الحوار الوطني ، تنهض أسئلة : الى اين يسير الحريري واميركا بالبلد ؟ والى متى تكتفي قوى المعارضة بالرد على نزوع الحريري وحلفائه الى المغامرة مجدداً ، كما فعلوا في 7 ايار 2008 ، بالدعوة الى التعقل والتحذير من مخاطر الإنزلاق الى مهاوي الفتنة ؟ ألا تدرك قوى المعارضة ان الحريري واميركا يتقصّدان في مسألة شهود الزور التسويفَ والمماطلة من جهة ويتعجلان صدور القرار الإتهامي من جهة اخرى ليضعا حزب الله والقوى الوطنية امام امر واقع اسمه المحكمة الدولية ، فتضطر جميعاً الى الرضوخ لاحكامها مخافة ان تُتهم بتفجير حـرب اهلية ؟

لعل المعارضة والقوى الوطنية باتت مدعوة الى التعلّم من كاسيزي . أليس هو القائل إن “تطبيق العدالة قرار سياسي” ؟ اذاً ، فليحزموا امرهم ويقرروا نشدان العدالة وحماية الامن الوطني والإستقرار بوضع الحريري امام خيارين حاسمين :

الاول ، اصدار بيان واضح اصالةً عن نفسه ونيابةً عن عائلته يقول فيه إن علاقات المودة والتعاون كانت سائدة بين المرحوم والده والسيد حسن نصرالله من جهة ، وإن معرفته الوثيقة بالملابسات والواقعات والتحقيقات في جريمة اغتيال والده من جهة اخرى ، تسمح له بالتأكيد بثقة وصفاء نية ان لا علاقة البتة لحزب الله ، قيادةً واعضاء ، بعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانه ، كسائر اللبنانيين الشرفاء ، متضرر من تغييبه الذي يصبّ في مصلحة اسرائيل . ان من شأن هذا الموقف الإبقاء على المحكمة ، لكن قرارها المرتقب سواء قضى بإدانة حزب الله او بتبرئته لن يسيء الى مكانة الحريري ، كما لن يسيء الى مكانة المقاومة ولا لسمعتها الجهادية ، بل سيعزز وحدة البلاد واستقرارها .

الثاني ، وفي حال رفض الخيار الاول ، فإن المعارضة والقوى الوطنية ستجد نفسها مضطرة الى نقل قضية المحكمة الى مجلس النواب لإستصدار قرار (بصيغة قانون) يقضي بإعتبار الاتفاقية المعقودة بين حكومة فؤاد السنيورة والامم المتحدة بتاريخ 23/1/2010 التي على اساسها جرى اصدار القرار 1757 بإنشاء المحكمة الدولية ، غير دستورية لثلاثة اسباب :

(أ‌) واقعة صوغها وتوقيعها من قبل حكومة غير ميثاقية وغير شرعية ومناقضة للعيش المشترك (احكام مقدمة الدستور) بعد استقالة سبعة وزراء ينتمون الى مكوّنين رئيسيين من مكوّنات الشعب والدولة .

(ب‌) إقصاء رئيس الجمهورية في حينه العماد اميل لحود عن المفاوضة بشأنها وتوقيعها خلافاً لأحكام المادة 52 من الدستور .

(ج‌) عدم موافقة مجلس النواب عليها رغم انطوائها على جانب مالي خلافاً للمادة 52 ايضا .

ان إقرار لادستورية اتفاقية المحكمة يستتبع ، بموجب القرار (القانون) المتخذ ، تشريع الاحكام الآتية وتنفيذها :

اولاً ، ايقاف العمل باحكام قرار مجلس الامن 1757/2007 المتعلقة بإنشاء المحكمة الخاصة بلبنان ووقف نفاذها .

ثانياً ، ابلاغ الادارات والمؤسسات والاجهزة الرسمية ذات الصلة وقف التعاون والتعامل مع اجهزة المحكمة .

ثالثاً ، وقف تسديد المساهمة المالية للمحكمة .

رابعاً ، سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة .

خامساً ، إعتبار المجلس العدلي صاحب الصلاحية والاختصاص لإستئناف النظر في قضية الرئيس رفيق الحريري المحالة اليه سنة 2005 ، وكذلك صاحب الصلاحية والاختصاص للنظر في جميع القضايا المتفرعة عنها بما في ذلك قضية ملاحقة شهود الزور .

من المفيد الاشارة الى ان إقرار لادستورية الاتفاقية المؤسِسة للقرار 1757 وبالتالي ايقافها عن العمل لا يعنيان انهاءها اذ في وسـع طرفيها (لبنان والامم المتحدة) العودة الى تنفيذها بالاتفاق بينهما بعد تعديلها إن لم يقررا انهاءها صراحةً .

لإبطال المعاهدات والاتفاقات الدولية اوايقافها عن العمل اسباب عدة محورها عيوب تلازم المعاهدة او الاتفاقية مذّ إبرامها ، فتؤثر في صحتها وبالتالي في كيانها القانوني . ابرز هذه العيوب الغلط ، الغش ، الإكراه الواقع على الدولة او على ممثلها ، والتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العامة . ومن الواضح ان العيب الاساس في الاتفاقية المؤسسة للقرار 1757 هو تعارضها مع قاعدة آمرة هي المادة 52 من الدستور .

غير ان رئيس المحكمة حاول ، بإشارته الى اتفاقية فيينا ، التقليل من عيب التعارض مع قاعدة آمرة (المادة 52) بالقول إن السلطات اللبنانية تجاوزت هذا العيب في الاتفاقية بإمتثالها الى طلب المدعي العام الدولي عندما طلب من لبنان احالة جميع الملفات التي جمعتها السلطات اللبنانية ولجنة التحقيق الدولية على المحكمة .

الحقيقة ان لبنان لم يُسقط اعتراضه على لادستورية الاتفاقية المعقودة مع الامم المتحدة موضوع المذكرة التي كان رفعها الرئيس اميل لحود الى الامم المتحدة (وما زالت قائمة ) وقد تضمنت اسباباً وحججاً دامغة في هذا المجال .

الى ذلك ، يقرّ الفقه بأنه اذا كان الاصل تقيّد الدول بالمعاهدات والاتفاقات التي تبرمها ، فذلك على اعتبار بقاء المعاهدة محققة للغرض الذي عقدت من اجله وملائمة للظروف التي يستمر تنفيذها فيها . فإذا فات الغرض من المعاهدة او تغيرت الاوضاع التي ادت الى عقدها تغيّراً من شأنه ان يجعل استمرار التمسك بها كما هي عبئاً او إضراراً بالمصالح الحيوية لاحد اطرافها ، وَجَبَ تعديلها او إنهاؤها ، وأصبح من حق الطرف المتضرر ضرراً بليغًا ان يسعى الى التحرر من إلتزاماته في المعاهدة . وقد تناولت اتفاقية فيينا موضوع تغير الظروف كسبب لانهاء المعاهدة او ايقاف العمل بها بأن افردت له في المادة 62 فقرات ثلاثاً اجازت إحداها (الفقرة “ب”) التبديل الجذري في الظروف كسبب لانهاء او ايقاف العمل بها (لطفاً راجع كتاب الدكتور علي صادق ابو هيف: القانون الدولي العام ، صفحة 554 -559 ) .

الواقع ان الظروف التي اكتنفت مطالبة لبنان بانشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة قَتَلَة الرئيس الحريري قد تبدلت تبدلاً جذرياً اذ عاد الامن والاستقرار الى ربوعه ، وعاد القضاء الى ممارسة مهامه بإنتظام فلا حاجة ، والحالة هذه ، لتكبده نفقات باهظة على محكمةٍ اضحت اداةً في يد اميركا ومدعاة لتفجير فتنة اهلية .

الى ذلك ، اخلّت لجنة التحقيق الدولية ومن ثم المدعي العام الدولي باتفاقية المحكمة والقواعد القانونية المعتمدة في لبنان الواجبة التطبيق من قبلها إخلالاً فادحاً يجيز انهاؤها او ، في الاقل ، ايقافها عن العمل بحيث يُتفق ، لاحقاً ، مع الامم المتحدة على تعـديلها او إنهائها كلياً . ابرز وجوه الخلل :

• توقيف الضباط الاربعة رغم عدم توافر ادلة جرمية .

• سؤ استخدام شهود الزور وحمايتهم .

• كشف جوانب من التحقيق السري .

• اعتراض المدعي العام الدولي على طلب احد المتضررين من شهود الزور (اللواء جميل السيد) ايداعه المستندات ذات الصلة لمقاضاتهم .

• إهمال فرضية ان تكون« اسرائيل» وراء اغتيال الحريري رغم المعطيات والقرائن التي قدمها السيد حسن نصرالله .

• رفض محاكمة شهود الزور مع ان جرائمهم متفرعة عن قضية الحريري ، محور مهمة المحكمة وعملها .

• حادثة عيادة الطبيبة النسائية ومحاولة اختراق خصوصيات زوجات اعضاء في حزب الله .

• إقرار قائد فريق المحاكمة في مكتب المدعي العام دانيال بلمار المدعو اكهارد وبتهوبف بأن في وسع المحكمة ان تطلب من اسرائيل تزويدها معلومات ومعطيات اثناء التحقيق والمحاكمة ما يتعارض مع قانون اصول المحاكمات الجزائية وقانون العقوبات اللبنانيين اللذين تعتمدهما المحكمة .

ازاء كل هذه المعطيات والمخالفات والإختلالات التي تضج بها ممارسات مسؤولي لجنة التحقيق الدولية وهيئة المحكمة ، ومع اقتراب موعد صدور القرار الاتهامي وما يمكن ان يتسبب به من تفجيرات امنية ، يقتضي ان يعي قادة المعارضة والقوى الوطنية انهم في سباق مع اميركا ، وان شرط كسر هجمتها المتصاعدة هو سرعة الحسم وانتزاع زمام المبـادرة ، سياسياً وقضائياً ، بلا ابطاء .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2178208

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2178208 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40