الاثنين 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

التبرّع بالحلول للقضية الفلسطينية؟

الاثنين 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par منير شفيق

[**

اضغط على الصورة لتحميل نسخة مصورة (PDF)

*]

مع وصول «حل الدولتين» الذي طرحه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وتبناه باراك أوباما من بعده إلى الطريق المسدود أو حالة الفشل أو اليأس منه، أو العبثية في استمرار تبنيه، ذهب البعض، ومن تيارات سياسية مختلفة، إلى إحياء مشروع، أو تبني مشروع، «حل الدولة الواحدة».

بعض هؤلاء كانوا من المشاركين في المفاوضات للوصول إلى حل الدولتين أو من المؤيّدين للعملية السياسية في ما بعد اتفاق أوسلو أو انطلاقاً منه. فبالنسبة إلى المشاركين فقد أرادوا من الحديث عن حل الدولة الواحدة «إخافة» المفاوض الإسرائيلي وإقناعه بتسهيل عملية التوصّل إلى «حل الدولتين» لئلا يواجه «حل الدولة الواحدة».

أما بالنسبة إلى غيرهم من مؤيّدي العملية السياسية المبنية على الأسس التي وضعها اتفاق أوسلو أو المبنية على الأسس التي وضعها مؤتمر مدريد، أو على الأسس التي وضعها قرار 242 زائداً دولة فلسطينية (مشروع ما قبل مؤتمر مدريد في مرحلة «الحرب الباردة» - الخط السوفياتي)، فأغلب هؤلاء أصبحوا يلتقون الآن حول الإشارة، بشكل أو بآخر، إلى تبني مشروع «الدولة الواحدة»، وذلك بعدما تبيّن لهم لا واقعية الحل على أيّ من تلك الأسس: فقد هبطت العملية السياسية التي بدأت من القرار 242 على أيدي بيل كلينتون ثم بوش-أوباما من خلال رايس- ميتشل إلى المستوى الحالي. وكان هذا هو المسار الذي اتخذته العملية السياسية ولم يكن أمامه غيره من مسار، عدا في الفرضيات التي لم تجد طريقها إلى التطبيق وهي التي ادّعت الواقعية أو قامت أصلاً على ادّعاء الواقعية. ورفضت أن يكون ثمة خيار آخر لا سيما الخيار الذي قامت عليه (م.ت.ف) في مرحلتيها 1964 و1968، أو قامت عليه منطلقات فصائلها كافة.

بكلمة، انتهى هؤلاء، من استراتيجية العملية السياسية التي استهدفت «حل الدولتين»، لا ليعودوا إلى ثوابت القضية الفلسطينية واستراتيجية المقاطعة والمقاومة والمغالبة وإنما لتبني مشروع «الدولة الواحدة». ولكن من دون أن يقولوا لنا كيف. أي نحن أمام هدف جديد بلا استراتيجية وتكتيك محددّيْن لتحقيقه، وبلا تحديد لهوية الدولة المذكورة أو حتى اسمها الكامل.

إن التقدّم بمشروع «الدولة الواحدة» ليس بجديد. فقد كان مطروحاً منذ بداية الثلاثينيات، في الأقل، من القرن الماضي حتى صدور قرار 181 في عام 1947 لتقسيم فلسطين. علماً أن قرار التقسيم نفسه استبقى مشروع إقامة الدولة الواحدة في صلبه ولكن بعد المرور بحل الدولتين التي تربط بينهما وحدة إقتصادية وعلاقات تمهّد للوصول إليه.

وهكذا وضع مشروع الدولة الواحدة على الرف وغاب عملياً، وسقط من التداول منذ 1948 إلى 1969 ثم أعيد إحياؤه بلغة أخرى ومضامين أخرى، غير السابقة، من خلال حركة «فتح» تحت شعار إقامة دولة ديمقراطية فلسطينية واحدة تقوم على أساس علماني بحيث يتساوى فيها المسيحيون والمسلمون واليهود. ولكن «فتح» رهنت مشروعها بتحرير فلسطين، وتصفية الكيان الصهيوني بكل مؤسساته الصهيونية: الدولة والجيش والأيديولوجية، وبالطبع مع عودة كل اللاجئين إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم (حق العودة).

يلحظ هنا فارق أساسي بين مشروع الدولة الديمقراطية الفلسطينية ومشروع الدولة الواحدة الآن، فالأول تحدَّد من خلال هدف التحرير القائم على الكفاح المسلح وتصفية الكيان الصهيوني. فيما الثاني لا يحدّد هويته مثلاً هل هي فلسطينية أم إسرائيلية؟ أم ماذا؟ ولا يحدّد كيفية الوصول إلى تحقيقه مثلاً عن طريق المفاوضات والتراضي أو قرار دولي يطالب به ويفرضه، أم هو حل نهائي بعد سلسلة من الحلول؟ وهل سيأتي عبر شكل محدّد من أشكال النضال أم عبرها كلها؟ وهل سيأتي حلاً بعد التحرير وعودة اللاجئين والنازحين إلى كل فلسطين، أم سيقتصر أساساً على سكان الضفة والقطاع وآخرين؟

مشكلة أصحاب «الدولة الواحدة» الآن كونهم قفزوا إلى هذا الشعار القديم بسبب فشل حل الدولتين، أو بسبب الحاجة إلى مخاطبة الرأي العام بإظهار موقف إنساني، بعيداً من اتهامهم بالعداء للسامية، أو بطرد اليهود من فلسطين، أو القضاء على «دولة إسرائيل». وبهذا يكون مشروع «الدولة الواحدة»، قد ولد اليوم هروباً من مواجهة الوصول إلى الطريق المسدود من حيث عدم وجود حل. ولكن هنالك من طرحه لإقناع «حماس» بضرورة مخاطبة الرأي العام بحل إنساني مادام أصحاب «حل الدولتين» فقدوا الأرض التي يقفون عليها، وأصبح بديلهم مطلوباً على أكثر من مستوى فلسطينياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً.

منذ المرحلة الأولى من أوائل الثلاثينيات إلى 1947 عندما قبلت الحركة الوطنية الفلسطينية بقيام دولة فلسطينية تستوعب داخلها مئات آلاف المهاجرين اليهود مع احتفاظها بالأغلبية العربية (مسلمين ومسيحيين) لعب شعار الدولة الواحدة دور الإسفنجة التي تمتص ما يكون قد فُقِد من الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني. أي القبول باستيعاب الهجرة غير الشرعية إلى فلسطين. وهو ما استهدفه «الكتاب الأبيض» الذي قدمته بريطانيا للحل على سبيل المثال.

ثم استخدم قرار الدولة الواحدة لتمرير قرار التقسيم لعام 1947 باعتبار تقسيم فلسطين سيكون حلاً مؤقتاً، أو ستكون إقامة «دولة إسرائيل» عملية مؤقتة ستأتي بعدها دولة فلسطين الموحدة أو الواحدة.

بكلمة، كان مشروع الدولة الواحدة مدخلاً لتبليع الفلسطينيين والعرب والمسلمين الهجرات اليهودية الممهدة لاغتصاب فلسطين ثم لتبليعهم قرار التقسيم.

أما المرحلة من 1948 إلى 1967 (حرب حزيران) فكانت مرحلة «تبليع» ما حدث من إقامة دولة الكيان الصهيوني وتهجيرها لثلثي الشعب الفلسطيني من بيوتهم وأراضيهم وقراهم ومدنهم وإحلال المستوطنين اليهود مكانهم. وذلك من خلال مشاريع وهمية بإيجاد حلول ما لقضية اللاجئين الفلسطينيين تتراوح بين المطالبة بتنفيذ قرارات هيئة الأمم المتحدة (قرار التقسيم 181 وقرار العودة 194)، أو حلول بعودة جزئية وتوطين جزئي وتعويض عام.

على أن عودة شعار الدولة الواحدة عبر مشروع الدولة الديمقراطية الذي طرحته «فتح» فكان الهدف منه مخاطبة الرأي العام من خلال نفي تهمة طرد اليهود من فلسطين. ومن ثم التقدّم بحل إنساني لخدمة الكفاح المسلح وهدف التحرير الكامل.

ولكن الترحيب بهذه الخطوة الفتحاوية من جانب أوساط صهيونية ويسارية وبعض الحكومات الغربية، بالرغم من الأهداف المختلفة لكلِّ مُرَّحِّب جاء بسبب تضمّنها اعترافاً بحقوق متساوية لليهود مع كل من المسلمين والمسيحيين العرب في فلسطين، فيما صاحب الحق الشرعي الحصري في تقرير مصير فلسطين وفقاً للقانون الدولي هو الشعب الفلسطيني وحده.

فـ «فتح» هنا قدّمت تنازلاً مجانياً لليهود من دون مقابل من جانبهم بمعنى أنهم لم يوافقوا بدورهم على المساواة في الحقوق مع المسلمين والمسيحيين العرب في فلسطين. وقد ظنت أنها وهي تفعل ذلك ستؤثر في الرأي العام اليهودي داخل فلسطين وفي الرأي العام العالمي. [*(1)*]

ولكن لم تمر سنتان على هذه «الخطوة الإيجابية» الهامّة من جانب «فتح» حتى كانت قد اخترقت أيضاً (م.ت.ف)، والرأي العام العربي. ولم تخترق في الرأي العام العالمي أو «الإسرائيلي» إلاّ على مستوى أعداد قليلة جداً من اليسار والنخب، حتى بدأ الهجوم من «الأصدقاء الجدد» : الإتحاد السوفياتي ومعسكره أولاً، ثم من ممثلي الرأي العام الغربي ثانياً باعتبار شعار الدولة الديمقراطية غير عملي وغير واقعي. لأنه يستهدف القضاء على «دولة إسرائيل»، ولا يمكن أن يقبل على المستوى الدولي. ومن ثم لا يمكن أن يكون حلاً للقضية الفلسطينية. أي المطلوب التقدّم بمشروع حل جديد (تنازل جديد).

من هنا كان على «فتح» أن تقدّم التنازل المجاني الثاني إرضاء للسادات ولكسب الإتحاد السوفياتي، والتمهيد لحل واقعي تحت سقف القرار 242. وقد تُرجم ذلك بـ «مشروع النقاط العشر». أي التقدّم ببرنامج الحد الأدنى الذي يتضمن إقامة سلطة وطنية على أي جزء يتحرّر من فلسطين. وذلك من دون أن يشار إلى إقامة دولة فلسطينية لئلا يُتهم بأنه مُتجِّّه للإعتراف بدولة الكيان الصهيوني أي حلّ الدولتين، ومن دون أن يشار إلى القبول بقرار 242. بل تضمنت النقاط العشر من أجل تمريره رفضاً لقرار 242 أو للصلح أو الإعتراف أو المفاوضات أو التخلي عن الكفاح المسّلح طريقاً للتحرير.

وبهذا غاب هدف الدولة الواحدة، بداية في برنامج الحدّ الأدنى، ليبقى هدف التحرير الكامل والدولة الواحدة الديمقراطية «برنامج الحدّ الأعلى» (طبعاً نُسِي كل هذا لاحقاً).

كان مشروع النقاط العشر البداية والتمهيد للإنتقال إلى مشروع «الدولة المستقلة» عام 1988 تحت سقف القرار 242 أو «حدود» الرابع من حزيران 1967، ثم مؤتمر مدريد، ثم اتفاق أوسلو، ثم تفاهمات مؤتمر أنابوليس: حلّ الدولتين عبر المفاوضات التي ستقرّر كل ما يتعلق بشروطه. ولكن منذ اتفاق أوسلو الذي قام على مفاوضات ثنائية فلسطينية - «إسرائيلية» سريّة صعدت عملية الإستيطان وتهويد القدس ومصادرة الأغوار في ظل المفاوضات تصعيداً هائلاً، على عكس ما ادُّعي أو كان مفترضاً، حتى لم يبق ما يمكن أن تقوم عليه دولة فلسطينية. هذا وما زال هذا التصعيد في الإستيطان مستمراً في ظل وساطة إدارة أوباما. الأمر الذي أوصل «حلّ الدولتين» إلى الطريق المسدود، من وجهة نظر الكثيرين. ومن ثم أعاد إلى الحياة مشروع الدولة الواحدة بعد إغفاءة طويلة على الرف إلى جانب قرارات هيئة الأمم المتحدة سيئة الصيت كما إلى جانب اتفاق أوسلو وخريطة الطريق على سوئهما وهبوط سقفهما.

إذا كان مشروع الدولة الواحدة بحلله القديمة مأساة (لنستخدم موضوعة لماركس حين يُراد تكرار حدث ماضي) فإن حلته أو حلله الجديدة مسخرة أو ملهاة. ولهذا فإن أصحاب المشروع الجديد يطرحونه هروباً أو ارتجالاً بلا تحديد لمدى واقعيته أو لهوّيته أو لاستراتيجيته وتكتيكه عدا تصوّرهم لبعض الأغراض التي يمكن أن يؤدّيها. وذلك بعيداً من أن يكون حلاً، وإنما باعتباره شعاراً. ولكن حتى هذه الأغراض الجانبية بعيدة المنال إن كان المقصود الرأي العام العالمي أو تحريكاً لنضال تحت لوائه.

ولكن السؤال : إذا كان «حلّ الدولتين» أثبت أنه غير واقعي ودخل الطريق المسدود عدا في حالة إعلان دولة فلسطينية أو القبول بدولة ضمن آخر الشروط والمواصفات «الإسرائيلية» التي لم يُعلَن عنها بعد. وهذه ستكون بعيدة جداً حتى عن سقف بوش - أوباما. فكيف محمود عباس ومن هم عند سقفه الحالي من دول عربية (مصر على التحديد)؟ وإذا كان «حلّ الدولة الواحدة» مجرّد شعار، وبلا هوية ولا أرض ولا سقف ولا جدران، فما الحلّ؟
الجواب يجب أن يستند أولاً وقبل كل شيء على الحق والثوابت والمبادئ والعدالة. وهو اعتبار كل ما أحدثه الإنتداب البريطاني من هجرة يهودية بقصد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ثم اعتبار ما صدر من قرارات دولية منذ قرار التقسيم 181 لعام 1947 عن هيئة الأمم، وقد أعلنت «دولة إسرائيل» بالإستناد إليه، ثم ما تلا ذلك من قرارات حتى اليوم بما فيها قرار 242 تمثل ظلماً فادحاً على الشعب الفلسطيني وافتئاتاً على القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة وهدراً لحقه الثابت في تقرير المصير مع انتهاء الإنتداب البريطاني كما ينصّ القانون الدولي.

فمن حيث الإستناد إلى الحق والثوابت والمبادئ والعدالة فإن كل ما تمّ من إجراءات لإقامة دولة الكيان الصهيوني وتكريسها وما استتبع ذلك من تهجير لغالبية الشعب الفلسطيني من بيوته وقراه ومدنه، وما صدر من قرارات دولية وقدّم من حلول للقضية يشكل بعضه تجاوزاً، وأغلبه، نقضاً للحق والثوابت والمبادئ والعدالة.

ولكن الجواب ثانياً وهذا لا يقل أهمية، وقوّة عن الجواب الأول فيستند إلى التجربة الواقعية مع كل ما جرى من قرارات دولية. وقدّم من مشاريع «عملية» لإيجاد حلّ للقضية الفلسطينية ولمشكلة الشعب الفلسطيني ابتداء من الكتاب الأبيض، وما قدّم من اقتراحات لإقامة الدولة الواحدة قبل 1947، ومروراً بقرار التقسيم 181، وقرار 194، ثم بقرارَيْ 242 و338، وانتهاء بمؤتمر مدريد فاتفاق أوسلو، ومفاوضات كمب ديفيد2، ثم مفاوضات ما بعد مؤتمر أنابوليس، استناداً إلى خريطة الطريق واعتبار المفاوضات الثنائية المباشرة لحلٍّ على أساس«حلّ الدولتين» - كلها غير واقعية وغير عملية وقد أدّت إلى مزيد من تآكل ما تبقى من أرض في الضفة الغربية ومن تهويد القدس ومن استنزاف تهجيري متواصل للسكان الفلسطينيين ومن تشديد صهيوني - أميركي على اعتبار «دولة إسرائيل» دولة لليهود فقط. بل كلها كانت نسفاً لأصول القضية الفلسطينية من جهة وتهديداً بترحيل الفلسطينيين الذين بقوا تحت دولة الكيان الصهيوني بعد قيامها من جهة ثانية. وقد راح يؤدي إلى البدء بمحو معالم المدن والقرى العربية وتهويدها مثل يافا وحيفا وعكا واللد والرملة وذلك عدم الإكتفاء بسُكناها واستغلالها باعتبارها «أملاك غائبين»، كما كان الحال منذ 1948 حتى المرحلة الراهنة. أما اليوم في ظل عملية التسوية الحالية فقد انتقل الوضع إلى التهويد وتغيير الوقائع من خلال سنّ قوانين تمليكها لليهود.

باختصار، إن مسار البحث عما يسمّى بالحلول الوسط في ظل قيام دولة الكيان الصهيوني أثبت أنه بعيد عن الواقعية والعملية والممكن، بأكثر مما اتهم به التمسّك بمبادئ القضية الفلسطينية وثوابت حق الشعب الفلسطيني في وطنه ورفض مشاريع التسوية جميعاً باعتبارها تكريساً لما وقع من ظلم واغتصاب للأرض وتشريد لأهلها الأصليين من جهة وتشجيعاً من جهة أخرى للمضيّ في عمليات الإستيطان والتهويد وقضم المزيد من الأراضي في الضفة الغربية إلى ما لا نهاية حتى لا يبقى عليها فلسطيني وأثر للشعب الفلسطيني. ولولا ما حدث في قطاع غزة من تطوّرات فرضت فك الإرتباط وتفكيك المستوطنات واستعصاء احتلاله من جديد: لكان المصير الذي ينتظره مصير الضفة الغربية من ناحية الإستيطان والقضم وتهجير للفلسطينيين.

تلكم هي النتيجة الواقعية لما عرف بمسار التسوية والذي قام على مسار للتنازلات الفلسطينية والعربية والدولية تواصَلَ منذ القبول بما تمّ من هجرات يهودية استيطانية في ظل الإنتداب البريطاني وبحماية حِرابِه وجنودِه، ومر ّ بقبول قرارات هيئة الأمم المتحدة حتى قرار 242 ثم القبول بمسار التفاوض المباشر بالرعاية الأميركية - الأوروبية - «الرباعية».

وبالمناسبة لقد صحب هذا المسار تنازلات دولية متواصلة عن قرارات وتوصيات ومواقف سبق وصاغتها الدول الكبرى نفسها وأعلنتها سياسة رسمية لها ابتداء من التنازل عن قراريْ 181 و194 لحساب القراريْن 242 و338 ثم التنازل عن القراريْن المذكوريْن بإحالة الحلّ إلى خريطة الطريق والمفاوضات المباشرة وفقاً لما يتفق عليه الطرفان وبهذا تحوّلت القرارات الدولية إلى مرجعية شكلية ما دام الحلّ قد أُحيلَ إلى المفاوضات، وما يرضى به الطرفان «المتفاوضان».

ولهذا يجب أن يسقط أي احترام لأي قرار دولي تتخذه الدول الكبرى في مجلس الأمن، أو تعلنه من سياسات، ليس من زاوية إجحافه بالحق الفلسطيني وإنما أيضاً من زاوية مدى ثبات الدول الكبرى نفسها عليه، واحترامها له. فقد أثبتت التجربة الواقعية أنها لا تثبت على قرار صاغته بيديها، ولا تحافظ على موقف تعلنه. فمسارها الإنتقال خطوة بعد خطوة لتبنّي أو تغطية المشروع الصهيوني بكامله: وهو معنى تعليق الحلّ على المفاوضات وعلى ما يرضى به الطرفان، فيما تتواطأ عملياً على تكريس ما يُنفّذ على الأرض من استيطان للأراضي الفلسطينية وتهجير للعرب وتهويد للقدس. وقد خرجت مؤخراً ببدعة «إقامة دولة فلسطينية على حدود حزيران 1967 مع تبادل للأراضي». فتبادل الأراضي ينسف «مرجعية» حدود حزيران 1967 بالضرورة. لأنه يكرسّ ما جرى من استيطان وتهويد، ويغطي ما يجري وسيجري من استيطان وتهويد في ظل المفاوضات.

وبهذا يمكن القول، وبلا مجال لمكابرة مكابر، بأن مسار التسوية لم يثبت أنه طريق للواقعية والحلول العملية الممكنة، أو لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فما حصل بعده وفي ظلّه أسوأ بكثير مما حدث قبله في ظل المقاطعة، ورفض التفاوض والصلح والإعتراف من 1948 إلى 1979. أي حتى البدء بالمفاوضات المباشرة، وإعلان الإستعداد للإعتراف والصلح إثر زيارة الرئيس أنور السادات للكيان الصهيوني والوصول إلى المعاهدة المصرية - «الإسرائيلية».

ثم تأتي المقارنة الأسوأ مع المراحل السابقة بعد مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو والمفاوضات المباشرة الفلسطينية - «الإسرائيلية» وخطوات التطبيع، وأخيراً إعلان مبادرة السلام العربية، وتفاهمات مؤتمر أنابوليس، وقرار لجنة متابعة مبادرة السلام العربية في الجامعة العربية التي راحت تغطّي تفاهمات أوباما - نتنياهو وتنازلات محمود عباس.

هذه النتائج الفاجعة يتحمّل مسؤوليتها الكبرى مسار التسوية والتنازلات أي مسار البحث عن حلول حيث لا حلول. وهو مسار شجع المشروع الصهيوني للإنطلاق بأقصى سرعته في تغيير الوقائع القائمة على الأرض ليس في الضفة الغربية فحسب، وإنما أيضاً، في الأراضي المستولى عليها في حرب 1948، وهي 78% من فلسطين.

وخلاصة، يكون مسار التسوية مُداناً ليس من ناحية المبادئ والثوابت فحسب، وإنما أيضاً، من حيث خطل إدّعائه بالواقعية والعملية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو بكسب الرأي العام العالمي ويقصد الدول الغربية بالدرجة الأولى. ولهذا سقط في الإمتحان وفقد كل شرعية، أو مسوّغ. كما دخلت مشاريع الحلول في الطريق المسدود ليفرض في النهاية الموضوعة القائلة أن لا حلّ ممكناً مع المشروع الصهيوني وطمعه غير المحدود في الأرض الفلسطينية وتهويدها كلها بالكامل. وبالمناسبة إن فشل عمليات التسوية حتى الآن كان موضوعياً من حظ من أيّدها من فلسطينيين وعرب لأن نجاحها كان سيدخلهم في خيانة القضية الفلسطينية وتصفيتها.

لا تفسير من الناحية العملية لفشل مسار التسوية غير عدم استعداد القيادات الصهيونية «الإسرائيلية» كافة للقبول بأيّ حلٍّ ما دام هنالك طمع في المزيد من أخذ ما بقي بيد الفلسطينيين من جهة كما أثبتت التجربة أن الدول الغربية وفي مقدّمها الولايات المتحدة الأميركية لا تريد أن تفرض حلاً حتى في الحدود الدنيا التي يمكن أن يقبل بها أكثر الفلسطينيين تنازلاً عن الأرض والحقوق والثوابت. وقد ثبت أن الحكومات الغربية لم تكن صادقة أو جادّة بقراراتها وقد أصبح قادتها منذ إدارة كلينتون أكثر ضعفاً أمام الهيمنة اليهودية الصهيونية في بلادهم، وأشدّ تماهياً مع المشروع الصهيوني حتى وضعوا شرطاً للحلّ هو ما يرضى به الطرفان أي الطرف «الإسرائيلي» في المفاوضات.

هاتان الحقيقتان كان يجب أن تكونا بدهيتين منذ منشأ القضية الفلسطينية سواء أكان من جهة فهم المشروع الصهيوني وعقلية قادته في ظل حماية ودعم دوليين غير محدودين وفي ظل استراتيجية دولية غربية، هي أصلاً صاحبة المشروع، كما في ظل تجزئة عربية وانقسامات إسلامية وهيمنة غربية على ميزان القوى العالمي.

كان عدم التراجع عن إدراك هاتين الحقيقتين من شأنه تجنيب الوقوع في أوهام التسوية، وفي التخلي عن سياسات المقاطعة والممانعة بل كان من شأنه تشجيع استراتيجيات المقاومة وإحداث التغيير في الواقع العربي أساساً.

لقد اتسّمت السياسات العربية الرسمية 1948 - 1979 بالمقاطعة ورفض التفاوض والتطبيع والصلح. فعلى الرغم من تواضعها وافتقارها إلى إيجابية امتلاك القوّة على المستوى العربي العام (عدا حالات قليلة تحرّرية عربية ووجهت بالحصار وتعرّضت للعدوان والإحتلال وفي مقدّمها مصر الناصرية)، إلاّ أنها استطاعت أن تحدّ من النشاط التهويدي حتى في الأراضي المحتلة في العام 1948 كما تحدّ من الإستيطان في الضفة والقطاع. الأمر الذي فرض على حكومات دولة الكيان الصهيوني إبقاء الأحياء العربية في المدن والقرى على حالها، بالرغم من إسكان المستوطنين فيها. ولم تقم مستوطناتها فوق أنقاض القرى التي مُحِيَت وهُجّر أهلها بالكامل حتى مفاوضات أنابوليس حيث بدأت عمليات تمليك الأرض والبيوت وتغيير ملامح المدن التاريخية مثلاً في عكا ويافا، وفي القدس بخاصة. هذا ناهيك عن العزلة الدولية التي عانى منها الكيان.

إن عمليات التفاوض والإعتراف التي قام بها السادات أطلقت فتح الأوتسترادات داخل المناطق المحتلة عام 1948 زيادة عن خريطة قرار التقسيم. ولم تفتح الأوتسترادات والطرق الإلتفافية في الضفة الغربية إلاّ بعد اتفاق أوسلو. ولم يحدث تملك «أملاك الغائبين» إلاّ بعد مفاوضات أنابوليس. مما يدّل على أن الكيان قبل مسار التسويات كان متحسّباً من مجيء ظروف قد تفرض عليه العودة وحتى الرجوع إلى خطوط التقسيم، ناهيك عن خطوط الهدنة بعد 1967. فما حدث من تنازلات فلسطينية وعربية هي التي أوصلت الأوضاع في فلسطين من حيث التهويد إلى ما وصلته الآن. وهي التي أوصلت إلى «مبدأ» تبادل الأراضي في الضفة الغربية، وإلى اختصار ما يمكن أن يبقى لدويلة فلسطينية لا يتجاوز العشرة في المائة من أرض فلسطين التاريخية. وحتى هذه العشرة في المائة ستكون مقطعة الأوصال محاصرة عسكرياً من كل الجهات وبلا مياه جوفية ولا سيادة على أجوائها أو معابرها.

لعل من أشدّ السلبيات التي نجمت عن اتفاق أوسلو من جهة ميزان القوى السياسي كان اتسّاع الإعتراف الديبلوماسي الدولي بالكيان الصهيوني والتشجيع على التطبيع العربي والفلسطيني.

هذا المآل الخطير على الأرض وفي مسار التسوية هو الذي أعاد إثارة موضوع «حلّ الدولة الواحدة»، كما شجع من جهة أخرى على شعار «يهودية دولة الكيان الصهيوني». فبغض النظر عن الأسباب والدوافع التي يحملها كل طرف أخذ يجنح إلى الدعوة إلى «حلّ الدولة الواحدة». إلاّ أن هذه الدعوة تستبقي الأمل (الوهم) في إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية يجب تركيز الجهود عليه. وهذا الحلّ لا بدّ من أن يكون مشتركاً متوافقاً عليه بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» وهو ما تعنيه «الدولة الواحدة» بالضرورة وتحت أي تعريف.

يعني أننا ما زلنا ضمن سقوف الحلول للقضية الفلسطينية وكل حلٍّ هو بالضرورة حلٌ سياسي لا سيما حين لا يسبق شرط التحرير وتحقيق العودة هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى فهو يتقدّم بأريحية مجانية، وبلا مقابل، بالإعتراف المسبق بحقوق المهاجرين المستوطنين لفلسطين وبمساواة بالضرورة مع أصحاب الحق الحصري فيها، وهم شعبها الفلسطيني الأصلي التاريخي وقت وقوع الإنتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى. هذا الحق يقررّه القانون الدولي بلا منازعة حوله. وقد مورِس من قِبَل كل شعوب المستعمرات كافة عدا الشعب الفلسطيني الذي حُرِم بالقوّة والتهجير القسري من ممارسته وبفضل قرار التقسيم 181 غير الشرعي.

والسؤال : إذا كانت التجربة الفلسطينية منذ عشرينيات القرن الواحد والعشرين وحتى اليوم قد أثبتت أن لا حلّ للقضية الفلسطينية ضمن خصوصية المشروع الصهيوني والإستراتيجية الغربية وحالة التجزئة والتبعية عربياً، وكذلك إسلامياً، فلماذا البحث عن حلّ إفتراضي جديد - قديم؟ بل لماذا لا نتعامل مع القضية الفلسطينية بأن لا حلّ ممكناً لها، وإذا حدث فالتصفية للقضية. ولهذا لا طريق غير المغالبة، والمغالبة فقط.

نعم يجب أن يُسّلم بهذه الحقيقة الصارخة بأن لا حلّ غير خوض المغالبة. ويجب أن يُجهَرَ بها في وجه الكيان الصهيوني. وذلك بالقول له لا حلّ عندك غير المغالبة ومن ثم لا حل عندنا غير المغالبة وكل حديث تتفوّه به غير ذلك هو كذب وخداع كما أثبتت التجربة حيث زدت مغالبةً في ظل الإعتراف والتطبيع والمفاوضات وطرح الحلول السياسية. وقد زادت أطماعك مع كل تنازل فلسطيني أو عربي أو دولي.

ويجب أن يُجهَرَ بهذه الحقيقة في وجه الإدارات الأميركية والحكومات الغربية وبالمنطق نفسه أي لا حلّ عندكم غير حلّ المغالبة فكل ما صدر عنكم من قرارات دولية ومشاريع حلول كان كذباً وخداعاً وتخديراً للفلسطينيين والعرب والمسلمين والعالم. وذلك بالإيحاء بأن لديكم حلاً وسطاً بعيداً من المغالبة [*(2)*]، فأنتم دعمتم دائماً المشروع الصهيوني الذي قام واستولى على فلسطين تحت حرابكم واستمرّ بالتوسّع والتهويد بدعمكم وغطائكم فأنتم لا تملكون غير المغالبة وقد زادت مغالبتكم في دعم المشروع الصهيوني في ظل مسار التسوية والمفاوضات والتطبيع والإعتراف والصلح.

وما دام الأمر كذلك ولا تستطيعون أمام وقائع التجربة الطويلة أن تقولوا أنكم مع الحلّ السياسي عبر التفاوض أو عبر قراراتكم ومشاريعكم فالممارسة ومسار انتقالكم من موقف إلى آخر لا يكذبان بأنكم لا تملكون غير المغالبة. وكل ما عدا ذلك هو في خدمة المغالبة أي تسليم فلسطين بالكامل للمشروع الصهيوني ولكن على دفعات وعبر جرعات من تغطية عمليات سياسية توهم باقتراب «الحلّ».

ولهذا يجب أن يوضع الشعب الفلسطيني وكل العرب والمسلمين وأحرار العالم أمام هذه الحقيقة لكي لا يبقى أمامهم من خطاب معكم غير المغالبة بمختلف استراتيجياتها السياسية والعسكرية والإقتصادية: مقاومة ومقاطعة وعدم اعتراف وحشد أسباب القوّة على أنواعها.

أما الدول الأخرى مثل روسيا والصين والهند ودول العالم الثالث فيجب أن يُواجهوا بحقيقة الوضع وعلى ضوء التجربة الطويلة مع الكيان الصهيوني والسياسات الغربية ويترك لهم أن يحددوا ما شاؤوا من مواقف ولكن لن يستطيعوا دحض ما أكدته التجربة الطويلة مع الكيان الصهيوني والإستراتيجيات الغربية. فلهم أن يختاروا بين إحدى المغالبتين أو الوقوف على الحياد.

على أن المهم والحاسم هو مواجهة الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين وأحرار العالم لهذه الحقيقة وهي أن المغالبة بالقوّة وبالإحتيال السياسي (التخدير من خلال الحلول السياسية) هما السمة الحاكمة للغرب والحكومات الصهيونية طوال التجربة القاسية في القضية الفلسطينية. ومن ثم يجب أن يُطرح كل وهم حول إمكان وجود حلِّ سياسي أو الدوران تحت سقف مسار التسوية. وهنا علينا أن نركز بصورة خاصة على الشعب الفلسطيني والأمة العربية لأن بعض قادتهما كانوا أساس البلاء في حرف البوصلة عن خط المغالبة الذي بدأ بالمقاومة والمقاطعة وعدم التفاوض ورفض التطبيع والصلح والإعتراف مع مواجهات عسكرية محدودة في 1948 و1956 و1967 و1973 قامت بها بعض الجيوش العربية ثم انتقل إلى دعم المقاومة الفلسطينية من 1967 إلى 1974 ثم بدأ التراجع مع قرار «م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد» لينتهي، بعد كارثة المعاهدة المصرية - «الإسرائيلية»، ثم اتفاق أوسلو إلى شعار «نرضى بما يرضى به الفلسطينيون» في ظل التسليم العربي بمسار التسوية انطلاقاً من مؤتمر مدريد وصولاً إلى مبادرة السلام العربية 2002، وأخيراً وليس آخراً تغطية لجنة متابعة المبادرة العربية في الجامعة لسياسات محمود عباس-الحكومة المصرية.

عملياً سُلّم الأمر لمسار التسوية وما فرضه من تداعيات ولّدت مناخاً راح يسرح ويمرح داخله العملاء والمتخاذلون والفاسدون الذين يريدون الخلاص من حركة التحرّر العربي أو التزامات الإستقلال والقضية الفلسطينية ليتماهوا بالمشروع الأميركي - الصهيوني العالمي، كما ولّدت مناخاً دعا إلى الإسترخاء العام من قِبَل أطراف أخرى اعتبرت أن السلام سيكون مصير المنطقة، فلا حاجة إلى القيام بأي جهد ممانع أو مقاطع. وقد جنحوا إلى رمي القضية الفلسطينية وراء ظهورهم أو على أكتاف (م.ت.ف) تحت حجّة الإلتفات إلى التنمية في أقطارهم والبعض تحت دعوى الحاجة إلى الإصلاح والديمقراطية والإنتهاء من شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، أو اعتبار أن أساس المشكل هو الإستبداد وليس الإستراتيجيات الدولية والتجزئة وموازين القوى.

ولكن من جهة أخرى بقي هنالك قوى رفضت الإنسياق وراء هذه الأوهام والتداعيات والتوجهّات. واستمسكت بالثوابت والمبادئ والمقاومة وأخذت في بداية الأمر تنحتُ في الصخر أمام طغيان مناخات «السلام» المضلّلة. هذا إذا لم تواجه بالتواطؤ والإقذاع في الهجوم السياسي والأيديولوجي عليها واعتبارها «خشبية» ما زالت تعيش في الماضي. أما النفس الجماهيري الفلسطيني والعربي العام فقد تراوح بين منتظر لما يمكن أن تأتي به عملية التسوية أو بين متعاطف مع المقاومة، مشكك بسياسات الرهان على أميركا، وغير متردّد باعتبار العدو هو الكيان الصهيوني إذ لا يمكن أن ينقلب إلى حمامة سلام. ولكن حتى المنتظرين فقد كان انتظارهم يتهيّأ للعودة إلى دعم الممانعة والمقاومة مع كل حدث عدواني أميركي - صهيوني، ومع كل إنجاز تحققه المقاومة سواء أكان في فلسطين أم لبنان. ومن ثم في العراق. فالرأي العام الفلسطيني والعربي كان الأسرع في الحكم على عملية التسوية بالفشل، وفي الإنحياز إلى المقاومة والممانعة وضرب حصار عزلة على القيادات التي راهنت على أميركا وراحت تسير في طريق تقديم التنازلات للكيان الصهيوني تطبيعاً أو اعترافاً أو استعداداً للإعتراف (مبادرة السلام العربية).

وبهذا تكون الأجواء مهيّأة لمواجهة الحقائق التي ولدّتها التجربة سواء أكان منها ما يتعلق بفشل البحث عن حلول للقضية الفلسطينية حيث لا أرضية لحلول. وهو ما أكدته التجربة حتى الآن، ولا مؤشرات عكس ذلك أم كان منها ما يتعلق بإنجازات المقاومة، ولا سيما في تحرير جنوبي لبنان 2000 والإنتصار على العدوان في حرب تموز وآب 2006 على لبنان، أو في فرض فك الإرتباط وتفكيك المستوطنات بالنسبة إلى قطاع غزة 2005 ثم الإنتصار على العدوان في الحرب على القطاع 2008/2009. ثم فشل الإحتلال العسكري الأميركي بفضل المقاومة في العراق، وكذلك في أفغانستان.

ويجب أن يضاف إلى هذه الأجواء المؤاتية تراجع السيطرة الأميركية عالمياً وإقليمياً عندنا وفي مناطق أخرى، مصحوباً بأزمة مالية عالمية كبرى أطاحت بالأسس التي قامت عليها العولمة في تسعينيات القرن الماضي. الأمر الذي ولّدَّ مجموعة فراغات على مستوى النظام العالمي (اللانظام) كما على مستويات إقليمية في منطقتنا وفي أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا. ويكفي أن نلحظ بروز ظاهرة مجموعة دول العشرين وأدوار كل من البرازيل وتركيا وإيران، وفنزويلا وسورية وجنوبي أفريقيا وماليزيا وأندونيسيا فضلاً عن دخول كل من روسيا والصين والهند إلى نادي الدول الكبرى من جديد.

من هنا تتوّفر شروط الإنتقال إلى الهجوم في الموضوع الفلسطيني بالخصوص من خلال إسقاط أوهام التسوية والحلول وإحياء استراتيجيات الإنتفاضة والمقاطعة والممانعة والمقاومة واعتبار الكيان الصهيوني العدّو رقم واحد للفلسطينيين والعرب والمسلمين شعوباً وأنظمة.

ينبغي للفلسطينيين والعرب والمسلمين أن يعودوا إلى ثوابت القضية الفلسطينية ويعودوا بسرديتها من الأول ابتداء من رفض الإعتراف بشرعية ما استُحدِث على أرضها من هجرات صهيونية وإقامة دولة كيان صهيوني وعمليات إستيطان وتهويد. ومن ثم أن يعودوا إلى اعتبار قضية فلسطين قضية نضالية عربية من الدرجة الأولى، وقضية إسلامية وإنسانية عالمية. فبالنسبة إلى العرب يجب إشراكهم كالفلسطينيين أنفسهم في تحريرها وتقرير مصيرها والإنتهاء من شعار الممثل الشرعي والوحيد. فالقضية الفلسطينية يجب أن تعود قضية مركزية في أروقة الجامعة العربية وعلى مستوى كل نظام كما على مستوى كل حركة سياسية في أي قطر عربي. فالعلاقة بالكيان الصهيوني يجب أن تعود إلى عدم الإعتراف بشرعيته، وباعتبارها علاقة حرب أو حالة حرب. وليست علاقة سلام أو سير في اتجاه السلام.

أما على مستوى الأحزاب والحركات في البلاد العربية فينبغي لها أن تضع القضية الفلسطينية على رأس برنامجها القطري لتصبح القضية الفلسطينية قضيتها الأولى. فالعلاقة بها ليست علاقة دعم وإنما علاقة خاصة ومباشرة كالفلسطينيين تماماً.

إن وضع الأمور على هذا المستوى هو وحده الكفيل بإحداث التغيير العميق في ميزان القوى، وهو وحده الذي يؤسّس للنظام العربي هيبته واستقلاليته ويعيده إلى التضامن والتكافل والتكامل في ظل مشروع وحدوي عام. وهو وحده الذي يعطي لحركات التغيير العربية سمتها الوحدوية والثورية والمبدئية ويترجم وحدة الأمّة في مشروع عملي.

ولهذا فإن طرح حلّ الدولة الواحدة يستبقي الوضع العام في إطار المناخات نفسها التي ولّدّتها عملية التسوية والبحث عن حلول بدلاً من تمزيق تلك الشرنقة التي اسمها «الحلّ السياسي للقضية».

قد يظن البعض أن العودة إلى سيادة معادلة المغالبة بأشكالها المختلفة ضدّ المشروع الصهيوني - الإمبريالي الغربي على فلسطين بأنه ضربٌ من التطرف واللاواقعية في حين هو في حقيقته ردٌ على مغالبة بمثلها. فالمغالبة من أجل الإستيلاء على فلسطين جاءت بها بريطانيا والمشروع الصهيوني واستمرت إلى يومنا هذا وتصاعدت في ظل عملية التسوية، كما رأينا أعلاه. وإلاّ كيف وصل الإستيطان والتهويد في القدس والضفة وفي مناطق الـ48 إلى ما وصله الآن. وكيف يفسّر استمراره وتصاعده حتى قال أكثر المتهافتين على التسوية والمفاوضين على فلسطين إن الأمور وصلت إلى الطريق المسدود وأن «حلّ الدولتين» لم يعد ممكناً.

إن ما تطرحه هذه الورقة هو استرتيجية مغالبة: مقاومة، مقاطعة، حشد القوى فلسطينياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً من أجل مواجهة مغالبة هدفها تهويد فلسطين بكاملها وهي مغالبة مكشوفة حيناً ومتسترة بمسيرة التسوية أحياناً عمادها الحكومات الغربية وخصوصاً الإدارات الأميركية والجيش الصهيوني والأجهزة الأمنية التابعة لها. فإذا ذهبنا إلى المغالبة فنحن في حالة الدفاع ولم نهبط بها بمظلة على الواقع من خلال رغبة إرادوية. فالأسباب الموضوعية والذاتية «الإسرائيلية» - الأميركية - الغربية التي أدّت إلى سقوط «حلّ الدولتين» وحلّ الدولة الواحدة سابقاً هي التي تجعل من «حلّ الدولة الواحدة» راهناً وهماً آخر كبيراً.

البعض ممن راحوا يدافعون عن حلّ الدولة الواحدة يدّعون أن علينا أن نقدّم حلاً معقولاً ومقبولاً من الرأي العام العالمي، تماماً كما دافع الذين تقدّموا بحلّ الدولتين. ولكن من قال أن علينا أن نتقدم بحلٍّ ونحن نعيش في الشتات وتحت الإحتلال أو تحت عنصرية دولة الكيان الصهيوني، أو نحن الذين يُراد منا الإعتراف بأن «دولة إسرائيل» يهودية بمعنى لليهود فقط، أو نحن الذين يجب أن نعلن براءتنا من العنصرية أو من العداء للساميّة. حقاً إن كل ذلك مضحكٌ ومحزنٌ وواقفٌ على رأسه.

والسؤال لماذا علينا أن نثبت براءتنا من العنصرية أو من معاداة الساميّة وكيف نقبل أن نكون متهمين، وتاريخنا في فلسطين وفي بلاد العرب والمسلمين يشهد على هذه البراءة. بل كيف نقبل أن نصبح متهمين فيما نحن الذين طُردنا من بلادنا وتمّ الإستيلاء عليها ويجري نهويدها وتكريس ذلك وشرعنته عالمياً، وفيما نحن تحت الإضطهاد العنصري والإبادة البشرية وتُرتكب بحقنا جرائم الحرب.

هذا الطلب هو مؤامرة علينا اليوم كما كان مؤامرة على «فتح» و (م.ت.ف) وقد قالت التجربة بالصوت العالي. وقد ثبت أن التجاوب معه ينتهي بالنتائج العكسية كما دلّت التجربة منذ تبني شعار الدولة الديمقراطية ثم تبنّي النقاط العشر ثم إعلان الإستقلال فاتفاق أوسلو وصولاً إلى إعلان مبادرة السلام العربية التي أُريدَ منها أن تعطي براءة ذمة عربية شاملة.

فكل ذلك كان تقديم التنازل تلو التنازل وبلا جدوى، بل وبنتائج عكسية على مستقبل القضية الفلسطينية.

باختصار، نحن غير مكّلفين بتقديم براءة ذمة، أو اعتذار من أحد ولا نريد التعاطف مع عدالة قضيتنا مقابل ثمن ندفعه من رصيد تلك العدالة. ونحن في الراهن غير قادرين على تقديم أي حلّ إذ لا تملك الحلّ لأن الحلّ عند من يسيطرون على الأرض ويفرضون الواقع اليهودي الصهيوني عليه وهو عند من يستطيعون أن يضغطوا عليهم ولا يفعلون غير تغطيتهم ودعمهم. إنه عند الذين يملكون القنابل النووية والجيوش الجرّارة وطائراتهم أكثر من غيوم السماء وثرواتهم وإمكاناتهم الإقتصادية لا يصلها عدّ ولا إحصاء.

إن كل ما نملك أن نفعله هو الدفاع عن أنفسنا وبلادنا وحقوقنا وثوابتنا ولا نملك غير الصمود أمام التهجير من الوطن ومنع تصفية القضية بالتوطين ولا نملك غير المغالبة جيلاً بعد جيل على أن يصبح بمقدورنا أن نقدّم الحلول وعندئذ لكل حادث حديث إذ أن أمره سيكون بأيدي الآتين بعدنا ممن يحملون أفضل ما في تاريخنا وحضارتنا.

أما اليوم فمن العبث أن نمكّنّهم من انتزاع التنازلات منا لتنقلب علينا وليس لنا، كما حدث مع التجربة الفلسطينية والغربية حتى الآن.

فما دام الواقع والتاريخ صرخا حتى الآن أن لا حلّ فكيف نقول أن لدينا حلاً.

[**وأخيراً ملحوظات وخلاصات :*]

أولاً : مشروع «حلّ الدولتين» الذي تقوم التسوية الراهنة على أساسه. وهو مشروع تصفوي للقضية الفلسطينية لأنه يعترف بالدولة العبرية على الأراضي التي اغتصبتها وهجّرت سكانها في العام 1948. وقد شكّل ذلك أساس القضية الفلسطينية: اغتصاب الأرض 1948 وتهجير ثلثي الشعب الفلسطيني. فحلّ الدولتين يكرسّ واقع هذا الإغتصاب ويتخلى قطعاً عن حق العودة. ولولا ذلك لما كانت عملية التسوية ولما كان «حلّ الدولتين». ومن هنا استحق وصفه بالتصفوي بامتياز للقضية الفلسطينية.

ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقد تعدّاه ليضمّ إلى الأراضي المحتلة عام 1948 ومساحتها 78% من أرض فلسطين، ما سيصار إليه من تبادل لأراضٍ من القدس والضفة الغربية. ومن هنا اقترن تحديد الأراضي التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية بحدود ما قبل الرابع من حزيران 1967 مع «تبادل للأراضي». وهذا الإستدراك الأخير يتبنّاه المفاوض الفلسطيني بملء الفم وبكل الفخر والعزم المطلوبيْن. وقد أصبح شرطاً في المفاوضات التي ترعاها إدارة باراك أوباما.

تبادل الأراضي سيشمل ما ضمّه الجدار وما اغتصبته المستوطنات وما هو من مدينة القدس داخل الأسوار وخارجها حتى خدود رام الله وبيت لحم وأريحا والأغوار. وبهذا لا يبقى من الضفة الغربية إلاّ الفتات لتقوم عليه الدولة العتيدة. ولا يبقى له من سيادة على حدوده وسمائه وأرضه ودولته إلاّ عبر الكيان الصهيوني الذي سيتحوّطه من كل الجهات مسيطراً على أجوائه وعلى كل ما يجري داخله. وهذا معنى شرط ضمان «أمن إسرائيل».

هذه الصورة لم تُرسم حدودها بعد مع استمرار التوسّع في الإستيطان وتهويد القدس. الأمر الذي أدخل «حلّ الدولتين» في مأزق أصبح حديث القاصي والداني.

ثانياً : من قال أن أميركا والغرب وبعد ممارسة ما يلزم من الضغوط على من سيقبل بالفتات التي ستصبح «الدولة الفلسطينية» فلسطينياً وعربياً لن تعملا على اعتباره الدولة ومن ثم تعترفان بها، فيصبح لدينا «حلّ الدولتين». وهذا ما يفسّر لماذا أصبح مبدأ «تبادل الأراضي» مصاحباً لشعار «دولة فلسطينية في حدود 1967». ويفسّر لماذا يستمر شعار «حلّ الدولتين» وتتكاثف الجهود على طريق التسوية للوصول إليه بالنهاية، وبغض النظر عن الحجم والحالة التي سيكون عليهما. فحلّ الدولتين لن يخرج من التداول من وجهة نظر أميركا ومن يماشيها بأيّ موقف تتخذه، كما لن بخرج من التداول ما دام هنالك أشباه سلام فياض الذي طرح مشروعاً لإعلان الدولة على ما يكون لديه من أرض وضمن بقاء حالة الإحتلال والإستمرار في الإستيطان. فمشروعه لبناء مؤسسات الدولة خلال سنتين لم يربطه بزوال الإحتلال ولا بشروط الأرض وحالة الدولة، وإنما ربطه فقط ببناء المؤسسات لكي يُعلِن الدولة خلال سنتين متجاوزاً حتى شريكه في السلطة محمود عباس الذي عيّنه وكرسّه رئيساً للوزراء.

ثالثاً : يمكن القول أن مشروع «حلّ الدولتين» على أساس قرار 242 قد سقط نهائياً ولكن مشروع «حلّ الدولتين» بالشروط التي سيقبل بها قادة الكيان الصهيوني في ظل حكومة نتنياهو سيبقى على الطاولة وتحت التنفيذ فيما لن يكون من نصيب لـ «حلّ الدولة الواحدة» غير استخدامه باعتباره شعاراً لمخاطبة بعض الرأي العام أو لتبرئة الذات من تهمة «التطرف» أو «معاداة السامية» أو على حد تعبير الراحل إدوارد سعيد ضرورة التقدم بمشروع إنساني من جانب الشعب الفلسطيني ليكون البديل للمشروع الصهيوني العنصري. (مرّة أخرى، مطلوب منا أن نثبت أننا «إنسانيون» ولسنا «عنصريين» نحن الذين طُردنا بالقوّة من أراضينا وبيوتنا وقرانا ومدننا ومورست وتُمارَس بحقنا كل ألوان العنصرية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب وإحلال شعب مكان شعب آخر.

المشكلة هنا ليست مشكلة أن يكون لدينا «حلٌ إنساني». فهذه مسألة مفروغ منها، وقد مورِس في تاريخنا قبل أن يتحدث المعاصرون عن «حلٍّ إنساني». ولكن المشكلة تكمن في ما يتضمنه إعلان هذا المقترح من تنازل مجاني لشعب اغتُصِبَ وطنه وحتى من دون أن يقابله اعتراف مماثل. بل سيؤخذ اعترافه تأكيداً على ذلك الحق الذي يقرّ بشرعية هجرة قهرية غير شرعية فرضت نفسها من خلال حرب الاستعمار البريطاني عليه. ومن ثم ليصبح هو الذي يتفضل بالتنازل للإعتراف بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولة له وهو الذي يحدّد كل شروطها ويتنازل للإعتراف بقبول العيش معه من قبل الشعب الفلسطيني في «دولة واحدة».

ولهذا فإن المشكلة ليست في طرح «حلّ إنساني» وإنما، في ظروف الوضع الفلسطيني، في تداعياته السلبية، كما حدث على أرض الواقع منذ انقادت حركة «فتح» ومن بعدها (م.ت.ف) للتقدم بمشروع «حلّ إنساني» حتى وصلت الأمور إلى ما وصلته الآن. وهكذا بعد أن كان كل الحق في فلسطين بأيدينا رحنا نفقده خطوة بعد خطوة حتى عزّ حلّ الدولتين بنسبة 22% للفلسطينيين. فلجأ البعض ليطالب بحلِّ الدولة الواحدة بعد أن حصلت الدولة العبرية على أوسع إعتراف دولي بها، وأسقط من الحساب هدف التحرير الكامل وحق العودة الكامل.

رابعاً : أثبتت التجربة الواقعية طوال الصراع مع المشروع الصهيوني أن لا حلَّ كان ممكناً بالرغم من ألوان الإجحاف الذي حملته مشاريع الحلول والقرارات الدولية بحق الشعب الفلسطيني وثوابت القضية الفلسطينية.

وأكدت التجربة أن مشاريع الحلول ولا سيما المفاوضات التي انطلقت من اتفاق أوسلو وأخطرها تفاهمات مؤتمر أنابوليس والمفاوضات المباشرة ومواصلتها مع أوباما -ميتشل كانت غطاء لتصعيد الإستيطان والتهويد وقضم الأراضي وتهجير أعداد جديدة من الفلسطينيين.

فالقانون الحاكم في القضية الفلسطينية والمفروض من جانب الإستراتيجيات الإمبريالية الغربية والمشروع الصهيوني يقوم على المغالبة التي تعتمد القوّة العسكرية والحروب والتوسّع كما تعتمد على إخضاع ما أمكن من حكومات التجزئة العربية والتحكم في سياساتها، وما طُرِحَ من حلولٍ وعمليات التسوية جاء لخدمة هذه المغالبة.

ولهذا لا طريق غير مواجهة المغالبة بما يمنعها من الإستمرار في تحقيق المشروع الصهيوني، أي باستراتيجيات مغالبة فلسطينية وعربية وإسلامية وعالمية (أحرار العالم) تعتمد المقاومة وإعداد المجتمعات والدول لمواجهة الحرب واتبّاع سياسيات المقاطعة والممانعة وعدم الوقوع في أوهام الحلول السياسية وقد جُرِّبت بما فيه الكفاية.

ولكي تقوم استراتيجية المغالبة على أرض صلبة فلا بد من العودة إلى ثوابت القضية الفلسطينية وهو اعتبار كل ما أحدثه الإنتداب البريطاني ومن بعده قرار التقسيم وإقامة دولة الكيان الصهيوني قام على مخالفة صارخة للقانون الدولي واتسّم باللاشرعية ولا يجوز الإعتراف به أو التطوّع في تقديم التنازلات (بما في ذلك الدخول بما يسمّى الحلّ السلمي أو الحلّ الإنساني) يؤدّي إلى ضياع الحقوق وتمييع الثوابت وتخدير المواقف على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي من جهة وإلى تشجيع الإستراتيجيات الدولية على تمرير المشروع الصهيوني بكامله في فلسطين.

خامساً : إن مواجهة الجميع ابتداء من الذات الفلسطينية والعربية وانتهاء بكل دول العالم وشعوبه بحقيقة التجربة التاريخية الفلسطينية، بما فيها ما يسمّى بالعملية السياسية أو الحلول السلمية أو أصلاً إمكان وجود حلّ يسمح بأن يرتب كل طرف أوراقه على ضوء ذلك.

هذه المواجهة لا تحمل جديداً بالنسبة إلى الحكومات الغربية وخصوصاً الإدارة الأميركية والحكومة الصهيونية لأن فرض الحلّ الصهيوني الواقعي بالمغالبة (العسكرية أساساً) هو الإستراتيجية المتبنّاة من تلك الحكومات ولكن الجديد هو في إغلاق الباب أمام تمويهها بالحلول السلمية. وما يمكن أن يرتب على ذلك من مواقف رسمية وشعبية.

أما مواجهة هذه الحقيقة على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي فمن شأنها أن توقف استراتيجيات الرهان على أميركا والحلول السلمية وتمنع من تكريس ما قدّم من تنازلات. ومن ثم يصبح من الضروري أن توضع النقاط على الحروف، وأقلّها ضرورة العودة إلى المقاطعة والممانعة وعدم طعن المقاومة بالظهر.


[*(1)*] [**كاتب هذه المقالة شارك في تبني هذا المشروع والدفاع عنه ثم اقتنع بعد حلول مشروع النقاط العشر مكانه بأن تقديم الحلول من جانب الشعب الفلسطيني يتضمن تنازلاً مجانياً لا ضرورة له.*]

[*(2)*] [**المغالبة هنا بمعنى تأمين التفوق العسكري الكاسح للكيان الصهيوني وتغطية حروبه وتوسّعه كما تغطية عمليات الإستيطان واغتصاب الأرض والتهويد في فلسطين ودعمه في تهجير الفلسطينيين وتوطينهم خارج بلدهم.*]


titre documents joints

منير شفيق│التبرّع بالحلول للقضية الفلسطينية؟

18 تشرين الأول (أكتوبر) 2010
info document : PDF
250 كيلوبايت


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2181453

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

3 من الزوار الآن

2181453 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40