الاثنين 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

خبـر صغـير!! : الحوار الإستراتيجي «الإسرائيلي» الأمريكي يستهدف الدول العربية

الاثنين 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par د. بثينة شعبان

كان خبر انعقاد اجتماعات الحوار الإستراتيجي بين «إسرائيل» والولايات المتحدة في واشنطن في 20 أكتوبر الجاري مختصراً جداً، ومن أقلّ الأخبار انتشاراً على الوكالات العالمية، حيث اقتصر الخبر على بعض أسماء المشاركين ورئيس الوفدين من كلا الطرفين، وأن هذا الحوار يعقد كل ستة أشهر، وأن الجلسة السابقة عقدت في «تل أبيب» في فبراير الفائت، وأن موضوعها الأهم كان «التهديد» النووي الإيراني، وبالطبع إعادة تأكيد الولايات المتحدة التزامها بـ «أمن» «إسرائيل»، الذي يعني عمليّاً تعهدها بتحقيق تفوّق «إسرائيل» العسكري على الدول العربيّة المجاورة والبعيدة، بالإضافة إلى دول بعيدة غير عربيّة مثل إيران وتركيا، وانفراد «إسرائيل» بأسلحة الدمار الشامل بما في ذلك السلاح النوويّ.

وقد أشار البيان المقتضب الذي صدر عقب الاجتماع إلى أن «الولايات المتحدة و«إسرائيل» تلتزمان العمل معاً لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين وقد ساعدت المناقشات الحالية تحديد سبل تعاوننا القوي الحالي في هذا الصدد لمصلحة الجميع في المنطقة»، والسؤال هو كيف يمكن أن يكون تعاون الولايات المتحدة الإستراتيجي مع «إسرائيل» لمصلحة «الجميع» أي كيف يمكن أن يكون تسليح الولايات المتحدة لـ «إسرائيل» بالأسلحة النوويّة، والطائرات الحاملة لها، لمصلحة «الجميع» بمن فيهم العرب، والأتراك، والإيرانيون؟ كيف يمكن أن يكون تمويل الولايات المتحدة، عبر ضمانات القروض، لبناء المستوطنات اليهوديّة على الأراضي الفلسطينيّة «لمصلحة» من تصادر «إسرائيل» أرضهم، وتهدم منازلهم، وتهجرهم من ديارهم، وترتكب ضدّهم جرائم الحرب، والإبادة، والتطهير العرقي بما يشبه إبادة السكان الأصليين في الولايات المتحدة وكندا واستراليا وأيضاً في دول أمريكا الجنوبية؟ ومن هم هؤلاء «الجميع» الذين سوف يستفيدون من التعاون الإستراتيجي الأمريكي «الإسرائيلي»، وهو تعاون في مجالات الحرب، والاستيطان، والتخريب المخابراتي الموجّه فعلاً ضدّ «الجميع» في «الشرق الأوسط»، وهو تعاون يهدف إلى الحفاظ على تفوّق «إسرائيل» عسكرياً، وبشكل يغطّي على جرائمها المتمثّلة في تدمير أمن الفلسطينيين، وأرزاقهم، وحياتهم، وحقوقهم، وطريقة عيشهم؟

وفي التعامل مع هذا الخبر يظهر مدى الحنكة الإعلامية للطرفين بتمرير خبر بمثل هذه الخطورة دون أن يُلاحظ تقريباً كي لا يتوقف أحد من ضحاياهما عند المدى الواسع للتكافل والتضامن الإستراتيجيين بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» على العدوان، والتطهير العرقيّ ضدّ الفلسطينيين المتمثلين بالحصار وحرمان الشعب الفلسطيني من الحريّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان! مما يعني أن الولايات المتحدة لم تكن ولن تكون يوماً «وسيطاً نزيهاً» من أجل تحقيق السلام العادل والشامل. وهذا بحدّ ذاته يفّسر فشل عملية السلام خلال العشرين عاماً الماضية ذلك لأن حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة، والتي هي في واقع الحال رهينة الحوار الإستراتيجيّ مع القوى «الإسرائيليّة» المحتلة، تتظاهر بأنها تلعب دور «الوسيط» فيما هي في الواقع تساعد «إسرائيل»، باعتبارها حليفاً إستراتيجيّاً، على تدمير حياة الفلسطينيين، وتهديد الدول المجاورة، وتنشر الحرب وعدم الاستقرار في «الشرق الأوسط»، بهدف «الحفاظ على تفوّق «إسرائيل» العسكري».

العلاقة الحقيقية والجوهرية بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» هي أنهما شريكان في السياسة التي ينفذها كل منهما في منطقتنا، وأنه تتم بينهما مناقشة كلّ الأمور المتعلّقة بالحرب، والاستيطان، وتهديد أمن دول المنطقة، وتفتيت الدول العربيّة وتدميرها الواحدة منها بعد الأخرى بالحرب، أو الفتنة الداخليّة، أو الانفصال، على طاولة «الحوار الإستراتيجي» بينهما قبل أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ المشترك سواء في العراق أو فلسطين أو لبنان أو السودان أو إيران أو أفغانستان أو اليمن ويتضمن ذلك حتى تسليح بعض الدول بشكل لا «يهدّد» (إسرائيل). لا بل حتى موظفي الإدارة الأمريكية تتم مراقبة أدائهم حسب مواقفهم من «إسرائيل» وسياساتها تجاه إيران والفلسطينيين ومسائل أخرى، ولا يتمّ تعيينهم ما لم تكن مواقفهم متطابقة مع المصالح «الإسرائيلية». فالذين يُفاجأون اليوم بعدم قدرة إدارة أوباما على تحقيق أي تقدّم في عملية السلام في «الشرق الأوسط» يجب أن يعودوا إلى مقال بعنوان «أنباء سارّة عن تعيينات أوباما» الذي نشرته الصحيفة اليهودية (24 نوفمبر 2008) Jewish Issues Watchdog : ومما جاء فيها :

«لقد كانت هناك أسئلة حول التعيينات المحتملة لمواقع مهمة في إدارة أوباما تتعلق بوجهات نظرهم حول «إسرائيل» وإيران والفلسطينيين وقضايا أخرى. اليوم أؤكد على أسباب تدعو للثقة بأن الفريق القادم سوف يقوم بأشياء إيجابية في «الشرق الأوسط»». واليوم وبعد سنتين من ذلك التاريخ تقريباً نعلم أن تلك «الأشياء الإيجابية» هي «طرح يهودية الدولة»، وتسارع غير مسبوق للاستيطان، وتدمير البيوت في القدس الشرقية، وإصدار قانون في «الكنيست» يرغم الفلسطينيين على دفع أجرة هدم منازلهم، وحرمانهم من العمل في المجال السياحي كي لا يشيروا إلى أي شيء فلسطيني، وإرغامهم على أداء القسم لدولة يهودية أي التطهير العرقيّ للوجود الفلسطيني.

وها هي الوثائق التي تنشرها «ويكيليكز» عن الحرب على العراق تؤكّد أن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب العراقي تشابه في طبيعتها، وحجمها، واستهتارها بحياة العربي تلك التي ترتكبها «إسرائيل» يومياً ضدّ الشعب الفلسطيني. لقد كان المشاهدون يقولون أثناء الحرب على العراق لا نعلم إن كان الموقع بغداد أم القدس، غزة أم النجف، نابلس أم الموصل، جنين أم الفلوجة لأن الاستهانة بالمقدسات، وحياة البشر، هي نفسها، وأسلوب التدمير والتعذيب في أبو غريب، وغوانتنامو هو نفسه المستخدم بشكل واسع في السجون «الإسرائيلية» التي تعج بجرائم مخزية، ومخجلة، ومحزنة، والتي وإن تسرّب بعض منها إلى الإعلام لا تلقى من يجرؤ على الحديث عنها أو المطالبة بمعاقبة مرتكبيها نظراً للتعاون الإستراتيجي أيضاً بين الإعلاميين الأمريكي و«الإسرائيلي»، وكل منهما «حرّ» بما لا ينشر من جرائم ترتكبها حكومته ضدّ العرب! والسؤال هو من يعاقب القتلة ومجرميّ الحرب إذا كانت الأمم المتحدة نفسها، وبكلّ هيئاتها، ترزح تحت الهيمنة الأمريكيّة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 68 / 2178730

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178730 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40