الجمعة 14 تموز (يوليو) 2017

سياسة اللامعقول بين مودي ونتنياهو

الجمعة 14 تموز (يوليو) 2017 par د. محمد السعيد ادريس

كسرت زيارة رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي للكيان الصهيوني التي امتدت لثلاثة أيام وهي الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس للحكومة الهندية إلى الكيان منذ تأسيسه كل ما هو معقول في السياسة الدولية وتجاوزته إلى عالم اللامعقول. كان من نوادر اللامعقول أن تسأل مثلاً: «هل يمكن أن يتزوج الفيل من النملة»، لكن بعد زيارة رئيس الحكومة الهندية ل «إسرائيل» لم يعد مطلوباً أن نسأل: «وهل يمكن أن ينجب الفيل من النملة؟» لأن الإجابة أضحت صارخة وهي بكل أسف «نعم يمكن أن ينجب!!».
ما الذي يجعل دولة بحجم الهند أضحت قوة عالمية كبرى حريصة كل هذا الحرص على أن تتودد إلى «إسرائيل» وليس فقط أن تتقرب منها؟ وما الذي يجعل ناريندرا مودي رئيس الحكومة الهندية وهو زعيم لحزب هندوسي يميني كبير تلميذاً مهذباً ومؤدباً وهو يقف في حضرة بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة «الإسرائيلية» الذي يترأس تحالفاً حكومياً هشاً مهدداً بالسقوط في أي لحظة بسبب تسابق على التطرف اليميني مع منافسين له من نوع نفتالي بينيت زعيم حزب «البيت اليهودي» وزير التعليم؟
الإجابة عن هذا النوع من الأسئلة هو الذي في مقدوره فرض معادلة «تجاوز اللامعقول» في السياسة الدولية، وفي مقدوره أن يقول وبصوت عال إن الفيل في مقدوره ليس فقط الزواج من النملة بل في مقدوره أن ينجب منها.
حاول ناحوم بريناع الكاتب «الإسرائيلي» المشهور في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن يفك ألغاز هذا اللامعقول، حيث نقل تفسيراً قدمته كاتبة هندية في صحيفة «انديان اكسبرس» للعلاقة غير المعقولة بين مودي ونتنياهو فقالت ما نصه: «مازال مودي هو الشخصية الأكثر شعبية في البيت (أي على المستوى الشعبي الهندي)، فلا أحد من السياسيين (الهنود) يحظى بالشعبية التي يحظى بها، لاسيما في المعارضة. مودي يُحمل على أكتاف ورؤوس الجميع». هذا يعني، وحسب وصف الكاتبة أن الرجل كبير قومه، ورغم ذلك وقف تلميذاً في حضرة «الأستاذ نتنياهو». وتفسيرها لذلك كما تقول إن مودي «يسعى في هذه الزيارة إلى تحقيق الاعتراف بأنه ينتمي إلى الطرف الجيد في محاربة الإرهاب، أي في الصراع ضد باكستان. وهو يريد تقليدكم أنتم «الإسرائيليون» في عمل مثل العمل الذي قمتم به عندما قررتم ضم هضبة الجولان (الإشارة هنا إلى إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان). فقد كانت ل «إسرائيل» جرأة لفعل ذلك رغم انتقادات الغرب، وهو يطمح أيضاً إلى إدارة ظهره للانتقاد الدولي وفعل ما يشاء، لأنه قوي ودولته قوية».
ما فهمه برنياع في تفسير أسباب اندفاع مودي نحو نتنياهو أنه (أي مودي) بكل وزنه السياسي في بلده: «يريد أن يكون هندياً مع استفزاز يهودي»، وأنه كزعيم لحزب قومي ديني هندي يتعامل مع 175 مليون مسلم في الهند، ومع الجارة الإسلامية باكستان يريد أن يكون شريكاً في جبهة الحكومات الدينية القومية التي أخذت تتبلور في العالم ويوحدها الصراع ضد الإسلام، و«إسرائيل» تبدو في طليعة تلك الحكومات، ولعل هذا ما حفز نتنياهو أن يخاطب مودي في مؤتمرهما الصحفي المشترك قائلاً: «أنا وأنت سنغير العالم»، في إشارة إلى مشروع سياسي يوحد الرجلين.
هناك أيضاً إلى جانب المشروع السياسي مشروعات أخرى اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية يرى رئيس الحكومة الهندية أن «إسرائيل» يمكن أن تكون شريكاً مهماً فيها دون أثمان سياسية كما هي أثمان علاقة الهند مع روسيا أو الولايات المتحدة، ناهيك عن أن الصين وباكستان تبقيان دائماً في أعين صانع القرار الهندي، وهذا ما حاول افرايم انبار المدير السابق لمركز بيجين - السادات للدراسات الاستراتيجية أن يوضحه بقوله إن «الأمر يتعلق ببرنامج إستراتيجي مشترك يشمل الخوف من التطرف الإسلامي، ومخاوف من اتساع الحضور الصيني، وبالإضافة إلى ذلك لا يمكن تجاهل الإمكانات الاقتصادية الضخمة».
كذلك تنظر الهند إلى «إسرائيل» باعتبارها «شبه ولاية أمريكية» من منظور التعاون العسكري والتكنولوجي ولكن دون قيود أمريكية مجحفة، وهو ما يسمح لها بالقفز فوق القوانين الأمريكية التي عانت منها الهند في السنوات الماضية، والأمر ذاته ينطبق على العلاقات الهندية المقيدة والمشروطة مع روسيا.

في المقابل تعتبر «إسرائيل» في علاقاتها مع الهند أنها تضع أيديها على «كنز ليس له مثيل»، وهي هنا ترى ملاذاً بديلاً للتعفف الأوروبي المشروط بمطالب تخص القضية الفلسطينية. في علاقتها مع الهند تبدو «إسرائيل» غير معزولة في العالم، فأكثر من مليار هندي يقبلون عليها دون شروط وأثمان فلسطينية، ناهيك عن حجم التجارة الهائل، هناك أيضاً العمق الآسيوي الكبير من منظور الصراع «الإسرائيلي» مع إيران. ف «إسرائيل» حريصة على تعميق التعاون مع الهند خاصة الأمني إلى الحد الذي يمكنها من استغلال الهند في صراعها مع طهران، وهي إذا نجحت في ذلك، تكون قد كسبت حليفاً يمكنها من استكمال تهديد إيران من الشرق، بعد ما تمت علاقتها مع أذربيجان، الجارة الشمالية لإيران.
هي إذن سيناريوهات اللامعقول التي جعلت نتنياهو يتطرف في توظيف منهج التزييف في تعليقه على زيارة مودي لمدينة حيفا وقيامه بوضع إكليل من الزهور على مقبرة جنود هنود حاربوا في الحرب العالمية الأولى في فلسطين مع مقاتلين عرب عام 1918 ضمن القوات البريطانية في الحرب ضد الدولة العثمانية بقوله إن الزيارة كانت «لوضع إكليل من الزهور لذكرى الجنود الذين لقوا حتفهم أثناء تحرير حيفا».
تزوير للتاريخ وتزييف للواقع الذي أصبح غارقاً في سياسات اللامعقول، الذي لا ينافسه غير الغياب العربي اللامعقول.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2165937

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع محمد السعيد ادريس   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165937 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010