الخميس 9 أيلول (سبتمبر) 2010

مصيدة اخرى للسعودية

الخميس 9 أيلول (سبتمبر) 2010 par عبدالباري عطوان

عندما يدعو الصحافي الأمريكي توماس فريدمان (في مقال أمس بـ «نيويورك تايمز») العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز الى استقبال بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء «الإسرائيلي» في الرياض، وتسليمه «شخصيا» وليس عبر الفاكس «مبادرته» السلمية التي اطلقها قبل ثماني سنوات، عندما كان ولياً للعهد فان علينا ان نضع ايدينا على قلوبنا، لسببين :

الأول : الصحافي فريدمان نفسه كان المحرض الرئيسي للعاهل السعودي لإطلاق مبادرته السلمية المذكورة، وبالتفاصيل والبنود التي تضمنتها عندما زاره في الرياض ناصحاً ومرشداً.

الثاني : ان المملكة العربية السعودية تتعرض هذه الأيام الى ضغوط هائلة من الإدارة الأمريكية للإلقاء بثقلها خلف المفاوضات المباشرة، وكان الرئيس باراك اوباما يتمنى مشاركة العاهل السعودي جنباً الى جنب مع الرئيس المصري والعاهل الأردني في حفل تدشينها الأسبوع الماضي في واشنطن، واكتفت السعودية باصدار بيان رسمي بتأييدها.

المستر فريدمان لا ينطق عن هوى، وتربطه صلات قوية مع صناع القرار في واشنطن و«تل ابيب»، ويفرش له الزعماء العرب السجاد الأحمر في كل مرة يفكر فيها بزيارتهم وهو يبرر دعوته هذه للعاهل السعودي بالقول «ان خطوة كهذه كفيلة بتبديد مخاوف «الإسرائيليين»، وستترك اثرها النفسي عليهم، وفك عزلتهم، وتحشدهم وراء نتنياهو الذي يرون انه يستقبل من قبل زعيم دولة مسلمة هي الأهم»، ومثل هذه الخطوة ستساعده على قرار تمديد فترة تجميد الإستيطان. أي انه يريدنا ان نكسر عزلة «إسرائيل» التي نشأت بسبب مجازرها في حقنا، وان نبدد مخاوفهم منا نحن الضحايا، وان تطبع الدولة العربية والإسلامية الأهم علاقاتها معها، وتستقبل نتنياهو بطل مجزرة سفن الحرية وفي مدينة الرياض ومقابل ماذا؟ تمديد تجميد الإستيطان في الأراضي المحتلة.. يا لها من تضحية يقدم عليها نتنياهو.

من المفارقة ان فريدمان نفسه استخدم الذريعة نفسها، قبل ثمانية اعوام تقريباً، أي طمأنة «الإسرائيليين» وكسر عزلتهم، لإقناع العاهل السعودي نفسه، لإطلاق مبادرته الشهيرة للسلام التي تبنتها قمة بيروت لاحقاً التي انعقدت في آذار (مارس) عام 2002، بعد ادخال اضافة مهمة عليها تنص على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، استجابة لضغط سوري، واصرار الرئيس اللبناني إميل لحود، وهي الإضافة التي لم ترض فريدمان.

«الإسرائيليون» فرحوا بهذه المبادرة لأنها تعرض التطبيع الكامل عليهم من قبل دولة في حجم السعودية، وللمرة الأولى في تاريخ الصراع، ولكنهم كعادتهم ارادوا المزيد من التنازلات العربية المجانية، وتعاملوا مع المبادرة بالأسلوب الذي يجيدونه أي «الإبتزاز» فقد طالبوا العاهل السعودي بزيارة القدس المحتلة اقتداء بالرئيس المصري الراحل انور السادات لشرح مبادرته لـ «الكنيست الاسرائيلي».

[**♦♦♦♦*]

ادارة المحافظين الجدد الأمريكية السابقة تبنت (التحفظات) «الإسرائيلية» هذه وطالبت العاهل السعودي بمبادرات تطبيعية تحت عنوان المشاركة الفاعلة في العملية السلمية، مثل المشاركة في مؤتمر أنابوليس للسلام عام 2007 بحضور مسؤولين «إسرائيليين»، واطلاق حوار الأديان لا يستثنى منه الرئيس «الإسرائيلي» واركان حكومته الى جانب الحاخامات وكان لها ما ارادت، وان كان الحوار المذكور تم تحت مظلة الأمم المتحدة.

ومن المؤلم ان الحوار بين الأديان اعطى ثماراً عكسية تماماً، فقد تزايدت الحملات ضد الإسلام والمسلمين في الغرب، واعيد نشر الرسوم الكارتونية المسيئة للرسول على نطاق واسع، وما زلنا نتابع انباء اصرار كنيسة مسيحية امريكية على اقامة حفل في مقرها بولاية فلوريدا لحرق مئتي نسخة من القرآن الكريم، والحملات الأمريكية في الكونغرس والإعلام ضد بناء مركز ثقافي ومسجد اسلامي قرب «غراوندزيرو» حيث وقعت هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر).

الأمريكيون مولعون بلغة الأرقام، والمستر فريدمان منهم، ولذلك لا بد من تذكيرهم جميعاً بانه منذ ان اطلق العاهل السعودي مبادرته السلمية، جرى توطين اكثر من مئتي الف مستوطن في القدس المحتلة والضفة الغربية، وجرى قتل الفي فلسطيني في قطاع غزة اثناء العدوان الأخير، و1500 لبناني اثناء عدوان «إسرائيلي» آخر عام 2006، واستمرار الحفريات تحت المسجد الأقصى، واعداد خطة لبناء هيكل سليمان على انقاضه، واكمال بناء السور العنصري.

لا نعرف ما اذا كان العاهل السعودي سيتجاوب مع دعوة فريدمان هذه بشكل ايجابي مثلما تجاوب مع دعوته الأولى، ويبادر بتوجيه الدعوة الى نتنياهو لزيارة الرياض، فهذا امر لا نستطيع الجزم فيه، ومن الحكمة الإنتظار لما يمكن ان تحمله الأيام المقبلة، وان كنا نستبعد رؤية نتنياهو في الرياض قريباً او هكذا نأمل.

فالعاهل السعودي ربما يكون تجاوب مع دعوة فريدمان الأولى انطلاقاً من رغبته في تخفيف الهجمة الأمريكية على بلاده في اعقاب احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) حيث شارك 15 من مواطنيه في الهجمات. ولكن العلاقة السعودية ـ الأمريكية في افضل احوالها هذه الأيام، ولا حاجة لاستخدام القضية الفلسطينية مرة اخرى لتحقيق مكاسب سياسية مع امريكا او غيرها.

ابتزاز العرب تحت ذريعة تبديد مخاوف «الإسرائيليين» بات مسرحية مكشوفة ومبتذلة ومهينة تستخف بعقول العرب والمسلمين، او الرسميين منهم على وجه الخصوص، وما اكثرهم في السلطة والعواصم العربية ايضاً. فـ «إسرائيل» وحلفاؤها يفترضون ان العرب اغبياء من السهل خداعهم والضحك عليهم. فقد اوفدت الجامعة العربية، وفداً من وزيري خارجية مصر والأردن الى القدس المحتلة للقاء المسؤولين «الإسرائيليين» في «عاصمتهم» القدس المحتلة لشرح مبادرة السلام العربية بناء على طلبهم، ولكن الشرح لم يقنعهم ليس لأنهم مصرون على عدم الإقتناع اساساً، وانما لأنهم كانوا يريدون ان يكون وزير الخارجية السعودي معهم، لأن التطبيع بين الأردن ومصر قائم ويبحثون عن صيد تطبيعي ادسم.

خرج علينا بعض العباقرة العرب بنظرية جديدة استجابة للإبتزاز نفسه أي ضرورة تجاوز المسؤولين «الإسرائيليين»، ومخاطبة الرأي العام «الإسرائيلي» مباشرة واظهار النوايا العربية الطيبة للسلام، من خلال اجهزة إعلامه، وبالفعل جرى رصد ميزانية ضخمة (لا نعرف حتى الآن الجهة العربية التي تبرعت بها ولكننا نعرف من استفادوا منها) وبعشرات الملايين من الدولارات لنشر حملة اعلانية مكثفة في الصحف «الإسرائيلية» تتضمن نشر النص الكامل بالعبرية لمبادرة السلام العربية، مزنرة بأعلام اكثر من خمسين دولة إسلامية، للتأكيد على ان التطبيع لن يكون مع الدول العربية، فقط في حال قبولها، وإنما مع العالم الإسلامي ايضاً.

[**♦♦♦♦*]

هذه الحملة، والملايين التي انفقت فيها، اعطت ثمارها فعلاً في تغيير قناعة «الإسرائيليين»، ولكن من حيث المزيد من الإحتقار للعرب والمسلمين، والتصويت في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة لصالح احزاب اليمين المتطرف، الذي يؤمن بـ «إسرائيل» الكبرى، ورفض قيام الدولة الفلسطينية، والتوسع الإستيطاني واكمال تهويد القدس المحتلة باعتبارها عاصمة ابدية للدولة «الإسرائيلية»، والأكثر من ذلك ضرورة اعتراف العرب بها كدولة يهودية، أي لا مكان للعرب المسيحيين والمسلمين فيها.

الآن يتكرر الغباء العربي نفسه ومن العباقرة أنفسهم حيث يطلق اصحاب «مبادرة جنيف» التي تنازلت عن حق العودة حملة جديدة تحت عنوان (نحن شركاء) يؤكدون «للإسرائيليين» رغبتهم في السلام من خلال برامج تلفزيونية، وملصقات تحمل صورهم الباسمة في مختلف انحاء المدن «الإسرائيلية»، في عملية تسول مهينة اخرى.

ليس «الإسرائيليون» هم الذين يحتاجون الى تبديد مخاوفهم من العرب، وانما العكس تماماً، فهم الذين يحتلون ارضنا، ويستخدمون الفوسفور الأبيض لقتل اطفالنا، ويرتكبون مجازر ضد المتضامنين العزل مع الحصار النازي الظالم الذي يفرضونه على مليوني فلسطيني عربي مسلم في قطاع غزة، ولكن ماذا نقول لزعمائنا ومستشاريهم العباقرة؟

من العيب ان نستمر كعرب في تأكيد غبائنا، ورضوخنا دائماً للإبتزاز «الإسرائيلي» المدعوم امريكياً، ومن العيب ايضاً ان نظل نكرر الأخطاء نفسها، ونلدغ من الجحر نفسه والأفعى نفسها، ولا نريد ان نقول ما هو اكثر من ذلك تأدباً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2165561

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

2165561 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 32


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010