الخميس 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

دروس مستفادة من معركة العبور

الخميس 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 par د. يوسف مكي

في السادس من هذا الشهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، أطلت علينا الذكرى السابعة والثلاثون لمعركة العبور العظيمة، حيث تمكن الجيش المصري من تحطيم خط بارليف، المقام شرق قناة السويس وعبور القناة، كما تمكن الجيش السوري من تدمير حصون العدو ومعاقله في مرتفعات الجولان.

تم اتخاذ قرار الحرب من قبل القيادتين المصرية والسورية، لمواجهة استمرار الاحتلال، والمشاكل الداخلية، والأوضاع الاقتصادية المتردية، بسبب انهماك الجيشين والحكومتين، في التحضير لإزالة آثار العدوان، وفشل الأمم المتحدة في إيجاد حل سلمي للصراع مع «إسرائيل»، والضغط الشعبي المتزايد في البلدين، المطالب بإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم.

لقد شعر الرئيس المصري محمد أنور السادات، والرئيس السوري، حافظ الأسد أن عليهما الدفع بالمفاوضات التي كانت تجري بطرق غير مباشرة للتوصل إلى تسوية للصراع، فكان قرارهما القيام بحرب محدودة ضد الكيان الغاصب، من أجل كسر حالة الجمود في الصراع العربي الصهيوني. وقد حدد الرئيسان خريف عام 1973، موعداً للمواجهة العسكرية مع الكيان الصهيوني، وطرد القوات «الإسرائيلية» من سيناء والجولان. وفي السادس من شهر أكتوبر هاجمت القوات المصرية والسورية المواقع «الإسرائيلية» على الجبهتين.

في الأيام الأولى من الحرب، تمكنت القوات المصرية من عبور قناة السويس إلى الشرق، كما تمكنت القوات السورية من عبور الخطوط «الإسرائيلية» في مرتفعات الجولان. وكان القصف المدفعي على طول الجبهتين المصرية والسورية، مفاجأة حقيقية للحكومة «الإسرائيلية».

ومع أن القوات الصهيونية استطاعت بسرعة أن تستعيد سيطرتها على الموقف، وتفيق من الضربة الأولى، بعد إعلان الجيش المصري عن وقفة تعبوية، إلا أن الجيشين العربيين أثبتا قدرتهما على القتال والمواجهة. وفي الأيام الأخيرة للحرب، أجبرت القوات «الإسرائيلية» القوات المصرية على التراجع خلفاً، غرب قناة السويس، وأن تعزل وتحاصر الجيشين المصريين، الثاني والثالث، المنتشرين في الضفة الشرقية للقناة. وعلى الجبهة السورية، تمكنت القوات «الإسرائيلية» من دفع الجيش السوري إلى الخلف شرقاً، إلى أبعد من الخطوط التي كانت قائمة منذ حرب يونيو/ حزيران عام 1967.

إثر انتهاء حرب أكتوبر، ساد عموم المنطقة العربية، إحساس لدى الشعب العربي، بهزيمة الجيش «الذي لا يقهر»، وبأن معركة العبور قد غسلت عار هزيمة حزيران. وكانت تلك هي المقدمة التي استثمرها النظام العربي الرسمي للدخول في مفاوضات مباشرة مع العدو لاستعادة الأراضي التي احتلها في حرب يونيو عام 1967. إن العرب من وجهة النظر هذه، لا يتفاوضون مع «إسرائيل»، للتوصل لحل سلمي للصراع يتمكنون من خلاله من استعادة الأراضي المحتلة، من موقع ضعف كما كان الحال عليه قبل الحرب. وأن هول المفاجأة التي استيقظت عليها الدولة الصهيونية بشكل خاص، والصهاينة بشكل عام، لم تقم فقط بإعادة تشكيل تصور الدول العربية عن ذاتها، وإمكانات جيوشها، بل صاغت أيضاً رؤية جديدة لطبيعة الصراع مع الصهاينة، باختيار نهج المفاوضات بديلاً عن المقاومة والمواجهة العسكرية. خلال فترة الحرب، استثمر العرب سلاح النفط في المعركة، لأول مرة في تاريخهم، حيث قررت الدول المنتجة للنفط تخفيض نسبة الإنتاج، بشكل تدرجي، وحرمان الدول التي ساندت «إسرائيل»، من تصديره لها. في مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة وهولندا وبريطانيا.

ما هي الدروس التي ينبغي للعرب أن يستفيدوا منها، في صياغة استراتيجياتهم المستقبلية لإدارة الصراع مع الصهاينة؟

في يقيني أن حرب أكتوبر 1973، قدمت دروساً كثيرة، كان بالإمكان الاستفادة منها، لو لم يتحقق انتقال استراتيجي في سياسة بعض دول المواجهة، في موضوع السلم والحرب، وما ترتب على ذلك من تحالفات دولية جديدة.

أول الدروس، أن العرب اكتشفوا في معمعان المعركة ثقلهم الاقتصادي والسياسي، حين تتظافر جهودهم، ويلتزمون بالمعاهدات والمواثيق التي وقعوها، وبشكل خاص ما يتعلق منها بالدفاع العربي المشترك، والأمن القومي العربي الجماعي. وكانت مشاركة الجيوش العربية في جبهة المواجهة، حتى إن كان ذلك بنسب محدودة جداً، هي أحد تجليات الالتزام بالمعاهدات والمواثيق القومية. كما كان للدور الذي لعبته الدول العربية المنتجة للنفط أثره الواضح في لفت أنظار دول العالم، للصراع المحتدم شرق قناة السويس، وفوق هضبة الجولان، وأيضاً إعادة الاعتبار، على الصعيد الدولي، للقضية الفلسطينية.

الدرس الثاني، أن العرب شأنهم في ذلك شأن شعوب الأرض بإمكانهم القتال وتحقيق النصر، وكسب نتائج الحرب، حين يعدّون العدّة لمستلزمات المعركة، من إعداد إعلامي ونفسي ورسم للاستراتيجيات الصحيحة، إلى بناء شامل للقوة الذاتية، بأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية والنفسية. وكانت الحرب مفاجأة الأمة للعدو ولذاتها أيضاً. وكشفت عن طاقات هائلة لدى المقاتل العربي. وعرّت زيف الإدعاءات العنصرية.

وكشفت الحرب أيضاً، أن الحروب هي صراع إرادات، وأنه لا يكفي أن يكون الأداء العسكري متميزاً، إن لم ترفده استراتيجية سياسية بعيدة المدى، لإدارة الصراع على طاولة المفاوضات. لقد تحقق في المفاوضات اللاحقة فصل تام بين نتائج معركة العبور، التي كان من المفترض أن تمثل جسراً للعبور من مرحلة الهزيمة إلى مرحلة النصر. لكن ذلك لم يتحقق للأسف، بما يضع أمام المثقفين العرب مسؤوليات أخرى، لتناول مفهوم النصر والهزيمة من منظور آخر، لا يكتفي بما ينجز في مسرح المواجهة العسكرية، ولكنه يربط ذلك بما يتحقق من نتائج سياسية. إن ذلك يتحقق فقط، حين يجري التركيز على المواجهة، مع الكيان الصهيوني، ليس في جانبها العسكري فحسب ولكن في أبعادها السياسية والحضارية، واعتبارها صراع إرادات.

وأخيراً، وليس آخراً، كشفت الحرب بجلاء عن طبيعة المشروع الصهيوني، باعتباره مشروع استيطان غربياً، وأن هذا الكيان هو أسطول ثابت في خدمة مشاريع الهيمنة ضد الأمة، حتى إن إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لم تتردد في التلويح بإشعال فتيل حرب نووية ضد الاتحاد السوفييتي إذا لم يتراجع عن تهديده بالتدخل لصالح مصر، في مواجهة الكيان الغاصب. إن أهمية ذلك، ليس في تقدير ما يترتب على العرب فقط، من وجوب إعادة النظر في العلاقات والتحالفات بين الدول، ولكن أيضاً وذلك هو الأهم، تأسيس وعي آخر، ينطلق من القراءة الحقيقية لطبيعة المشروع الصهيوني.

معركة العبور ينبغي أن تكون نتائجها حاضرة أمام العرب والفلسطينيين، من أجل خلق رؤية أخرى، أكثر فاعلية وموضوعية وقوة في إدارة الصراع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 82 / 2177582

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2177582 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 29


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40