الاثنين 6 أيلول (سبتمبر) 2010

أوباما ونتنياهو يعززان رصيدهما

الاثنين 6 أيلول (سبتمبر) 2010 par د. عبد الاله بلقزيز

بلعت «السلطة الفلسطينية» كل العبارات القاطعة التي أطلقت قبل أشهر رفضاً للتفاوض تحت تهديد سيف الاستيطان وشروط «إسرائيل»، ودخلت في ما أعلن محمود عباس أنه لن يدخل فيه معززاً موقفه بالإعلان عن نيته عدم الترشح ثانية لـ «رئاسة السلطة». أما ما يسمى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فمنحت غطاءها للتفاوض بعد أن تحولت إلى مكتب خدمات سياسية «للسلطة»، وترك أمر التسويق والتبرير وتحسين نيات «المفاوض الفلسطيني» لدى الرأي العام لموظفين يتحدثون اللغات كافة حسب اختلاف الظروف والأحوال. فمن تصريحات متماسكة ومتمسكة بالشروط الوطنية والحقوق الثابتة، إلى أخرى معتدلة، إلى ثالثة خجولة، إلى عاشرة لا تعرف ماذا تقول. أما الفصائل المعارضة، فلا حول لها ولا قوة ولا تمثيل ولا فعالية، وأقصى ما تقتدر عليه أن تسجل موقفها للتاريخ.

المشهد الفلسطيني هذا لا يناظره في بؤسه سوى المشهد العربي. هذه «إسرائيل» تتحدى دول العرب جميعاً، تفرض شروطها عليهم، وتمرغ مبادراتهم السلمية في الأوحال، وتجبر جامعتهم العربية على تبديل مفرداتها وشروطها من الأعلى إلى أسفل الأسفل، وتفرض على حكوماتها صمت القبور وحياداً كاملاً تجاه ما يجري وكأن التفاوض لا يعنيها ولا يمس مصير دولها وشعوبها. أما الأحزاب والمنظمات الشعبية، فبزت حكوماتها في الإعراض الكامل عن الشأن الفلسطيني كما لو أن قضية فلسطين باتت عبئاً عليها مثل حكوماتها. ويبقى «الشارع العربي»، مثل عادته، موسمياً، ينتظر مجزرة دموية كبرى أو حرباً كي يستفيق لحظة ثم يعود بعدها إلى عادته سادراً في نوم عميق. و«السلطة» والحكومات العربية جميعها تعرف أن هذا التفاوض الذي تدعى إليه لن يتحصل منه حق ولن تنجم منه نتائج سياسية غير العودة إلى نقطة الصفر. وليس ذلك لأنها جرّبت التفاوض منذ زهاء عشرين عاماً منذ «مؤتمر مدريد» ولم تحصل على شيء، ولكن أيضاً لأن شروطها للتفاوض لم تراع على الرغم من أنه نُصَّ في «خريطة الطريق» على وقف الاستيطان، وعلى الرغم من أنها تنازلت طوعاً عن ذلك إلى مجرد تعليق الاستيطان، ثم لأن «إسرائيل» وهذا هو الأهم تفرض شروطاً مستحيلة ومهينة على الفلسطينيين والعرب يعادل القبول بها الانتحار السياسي، وآخرها شروط نتنياهو المذلة وفي رأسها الاعتراف بيهودية دولة «إسرائيل».

لماذا، إذاً، تخوض في هذا الخيار التفاوضي العبثي على مكين علمها بعبثيته ولا جدواه؟

لأنها لا تملك قرارها في مواجهة إرادة الإدارة الأمريكية وإملاءاتها. هذه واحدة، والثانية لأنها تعتقد أن من الفائدة أن تدخل في التفاوض لمصلحة باراك أوباما ولدعم موقفه في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في الخريف القادم.

فأما أنها لا تملك قرارها، فذلك مما لا يحتاج بيانه إلى كثير شرح واستدلال، يكفي أن «السلطة الفلسطينية» لا تستطيع حتى الآن أن تنتزع من إدارة أوباما تعهداً بوقف الأنشطة الاستيطانية أو بأن تنتهي المفاوضات إلى حل لمسائل تقرير المصير : اللاجئين والقدس والمستوطنات وحدود 67 للدولة الفلسطينية. ويكفي أن الدول العربية وجامعتها لا تملك أن تتمسك بالحد الأدنى من شروطها السابقة لقبول التفاوض ومنها وقف الاستيطان. وهل يملك قراره من لا يملك سياسة مستقلة في شأن ذي خطر مثل مستقبل فلسطين، ويتخذ قرارات في القمة ثم ينساها في اليوم التالي متعاملاً مع المعروض عليه وكأنه المشروع السياسي الوحيد المتاح؟

وأما أنها تبغي خوض المفاوضات لمساعدة أوباما، فهو التفسير الوحيد الذي في حوزتنا لفهم لغز هذه الموافقة الخرساء والسريعة على الدعوة الأمريكية إلى التفاوض المباشر. ولعل من الواضح أن السياستين الفلسطينية والعربية لم تبرحا رهاناً على إدارة أوباما حتى الآن، على الرغم من أنهما اختبرتا حدود قدرتها على الالتزام بوعودها وحدود ما تستطيعه من ضغط على «إسرائيل» وحكومة نتنياهو بالذات. والسياستان تيناك تعتقدان أن إسداء خدمة لأوباما وحزبه في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس من شأنه، إن أبق على أغلبيته في المجلسين، أن يطلق يده أكثر في شؤون المنطقة ويحرر مبادراته من ضغوط الجمهوريين واللوبي الصهيوني، ويدفعه إلى مبادرات أفعل تجاه قضية فلسطين.

حسابات سيكتشف أصحابها كم هي قصيرة النَّفس وقاصرة التقدير حين سيكتشفون أن أوباما، وإن ثبّت أغلبيته في المجلسين، لن يخطو في النصف الثاني من ولايته أية خطوة ذات شأن أو قيمة لأنه سيكون هو وإدارته وفريق مستشاريه وحزبه مشغولاً بالانتخابات الرئاسية وبأحلام ولاية ثانية عليه أن يكسب ود الجمهور اليهودي واللوبي الصهيوني كي يظفر بها. وسيكرر هؤلاء، حينها، ما ارتكبوه في السابقات من الحالات النظير من الأخطاء، ويعودون إلى نقطة الصفر في انتظار قطرة غيث من إدارة جديدة، وهكذا هي سيرتهم طالما ليس لديهم مشروع سياسي، وطالما ظلوا يحسبون أمريكا صاحبة الحل والعقد في منطقتهم.

ما أغنانا عن بيان أن المستفيد الوحيد من هذا التفاوض المباشر والعبثي هما إدارة أوباما وحكومة نتنياهو : الأولى لكي تعزز رصيدها الداخلي فتوحي للناخب الأمريكي بأنها تحقق تقدماً في السياسة الخارجية وفي أعقد ملفاتها («الشرق الأوسط») لا يقل أهمية عن مكتسباتها الداخلية في تأمين الرعاية الصحية ووقف نزيف الأزمة المالية والاقتصادية. والثانية لكي تقنع العالم وهي في عز اندفاعتها الاستيطانية أنها تخوض «عملية سلام» مع أعدائها. وكما ستستثمر إدارة أوباما ذلك لدعم موقفها الانتخابي في منافسات الكونغرس القادمة مع المعارضة الجمهورية، ستستثمره حكومة نتنياهو ضد معارضتها الداخلية ممثلة في «كاديما» وحلفائه. وشكراً للفلسطينيين والعرب على الهدية السياسية الطيبة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2178415

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178415 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40