على نحو ما أراد «الإسرائيليون» في مفاوضات مؤتمر مدريد جرى عزل فلسطين عن عروبتها، وتحولت إلى مجرد نزاع فلسطيني «إسرائيلي» على أقصى تقدير، فليس للعرب دور في إدارة المفاوضات المباشرة التي استؤنفت في شرم الشيخ بعد جولتها الأولى التي بدأت في واشنطن، فقد أصرّ «الإسرائيليون» منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 إلى رفض أي وجود عربي في المفاوضات الفلسطينية، وجرى الفصل بين مسار مفاوضات سوريا والأردن ولبنان كل منها عن الأخرى، وعن المسار الفلسطيني، في حين أصرّ «الإسرائيليون» على فرض مسار آخر لمفاوضات أخرى أخذت اسم «المفاوضات الإقليمية» كان جوهرها إقحام الدول العربية الأخرى في مفاوضات ليست لها أي علاقة بالمفاوضات الخاصة بالأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسوريا والأردن ولبنان، ولكنها تتركز حول قضايا تطبيع العلاقات العربية «الإسرائيلية».
الآن وفي جولة المفاوضات المباشرة الجديدة، جرى أيضاً عزل العرب عن هذه المفاوضات، فضلاً عن عزل الأمم المتحدة وقراراتها الخاصة بفلسطين وجعلوها مفاوضات من دون مرجعية سياسية، ولكنها محكومة فقط بمعادلات توازن القوى بين الطرفين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، لكن رغم عزل العرب عن تلك المفاوضات يجري ربط العرب عنوة بالإطار العام الأوسع لهذه المفاوضات حسب شروط نتنياهو في ربطه بين المفاوضات وبين إنهاء النزاع والسلام الشامل، أي أن العرب سيكون عليهم، في حال نجاح هذه المفاوضات أن يكونوا طرفاً في معاهدة سلام أشمل مع «إسرائيل» ضمن شروط نتنياهو للموافقة على إقامة دولة فلسيطينية وهي شروط كثيرة أبرزها الاعتراف بـ «يهودية» الدولة «الإسرائيلية» بكل ما يعنيه هذا الاعتراف وجعل الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح والتحكم في حدودها خاصة مع الأردن.
هذا الشرط الأخير، أي فرض وجود «إسرائيلي» عازل بين الدولة الفلسطينية والأردن، سوف يفتح الأبواب أمام مطالب «إسرائيلية» أخرى خاصة بالدول المجاورة لـ «إسرائيل»، فشرط فرض وجود «إسرائيلي» على شريط حدودي بين الدولة الفلسطينية والأردن بدواعي ضرورات الأمن «الإسرائيلي» له علاقة بالتطورات الحديثة في العراق والانسحاب العسكري الجزئي الأمريكي منه، وما تزعمه «إسرائيل» من مخاوف السيطرة الإيرانية على العراق، ووجود نفوذ إيراني قوي في العراق، ما يشكل تهديداً مباشراً لأمن «إسرائيل» من الناحية الأردنية ضمن توقعات ومخاوف «إسرائيلية» يجري الترويج لها من احتمال تمدد نفوذ إيران من العراق إلى الأردن، وما يقال عن الأردن سيقال حتماً على لبنان وسوريا، وقد تكون حتماً ملفات أخرى كثيرة ستفرض نفسها على أجواء تلك الملفات.
إذا كان الأمر كذلك، فالمؤكد أن العرب، من الناحية الفعلية ليسوا منعزلين بأي حال من الأحوال عن مجرى تلك المفاوضات المباشرة، وأنهم حتماً سوف يطالبون بدفع أثمان باهظة ثمناً لهذه المفاوضات على غرار ما حدث في مفاوضات مدريد، وإذا كان الأمر كذلك، فعليهم الاستعداد، من الآن لذلك برفض أي شروط «إسرائيلية» يكون هدفها تصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وضرورة حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة، ويجب من الآن البدء بالتحرك العربي في هذا الاتجاه بتأسيس هيئات عربية للدفاع عن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني ومحاصرة المفاوض الفلسطيني، باعتبارها حقوقاً غير قابلة للتنازل، ثم الاستعداد لمطالبة «إسرائيل» وكل من ساعدوها ودعموها بدفع أثمان جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني، على نحو ما يطالب اليهود كل الغرب بدفع أثمان الجرائم النازية، وبعدها يجب أن يتحرك العرب لفرض شروطهم من أجل السلام مع الكيان الصهيوني، شروط تتعلق بتسليح الكيان، وأهدافه التوسعية، ورفض أي شروط «إسرائيلية» للسلام بدوافع أمن «إسرائيل» لا تراعي أمن الدول العربية، والأهم هو الدفع بالملف النووي «الإسرائيلي» ليحتل مكانه كشرط لأي مطالب بتطبيع العلاقات مع العرب، وإنهاء الصراع.
وقبل هذا كله يجب أن يكون للعرب رؤية واضحة لمفهوم السلام والتطبيع غير تلك التي يجري الترويج لها «إسرائيلياً» وأمريكياً، والتي ليس لها أي علاقة بالسلام أو التطبيع، ولكنها تدخل ضمن إطار «الاستسلام»، فالسلام يحدث بعد أن يجري التخلص نهائياً من كل القضايا العالقة الخاصة أولاً بفلسطين والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورفض أي تجاوز لهذه الحقوق، والخاصة ثانياً بالأمن الوطني للدول العربية المجاورة لفلسطين، والأمن القومي العربي في مجمله. كما أن التطبيع يجب أن يلتزم بالمعنى الحرفي للعلاقات الطبيعية بين الدول وليس العلاقات الخاصة التي يراد فرضها.
RLS
