الأربعاء 22 أيلول (سبتمبر) 2010

رسائل في الإتجاه الخاطئ!

الأربعاء 22 أيلول (سبتمبر) 2010 par د. فايز رشيد

توجيه حركة «حماس» في غزة رسائل إلى الولايات المتحدة من أجل حثها على فتح حوار متبادل بين الطرفين بات صحيحاً ومؤكداً، بعد أن أصدرت الأمانة العامة لمجلس وزراء الحكومة (المقالة) في القطاع بياناً قالت فيه :

إن الحكومة حمّلت وفداً أمريكياً ضم شخصيات سياسية وأساتذة جامعات يتبعون لمجلس المصلحة الوطنية في الولايات المتحدة زار غزة مؤخراً، عدة رسائل إلى الإدارة الأمريكية تدعوها لفتح حوار متبادل معها وضرورة رفع الفيتو عن المصالحة الفلسطينية من أجل تسهيل تحقيقها، وإنهاء المعايير المزدوجة للإدارة في التعامل مع القضية الفلسطينية.

كانت الحكومة ذاتها قد أكدت على عدم وجود معارضة لديها لفكرة إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 67.

ما يؤكد أيضاً صحة هذا الخبرأيضاً، أن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة كان قد صّرح في مقابلة له سابقة : بأن لا مشكلة لـ «حماس» مع الولايات المتحدة.

رسائل «حماس» هذه، خاطئة تماماً وبخاصة في هذه المرحلة التي تُجرى فيها مفاوضات مباشرة «فلسطينية - إسرائيلية» بضغط من الولايات المتحدة على الجانب الفلسطيني، وهي إن تنم عن شيء فإنما عن خطأ في تقييم الدور الأمريكي فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني العربي - الصهيوني المنحاز جملة وتفصيلاً إلى الجانب «الإسرائيلي»، ولا أظن أننا بحاجة إلى إثبات ذلك! ثم من ناحية ثانية فقد أصدرت الحركة في بداية قيام هذه المفاوضات بياناً استنكرت فيه إجراءها.

«حماس» للأسف تفصل بين الجانبين «الإسرائيلي» والأمريكي من حيث الرؤية للتسوية، في الوقت الذي تؤكد فيه كافة الدلائل، إلى وحدتها وتجسدها في موقف موحد عبّرت عنه الإدارة الأمريكية في حقبات مختلفة (جورج بوش الأب وكلينتون وبوش الابن ومؤخراً الرئيس أوباما) أوضحت فيه : رفضها لحق عودة اللاجئين، بما يعني تنكرها لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالحقوق الفلسطينية، كما أن الإدارة الأمريكية وقفت صاغرة أمام التعنت «الإسرائيلي» حول استمرار الاستيطان في الضفة الغربية، كما أنها مع تعديل حدود عام 67 وهو ما تطالب به «إسرائيل»، وأخيراً وليس آخراً فقد صرّحت وزيرة الخارجية الأمريكية في أكثر من مناسبة بأن (الخلافات) القائمة بين الطرفين لا يستطيع تجاوزها وحلّها سواهما، بمعنى أن الولايات المتحدة سوف لن تمارس ضغطاً على الجانب «الإسرائيلي» لإجباره (أو حتى لإقناعه) على الاستجابة للحقوق الوطنية الفلسطينية (أو بعضها)، وهي التي تتنكر لها «إسرائيل» بشكل مطلق لا يحتمل الجدل. ثم إن هذا الموقف الأمريكي منسجم بالكامل مع رسالة الضمانات الاستراتيجية التي أرسلتها الإدارة الأمريكية للحكومة «الإسرائيلية» في عام 2004 حول موقف الأخيرة من التسوية. نقول ما نكتبه انطلاقاً من الحرص على المشروع الوطني الفلسطيني.

على الصعيد العملي، فإنه منذ العدوان الصهيوني على القطاع في عام 2008 - 2009 فإن الحركة تمارس وقف إطلاق نار غير موقّع مع الجانب «الإسرائيلي»، انسحب على الموقف من المقاومة وتجسد في منع التنظيمات الأخرى من ممارستها إلى حد القيام باعتقال من ينفذ يعض عملياتها كما حصل لمجموعات من حركة «الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية»، ثم إن علاقة «حماس» بتنظيمات المقاومة الفلسطينية في القطاع قائمة على الهيمنة، وهي خارج إطار التنسيق بين فصائل النضال الوطني الواحد في مرحلة التحرر الوطني التي تقتضي قيام الجبهة الوطنية العريضة بين كافة هذه الفصائل، والتي تعتبر مرجعية وطنية لها.

حركة «حماس» اعتقدت أن قطاع غزة أصبح محرراً، وهي تمارس سلطتها على أهلنا في القطاع وفق برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعيداً عن المفاهيم الديموقراطية، وهي لا تحتمل حتى الاحتجاج السلمي على قرارات تتخذها، وتقوم أجهزتها الأمنية بفض مظاهر الاحتجاج بالعنف والقوة (كما حصل في الاحتجاج الفصائلي حول قضية الكهرباء منذ شهرين تقريباً) والاعتقالات السياسية. في المحصلة فإن ممارسات حركة «حماس» في غزة هي في بعض من أشكالها منسجمة مع ما تمارسه «السلطة الفلسطينية» في الضفة الغربية.

من الواضح تماماً : أن حركة «حماس» قد فشلت في المزاوجة بين مبدئي السلطة والمقاومة، فهي قد أخضعت الثانية لاشتراطات الأولى، بحيث تبدو مظاهر التناقض بين المسألتين جلية وواضحة.

من ناحية ثانية، تدرك حركة «حماس» أن الولايات المتحدة هي من وقفت مع «إسرائيل» والدول الغربية الأخرى في تطبيق فرض حصار على ما اعتبر حكومة وحدة وطنية فلسطينية بعد «اتفاق مكة» بين حركتي «فتح» و«حماس»، وتشكيلهما حكومة مشتركة (بسبب من مشاركة «حماس»)، مع أن هذه الحكومة والسلطة التي شكّلتها هما من إفرازات أوسلو.

إن مشواراً نضالياً كفاحياً طويلاً ما زال يفصل شعبنا (سواء في الضفة الغربية أو القطاع) عن تحرره وإقامة سلطته ذات السيادة الحقيقية على دولته المستقلة، وبالتالي فإن السلطتين في غزة ورام الله هما فعلياً تحت الاحتلال. من هنا يتوجب على حركتي «حماس» و«فتح» تجاوز الانقسام والعودة إلى بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية كرد عملي على المفاوضات الجارية حالياً، وعلى أساس التمسك بكافة الثوابت الوطنية الفلسطينية، وإعادة الاعتبار للمقاومة بكافة أشكالها وسبلها وعلى رأسها الكفاح المسلح، ورفض المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة مع العدو الصهيوني، وعدم الرضوخ للإملاءات والضغوطات الأمريكية، وقبلها عدم استجداء العلاقة مع الولايات المتحدة، التي لا يمكن لها أن تكون إلاّ في الخندق «الإسرائيلي». آن الآوان للسلطتين في رام الله وغزة إجراء مراجعة سياسية شاملة وتجاوز حالة الانقسام والعودة إلى مقارعة العدو الصهيوني باللغة التي يفهمها، وهي التي ستجبره بالحتم على الاعتراف بحقوق شعبنا الوطنية.

يبقى القول : أن رسائل «حماس» للإدارة الأمريكية هي رسائل في الاتجاه الخاطئ.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165553

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

2165553 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 33


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010