الاثنين 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

للخروج من مصيدة الوهم والواقعية

الاثنين 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par د. كلوفيس مقصود

صار لزاماً علينا جميعاً أن نعي أن التمدّد الاستيطاني لا يعـالج مطلقاً بطلب التجميد، بل بصياغة الردّ المعقول والمطلوب والمشروع.

ثمة بوادر تحرك سياسي وفكري في كثير من أوساط الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، ويتميز هذا المخاض بالبحث عن بدائل ناجعة لإنجاز حلول جذرية تؤمن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. تسود قناعة بأن «مسارات السلام» التي أرست قواعدها اتفاقيات أوسلو وما بعدها، أدّت إلى قناعة بأنها أجهضت بالتدريج الكثير من هذه الحقوق، على الرغم من الاعتراف الدولي بأن هذه الحقوق شرعية، ومنسجمة مع القوانين الدولية، وبالتالي غير قابلة للتصرف.

فمسارات السلام منذ أوسلو تبدو واضحة، بأنها بدلاً من أن تنجز وإن بالتدرج الحقوق الفلسطينية، فإنها أدت إلى المزيد من تآكلها وإفقادها المناعة، رغم إصرار الشعب الفلسطيني من خلال صموده مدعوماً بالشعب العربي والشعوب الإسلامية ودائرة الضمير العالمي، على إنجاز هذه الحقوق.

هذا التحرك هو بمثابة عملية استعادة لاتجاه البوصلة وعقلنة للتوجّه وتأمين للوحدة الوطنية الفلسطينية، وتوفير المرجعية الموحّدة لعملية التحرير، بمعنى آخر ما هو حاصل من خلال استرجاع البوصلة هو إدانة واضــحة للفشل والسقوط في مصيدة أوسلـو، كما هو تعبير واضح عن ضرورة إنضاج وبلورة مقاومة مصممة على التحرير وإنجاز الحقوق المشروعة.

... إلا أن هذا السعي لاسترجاع مرجعية النضال الفلسطيني يطرح بدائل تستوجب عملية نقدٍ للذات وللأداء السابق في حصر التعامل مع الإدارات الأميركية المتعاقبة، لكون ما تصوّرته القيادة الفلسطينية الحالية بأن الولايات المتحدة وحدها قادرة على ممارسة «ضغط» على «إسرائيل» يفتقد الدقة، ذلك أن «إسرائيل» بدورها قادرة على القيام بضغط مقابل على الإدارة الأميركية سياسياً وعملياً، ما يؤكد قدرة «إسرائيل» وبالتالي اللوبي «الإسرائيلي» على ممارسة الابتزاز، حتى عندما تكون الإدارة الأميركية مقتنعة بصوابية موقف فلسطيني معين.

يستتبع ذلك، أن القيادة الفلسطينية الحالية استمالتها مفردات مثل «تجميد الاستيطان» حتى الموقت منه، بدلاً من وضوح المطالبة بتفكيك الاستيطان الذي اعتبر من بعض أعضاء القيادة الفلسطينية بأنه «خارج الواقعية» السائدة. كما أن السقطة التي ارتكبت هي أن «المفاوض الفلسطيني» لم يصرّ في البدء على أن ينتزع بدوره أو بحصر تعامله مع الإدارة الأميركية، اعترافاً من «إسرائيل» بأنها في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي سلطة محتلة، وكون هذا التعريف لواقع «إسرائيل» في الأراضي المحتلة كان ملتبساً في أحسن الحالات، فقد أدى إلى إمعان «إسرائيل» في اتخاذ خطوات في بعض الأحيان بطيئة وفي أكثر الأحيان متسارعة ومكثفة.

ففقدان القاعدة القانونية بأن التفاوض هو مع محتل تحوّل إلى محادثات مع مغتصب. المراجعة النقدية الصارمة المطلوبة الآن تستوجب التوقف الكامل، واتخاذ مواقف صريحة تشترط وضوحاً أميركياً بأن الأراضي الفلسطينية المحتلة هي قانونياً محتلة وأن المرجعية هي قيادة حركة تحرير بالمعنى الحقيقي، وأن استعمال التجميد هو بمثابة شراء الوقت لتأجيل حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وبالتالي إجهاض أية مفاوضات ناجعة يمكن أن تستولد نتائج، تلبي ما فرضته الشرعية الدولية، وما حددته القوانين الدولية للشعب الفلسطيني من حقوق في أرضه وحق لاجئيه في العودة، واعتبار القدس الشريف عاصمة له.

بمعنى آخر، عودة إلى بديهيات حوّلتها «إسرائيل» وكأنها «تنازلات»، ولذلك صار لزاماً علينا جميعاً أن نعي أن التمدد الاستيطاني الذي تمّ التعبير عنه في الأيام الأخيرة ببناء ستمئة وحدة استيطانية لا يعـالج مطـلقاً بطلب التجميد، ولا بطلب التفكيك بل بصياغة الردّ المعقول والمطلوب والمشـروع بأن قانون العودة «الإسرائيلي» هو الذي مهّد ولا يزال يمهد للتمدد الاستيطاني المتواصل منذ نشوء «دولة إسـرائيل»، وأن هذا القـانون هو الذي يدفع «إسرائيل» للمطالبة بأن يعترف الفلسطينيون والعرب بكون «إسرائيل» دولة يهودية ووطناً للشعب اليهودي، والذي ينطوي بدوره على سياسة مأسسة التمييز العنصري ضد عرب «إسرائيل» وكذلك الأمر بالتمهيد لعمليات الترحيل المستقبلية وإعدام كامل لأي حق للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم.

فالاعتراف بـ «إسرائيل» دولة ليهود العالم كما تصر كشرط مسبق للتعامل معها هو بدوره إغلاق الباب نهائياً أمام حق العودة وفتح الأبواب أمام الاستمرار في التمدد الاستيطاني في الأرض التي لا نعرف فيها الحدود التي يتوقف عندها الاستيطان.

وقبل استفحال هذا المشروع الصهيوني والبحث في البدائل المطروحة آنياً من قبل طلائع فلسطينية فكرية، تبقى الأولوية لردع هذا التمادي وهذا التسلط وهذه الاستباحات التي تقوم بها «إسرائيل» بشكل متواصل، وبدلاً من الضغط عليها، فإنها تطلب المزيد من المساعدات الأميركية العسكرية المتطورة مثل طائرات F 35 التي قيل إنها تشكل ضمانات أميركية لحث «إسرائيل» على تجميد الاستيطان لمدة شهر (!)

ألهذا المستوى انحدرت مسيرة السلام؟

ألهذه الدرجة عجزت الدول المطبعة عن «إقناع» «إسرائيل» كما كان «موعوداً»؟

أليس هناك من حاجة لدى هاتين الدولتين المطبّعتين وبعض الدول التي تبدو «راغبة في علاقات ما» أن تعيد النظر بموقفها حتى لا يبقى الشعب الفلسطيني محاطاً بسياج من التطبيع، وبالتالي مطالباً بالتكيف والقبول ببعض المساعدات الإنمائية على حساب اجتزاء حقوقه القومية، أو بالأحرى إجهاضها؟

لذلك أمام هذا الاستفزاز الفاقع ليس للحقوق الفلسطينية فقط بل أيضاً للكرامة العربية، هل يجوز أن نبقى في مصيدة الواقعية الطاغية التي تسوقها لنا الوعود التي تمعن في بعثرة الأمة العربية وتفتيت مجتمعاتها؟ ألم يصبح لزاماً أن يساهم العرب جميعاً في إخراج شعب فلسطين من المصيدة الخـانقة التي هو فيها؟ وإذا قام بحراك باتجاه مجلس الأمن أو أعلن دولة مسـتقلة ألا تستطيع الأمة العربية وجامعتها تأمين اعتراف شامل بهذه الدولة وأن يصدر عن مجلس الأمن قرار بكيانها القانوني، وأن يقنع العرب من خلال المواقف الدبلوماسية الشجاعة والإعلام العربي المكثف الولايات المتحدة والإدارة الأميركية بأن لا تمارس حق النقض هذه المرة لأن «إسرائيل» ممعنة في شطب فلسطين من الخارطة ونحن على حافة مثل هذا الخطر؟ لعل من دون إعلان استقلال الدولة الفلسطينية ووحدتها مع شرعنة دولية غير قابلة للانتقاص بالقدس الشرقية على الأقل عاصمة لها وبحق العودة إذا بقينا في حالة التردد والتفسخ سوف نبقى عرضة للتدرج في التخلي عن حقوقنا وأن تدفعنا الواقعية المزوّرة إلى واقعية قد يصعب الخروج منها بسهولة.

الآن لحظة الحقيقة وهي واضحة وقابلة للصيرورة. الآن هناك ضــرورة لقــطع العلاقات مع «إسرائيل» وفرض المقاطعة الاقتصادية عليها وعودة فلسطين نقطة الارتكاز لاستعادة شعورنا بأن العرب من دون فلسطين هم على ما هم عليه ومع فلسطين نستعيد قدرة النهضة والوحدة. أرجو أن لا يكون هذا سراباً أو مجرد أمنية بل اقتراح قابل للإنجاز.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2182161

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2182161 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40