الجمعة 1 أيلول (سبتمبر) 2017

عيد مثقل بالهموم

الجمعة 1 أيلول (سبتمبر) 2017 par علي قباجة

وعاد العيد، و«بأي حالٍ عدت يا عيد»، عذراً منك ارفع ثوبك الأبيض؛ لكي لا يصيبه شيء من دماء أمتنا، التي أريقت على امتداد عالمنا العربي المكلوم، أتيت تحمل زهوراً وعطوراً تنشرها بين أهلك؛ لكنك ستلقى الأمة التي كان الغربي يعلو قدره بين بني قومه حينما ينطق بلسان ضادها تعيش في غياهب القتل واستباحة الدماء، أدماها الصراع والاقتتال، وعمّق جراحها غمامة الأطماع الاستعمارية، التي دقت أسافين بغضها وحقدها في جسد عربي متعب، فبعثرت كيانه في خرائط تقسيمية جديدة؛ إمعاناً في تفتيت المفتت، وزرع بذور الشقاق بين الإخوة من أبناء البلد الواحد، ولم يرو ظمأ حقد عدونا أنهار دمائنا التي تسربلت بها أمتنا، فأوجد مخلوقات تشابه البشر بأسمائها؛ لكنها لا تختلف عن العجماوات بطبعها وطبيعتها، فأفكارها غريبة متطرفة تبنتها تنظيمات كانت عوناً وأداة مثلى في دعم المخططات الاستعمارية، وأيضاً أنظمة تجاهلت التنمية، وكرّست جل قوتها لحماية عروشها غير آبهة بشعوبها الجريحة.
فلسطين، يمر عليها العيد، وهي تعيش أيامها بين خيارين أحلاهما مر، فبين محتل خلّفَ بحقده آلاف الأمهات الثكلى، ومئات الأيتام، الذين اغتيل آباؤهم عدواناً من كيان أمعن في إجرامه ليقتل حتى الطفل في رحم أمه، مدنساً المقدسات النائحة التي تشكو التخاذل والتآمر العالمي، وبين أبناء تراب واحد يتصارعون فيما بينهم، ضاربين بنداء وحدة الصف عرض الحائط غير آبهين بشعب أضناه التعب بفعل انقسامهم وتشرذمهم لعشرات الفئات والفصائل.
وإن أردت أن تشد رحالك على بعد مرمى حجر من فلسطين، ستجد يا عيد سوريا الجريحة، التي ذاقت ويلات اقتتال عبثي، استنزف خيراتها مُخلفاً آلاف القتلى، ليعيدها عقوداً إلى الوراء، بعد أن تداعت عليها قوى لا ترقب فيها إلاً ولا ذمة، هدفها التقسيم والمحاصصة، ناهيك عن القوى الدولية التي اتخذت منها ساحة لتصفية حساباتها، واستعادة أمجاد امبراطورياتها، لتجعل منها منطقة نفوذ لها، على حساب ملايين النازحين واللاجئين الذين عصفت بهم رياح التشتت والضياع.
والعراق، الذي بدأ يتعافى من الإرهاب «الداعشي»، فإنه يواجه التشظي باستفتاء إقليم كردستان، الذي من المتوقع انسلاخه عن بلاد الرافدين كدولة مستقلة، في حين أن بلاد الرافدين ما زالت تعاني إرث حكم عبثي أدخل البلاد في أتون حرب طائفية. وأمام هذا البلد الكثير من البناء والانفتاح ونشر التنمية؛ لطي حقبات سوداء مرت عليه، فالعيد الحقيقي هو يوم بناء عراق حر يمثل قيم الحضارة التي صنعت على مر الألفيات الماضية.
أما اليمن السعيد، الذي تحول إلى تعيس تظلله غمامة انقلاب سوداء، وتآمر أخرق من رئيس سابق، لم تكفه حقبه المظلمة على مدى ثلاثة عقود؛ مع الحوثيين الذين سرقوا السلطة عنوة، مستميتين في سبيل تقسيم اليمن، والسماح للأطماع الخارجية بالعبث في البيت اليمني الواحد.
والمآسي العربية لم تقتصر على الدول سالفة الذكر، فقائمة أمتنا تطول.. فلكي يعيش العرب عيدهم الحقيقي لا بد لهم من وقفة مع الذات يعيدون فيها حساباتهم، فيبادروا إلى تنمية حقيقية تنعم بها الشعوب من خلال نظام تعليمي قويم، ويوحدوا بوصلتهم ويشدوا من أزر بعضهم للخروج من هذه المحن.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165632

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع علي قباجة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165632 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010