الأربعاء 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

المراجعة الضرورة والفرض الغائب

الأربعاء 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par أيمن اللبدي

سقط مشروع «التوزيع»، واليوم محصلة العزوم السياسية فلسطينياً هي صفر كبير، وما يحدث بالتالي هو اختراق للواقع الفلسطيني نفسه، من قبل الهيمنة الصهيونية المطلقة على الحدث والميدان والتسلسل، لأن هذا الطرف الفلسطيني من المعادلة القائمة الآن، هو الطرف المنفعل والعاجز عن الفعل الحقيقي، وهو اختراق يأتي في كل الاتجاهات والمستويات والتفصيلات وعلى حسابه، وضمنها الاتجاه التاريخي السابق بكل ما فيه وبكل ما حمل، أي أن السحب من الأرصدة يتم ليس فقط على ما هو قادم أو قائم، بل أيضاً على ما هو في موقع الادخار المفترض، بمعنى أن حقيقة المشهد السياسي اليوم فلسطينياً، هو أن لا حسابات مقفلة أمام تغوّل صهيوني منفلت ونشط.

أيضاً النتيجة النهائية هذه اليوم، كانت هي ذاتها قبل عشر سنوات بالتمام والكمال، وإن لم تكن شدة وضوحها وحرارتها وحصادها كما هو الآن، وذلك بالتحديد عقب عودة الشهيد ياسرعرفات من كامب ديفيد 2 برفضه الواضح، ليس فقط للتنازل عن ثوابت سياسية حكمت ما سمي بالتوافق الفلسطيني على الحد الأدنى، بل أيضاً برفضه إعطاء فرصة التمديد الزمنية والمكانية للنتيجة الصفرية التي حصل عليها هو نفسه، وأمام عينيه تجسّدت نتيجة هذا المسار الطويل، وبالقطع لم تكن تلك لتمثل تجزئة على مغامرة أوسلو في العام 1993 وما تلاها وصولاً إلى كامب ديفيد2 فقط، بل كانت في الواقع نتيجة لمجمل الهدف الذي وضعته قيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» وقيادة «م.ت.ف»، لما تم تسويقه منذ منتصف السبيعينات، تحت اسم الحل المرحلي وبرنامج النقاط العشر.

إذا كانت الفترة الزمنية منذ عام 1974 وتبني مسألة النقاط العشر- وربما قبلها بقليل- وحتى عام 2000 هي فترة سوق مشروع التوزيع هذا، وأيضاً مجال حسابه وتقيمه بما له وبما عليه، على الأقل حيث الصورة القائمة هي صورة المهلة ومفاعيل التجربة، فإن الفترة منذ عام 2000 وحتى الآن هي صورة القيمة «المجانية» المضافة على هذا المشروع، وهي تأتي من قيادة ليس لديها أي من الصفات الشرعية أو التمثيلية أو حتى القيادية الحقيقية، كما هي تأتي أيضاً هبوطاً على سقف الحدود التي وضعتها قيادة المشروع الأصلي الحقيقية كما وضعت لها أفق الخروج من نفقها، عبر افتتاح مسار تصحيحي بدأ بانتفاضة العام 2000، وإذا كان ذلك يصدق في المجال السياسي التنفيذي والميداني، فإنه الأصدق بالقطع في المجال الفكري والنظري، حيث انتهت مفاعيل الفكر والاستراتيجيا باكراً عند تسجيل قصة هذا الانحراف الأساس، لتأتي لاحقاً صور مشوهة ونماذج مسخ تحمل ما هو في قيمة الشعوذة أكثر منه قيمة الفكرة، من نماذج «الحياة مفاوضات» ونماذج «دورهيكل المؤسسات» ونموذج «مشروع الدولة الواحدة»..الخ.

إذن باختصار فإن المشروع الخيار الاستراتيجي برمته قد أفلس في حساب الجهة الفلسطينية والعربية، أي أن مشروع «التوزيع السياسي للحصص» بين الضحية وجلاديه، ودون استخدام التغطية اللغوية التي ستتوزع على كل حال، بحسب مواقع النظر المصلحية والمبدئية وتناثر أثقالهما على صفيحة الفرز، وعادة يمكن وضعها بين القالبين المشهورين والأكثر استخداماً، في مادة الأدبيات السياسية والإعلامية القائمة، بين مشروع «عملية سلام» كما تطلق عليها إرادة النفس القصير في المشهد وحلفها، ومشروع «عملية التسوية» كما تطلق عليها إرادة النفس الأطول نسبياً لفائدة التغطية على انتقالاتها الأدنى في سقوف طرحها وتأريخيته، أو مشروع «عملية التصفية» كما تطلق عليها قوى الجماهير الحقيقية، صاحبة النفس الدائم والثابت في الكفاح الوطني والقومي، هذا الإفلاس يعني اليوم أن لا حصة مهما كانت متدنية، هي في موقع التوزيع لهذا الطرف الذي أصبح في الواقع خارج المعادلة بالكامل، وحل محله الطرف الذي يدير كل المشهد إدارة فونوغرافية على طريقته.

العدو الصهيوني لا يقيم وزناً اليوم لأي من المتنافسين السابقين معه في المشهد، أي مشهد توزيع الحصص السياسية فلسطينياً وعربياً، هو الآن أسقط بالتمام والكمال هذين الطرفين معاً، وبات يلاعب نفسه في قمرة قيادة المشهد كما كان يفاوض نفسه.

للحد الفلسطيني في المعادلة فإن الصورة كما يلي : كل مسألة أوسلو وما تلاها أصبحت بالنسبة إليه جزءاً من ديكور تحديده صورة ما يريده من طريقة، في تشغيل نتائج أوسلو هذه لمصلحته بما فيها السلطة الفلسطينية وقوى السياسة الفلسطينية ومرتكزات المجتمع الفلسطيني، طبعاً بهذا المعنى السلطة القائمة تصبح ليس «أكذوبة» بل هي حقيقية ولكن «ألعوبة»، والدور الحالي لها ليس «روابط القرى» بل الدور الحالي لها هو «حداد ولحد»، وتمظهرات بقايا نصوص ملحقة تحت اسم البرنامج الفلسطيني ولو من الناحية الأرشيفية أو ما بقي منها، لا تصبح مسألة بحث في كيفية تحقيق اختراقات لمجموعة من الحدود الخالية الشحنة سواء أكانت تأتي تحت أسماء : «مصالحة فلسطينية»، «مناورات الأمم المتحدة»، «إعلانات متعددة الأغراض»، كل هذا الوضع يصبح مجرّد استهلاك فارغ يخدم تعزية النفس أكثر مما يخدم تغيير الواقع.

الحد العربي في المعادلة أصبح : سواء من بوابة الاتفاقيات الموقعة مع بعض الدول القطرية، أو تلكم الاغراءات المعروضة تحت اسم «المبادرة العربية»، أصبح أيضاً خارج القيمة لا في كبح التسارع الصهيوني الواسع في تنفيذ برامجه إن كان على الأرض الفلسطينية تهويداً ومصادرة وابتلاعاً، أو في رسم الفضاءات الجيوسياسية داخل الإقليم لمصلحته، ولا في الترغيب بفوائد هو أصلاً بات يحصلها بنفسه دون الحاجة لحقيقة هذه العروض، بل بات يستطيع من خلال الفضاء المحيط الضغط على مصر من خلال دوره في مسألة الماء، والأردن من خلال قصة الوطن البديل والترانسفير، والسودان من خلال الاستفتاء والتقسيم، والعراق المحتل من بوابة حلفائه فيه، ولولا دور محور الممانعة الإقليمي ومفصلي صمود المقاومات، وتكتل الجبهات المساندة،لأسقط العدو الصهيوني الإقليم وحسمه باكراً، وذلك مثلما يظهر حسمه الوضع الفلسطيني في الوطن المحتل حتى الآن.

المراجعة السياسية الواجبة ليست على هامش مراحل وسيطة سارت فيها القضية الفلسطينية خلال الأربعين سنة الماضية، بل إن المراجعة الواجبة هي مراجعة في العمق المفصلي، مراجعة في الخطوط الكبرى لمسألة مبدئية وليس مسألة تطبيقية ميدانية، بحسب أين كانت النتيجة أكبر قليلاً أو أصغر قليلاً على سبيل المثال، لا بل المراجعة الواجب هي مراجعة في بؤرة الفكرة وبؤرة التطبيق في المشروع «التوزيعي» نفسه، هل كان هذا المشروع هو الواقعية والمنطقية وفن الممكن وضرورة العبور فعلاً؟ أم أنه كان في الواقع هو مشروع عكس هذه جميعاً، وبذلك كان هو عكس حركة التاريخ وعكس مصلحة بيدرالشعوب الحية؟ ويلحق هذه المراجعة الجواب المطلوب في البديل والخيار الاستراتيجي الحقيقي الذي تم القفز عنه والتخلي عنه باكراً أي خيار «التحريرالشامل». هنا سؤال المراجعة الواجب وسؤال الفرض الغائب فلسطينياً وعربياً بشكل عام. ومعه تأتي أسئلة من سيقوم بهذه المراجعة وماذا بعدها! ومن يتوجب عليه أن يوفّر على نفسه عناء اللهاث خلف إعادة السير على الأثر الذي ثبت مساره لهاوية قائمة.


titre documents joints

أوَّل السَّطر│المراجعة الضرورة والفرض الغائب

28 تشرين الأول (أكتوبر) 2010
info document : PDF
156 كيلوبايت

أيمن اللبدي



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 61 / 2178538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2178538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40