الجمعة 30 حزيران (يونيو) 2017

التوراة جاءت من جزيرة العرب

الجمعة 30 حزيران (يونيو) 2017 par أحمد الدبش

عنوان هذا المقال مستعار من عنوانِ كتابِ المؤرخ اللبناني الراحل، د. كمال الصليبي، الموسوم «التوراة جاءت من جزيرة العرب»، الذي صدر في العام 1985. في هذا الكتابِ، طرح الصليبي، نظرية «خطأ تحديد جغرافية الحدث التوراتي»، التي تتلخص، على وجوب إعادة النظر في «الجغرافيا التاريخية للتوراة»، حيث يثبت أن أحداث «العهد القديم» لم تكن ساحتها فلسطين بل أنها وقعت في جنوب غربي الجزيرة العربية. حاول د. الصليبي، في كتابه «خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل»، الذي صدر في العام 1988.
التأكيد من صحة الجغرافيا التاريخية للتوراة، وتصحيح ما ورد من تفاصيل في كتابه السابق «التوراة جاءت من جزيرة العرب»، وهو، هنا ، يعيد النظر في عدد من قصص التوراة المألوفة على ضوء جغرافيا الجزيرة العربية. إذ يلحظ الصليبي أن الأكثرية الساحقة من أسماء الأماكن التوراتية لا وجود لها في فلسطين والقليل الموجود هناك لا يتطابق من ناحية الحدث مع تلك المذكورة بالأسماء ذاتها في التوراة.
ويقدم الصليبي، في كتابه «حروب داوود: الأجزاء الملحمية من سفر صموئيل الثاني مترجمة عن الأصل العبري»، الذي صدر في العام 1990. ترجمة جديدة لأخبار الحروب التي خاضها داوود حين كان ملكا على «جميع إسرائيل» (1002 _ 962 ق م تقريبا)، كما هي مروية في الأصل العبري لسفر صموئيل الثاني من التوراة. ولم يتخل الصليبي في كتابه الأخير«عودة إلى “التوراة جاءت من جزيرة العرب” – أورشليم والهيكل وإحصاء داود... في عسير»، الذي صدر في العام 2008. عن اطروحته مصححاً قراءات واجتهادات سابقة عن هذه المواضيع.
أما الباحث السوري، د. أحمد داوود، فقد ألف سلسلة كتب تحت عنوان «سوريا وعودة الزمن العربي»، وحاول أن يثبت في كتابه الأول «تاريخ سوريا القديم تصحيح وتحرير»، الذي صدر في العام 1986. ان المسرح الجغرافي للتوراة في جزيرة العرب. وتوصل نتيجة بحثه في كتابه الثاني «العرب والساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل واليهود»، الذي صدر في العام 1991. إلى «إن كتاب التوراة هو في مجمله لا يخرج عن إطار التراث العربي الذي كان يحفظ مدوناً في الذاكرة لعشائر عربية عاشت أحداثاً معينة في منطقة بدوية جد ضيقة من شبه جزيرة العرب». وأن مسرح أحداث التوراة لم يتجاوز اليمن.
وتناول الباحث اللبناني، فرج الله صالح ديب، في كتابه «حول أطروحات كمال الصليبي ــ التوراة في اللغة والتاريخ والثقافة الشعبية»، الذي صدر في العام 1989. توجهين، الأول: اكتشاف د. الصليبي وموقف المؤرخين العرب من ذلك، والقرابة اللغوية، والوثينيات المشتركة بين التوراة وبعض ما ساد الجزيرة العربية قبل الاسلام. الثاني: التوراة والثقافة الشعبية، ما هي العادات والتقاليد والطقوس المقننة في التوراة، والتي سادت قبل الإسلام وبعده وحتى الآن. وكذلك مقارنة بين اسماء الأماكن والأفراد الواردة في التوراة مع القاموس العربي، ويعتبر هذا الكتاب، دعماً لنظرية الصليبي. وفي كتابه «التوراة العربية وأورشليم اليمنية»، الذي صدر في العام 1994. خالف فرج الله صالح ديب، طرح الصليبي، وقد توصل في جملة ما توصل إلى أن مسرح الحوادث التي ورد ذكرها في التوراة لم يكن في فلسطين، ولا في الحجاز، وإنما في اليمن، وفي محيط صنعاء بالتحديد، وأن التوراة في الأصل ذات منشأ عربي. وفي كتابه «كذبة السامية وحقيقة الفينيقية»، الذي صدر في العام 1998. ومن خلال أبحاثه ودراسته كشف الحقيقة التالية: إن مسرح قبائل وملوك التوراة كانوا حول صنعاء. و يستكمل ديب أطروحته في كتابه «اليمن وأنبياء التوراة»، الذي صدر في العام 2012.
واستند الباحث الفلسطيني، د. زياد منى، إلى أطروحة د. كمال الصليبي، وتوصل نتيجة بحثه المطول في نصوص العهد القديم، إلى الاستنتاج التالي، الذي تضمنه كتابه «جغرافية التوراة: مصر وبنو إسرائيل في عسير»، الذي صدر في العام 1994، والواضح من عنوان هذا الكتاب أن مؤلفة أراد أن يثبت فيه أن الأحداث التوراتية قد وقع في منطقة عسير بجزيرة العرب، قائلاً: «أسجل هنا أن هذا العمل لا يناقش صحة أو خطأ تاريخية بعض الروايات الواردة في العهد القديم، فكل ما يعالجه هو المكان الذي ينقل الكتاب المقدس لليهودية أن أحداثه قد وقعت ضمنه، وأما منطلقي فهو فرضية صحة التاريخ بعموميته، وخطأ الجغرافيا». وتناول منى، في كتابه «جغرافية العهد القديم بنو إسرائيل جغرافية الجذور»، الذي صدر في العام 1995. بعض القضايا والمعضلات الجغرافية المرتبطة بالعهد القديم، والنتيجة التي توصل لها، هي التأكيد على صحة أطروحة د. الصليبي.
وأشار الباحث المصري، أحمد عيد، في كتابه «جغرافية التوراة في جزيرة الفراعنة»، الذي صدر في العام 1996. أن جزيرة العرب كانت جزء لا يتجزأ من مصر الفرعونية القديمة، وأن الأماكن التي درات أحداث التوراة فيها هي بالتحديد جنوب الجزيرة العربية «اليمن».
ويأتي الباحث اليماني، فضل عبد الله الجثام، ليسير على نفس المنهج، في كتابه «الحضور اليماني في تاريخ الشرق الأدنى: سبر في التاريخ القديم»، الذي صدر في العام 1999. ويتوصل في بحثه أن أرض اليمن هي الحاضنة للتوراة.
ويحدثنا الباحث اللبناني، د. لطيف إلياس لطيف، في كتابه «لبنان التوراتي في اليمن»، الذي صدر في العام 2000. أن لبنان التوراتي ليس لبنان الحالي بل هو لبنان اليمن. وقد اعتمد منهجية تقوم على تحليل النصوص التوراتية، ودراسة المعطيات الجغرافية التي ترد في النصوص، والاستعانة بالمنهج الفيلوجي أو المنهج اللغوي المقارن.
وطرح كاتب المقال، الباحث الفلسطيني أحمد الدبش، في كتابهِ «موسى وفرعون في جزيرة العرب»، الذي صدر في العام 2004، وجهة نظره من أن ثمة إشارات غامضة في الكثير من النقوش تدعم، وإلى حد بعيد فرضية حدوث هذا الحدث (خروج قوم التوراة)، وسوف ينصب بحثنا على إدراج حادثة الخروج ضمن جغرافية الحضارة اليمنية القديمة، والتي كانت تشمل عُمان واليمن الحالية وبعض السواحل السعودية. وحاول (الدبش) في كتابه «كنعان وملوك بني إسرائيل في جزيرة العرب»، الذي صدر في العام 2006، تتبُّع ملوك بني إسرائيل، والبحث عن أورشليم، والبحث عن دولتي إسرائيل ويهوذا، في إطار الجغرافية اليمنية. ويناقش في كتابه «عورة نوح ولعنة كنعان وتلفيق الأصول»، الذي صدر في العام 2007. مسألة السامية ولعنة كنعان الواردة في سفر التكوين وقصص الطوفان وأصول شعوب المنطقة العربية، وقد توصل الباحث إلى أن مجمل هذه القصص كانت في اليمن. وقدم (الدبش) في كتابه «اختطاف أورشليم»، الذي صدر في العام 2013. الدليل على أن أورشليم يمنية، ويعتبر هذا الكتاب استكمالاً لكتابه «كنعان وملوك بني إسرائيل في جزيرة العرب». وأكد (الدبش) في كتابه «بحثاً عن النبي إبراهيم»، الذي صدر في العام 2017. أن المسرح التاريخي والجغرافي للنبي إبراهيم في اليمن.
وتأتي جمعية التجديد البحرينية، لتسير على نهج د. أحمد داوود ود. كمال الصليبي، وتصدر عده كتب حول هذه النظرية (خطأ تحديد جغرافية الحدث التوراتي) منها كتاب «نداء السراة ... اختطاف جغرافيا الأنبياء»، الذي صدر في العام 2006. والواضح من عنوان هذا الكتاب أن مؤلفة أراد أن يثبت فيه أن جغرافيا الانبياء تم اختطافها، وقد توصل مؤلف الكتاب إلى أن الجغرافية الحقيقة للأنبياء هي جزيرة العرب.

يحدثنا الباحث العراقي، فاضل الربيعي، في كتابه « قصة حب في أورشليم: غرام النبي سليمان بالإلهة العربية سلمى (ترجمة جديدة لنشيد الأنشاد عن النص العبري) »، الذي صدر في العام 2005. أن «نشيد الأنشاد» هو في الأصل قصيدة كتبها شاعر مجهول، ولكنه من بلاد اليمن، وذلك لأن الأماكن المذكورة في النشيد لها ما يقابلها أو يماثلها في تلك البلاد. ويتناول الربيعي في كتابه «يوسف والبئر؛ أسطورة الوقوع في غرام الضيف»، الذي صدر في العام 2008. دراسة مسرح قصة يوسف ورموزها وشخصياتها ومدلولاتها، ويتوصل إلى أن الاحداث وقعت في اليمن. ويذهب الباحث العراقي، فاضل الربيعي، في كتابه الموسوعي «فلسطين المتخيلة: أرض التوراة في اليمن القديم»، الذي صدر في العام 2008؛ إلى أن اليمن هي أرض التوراة، استناداً إلى قراءتهِ للتوراةِ باللغةِ العبريةِ، والاعتمادِ على مؤلفاتِ الهمداني، والمصادرِ العربيةِ القديمةِ، والاستعانةِ بالشعرِ العربي القديمِ. وقدم الربيعي في كتابه «حقيقة السبي البابلي ـ الحملات الآشورية على الجزيرة العربية واليمن»، الذي صدر في العام 2009. رؤية لحادثة السبي البابلي، والحملات الأشورية، وتوصل إلى أنها كانت باتجاة الجزيرة العربية واليمن، ولم تكن باتجاه فلسطين. وقد تناول الربيعي، في كتابه «القدسُ ليست أورشليم، مساهمةُ في تصحيحِ تاريخِ فلسطينِ»، الذي صدر في العام 2010. طرح النظرية التي تؤكد إن «القدسُ الفلسطينيةُ ليست أورشليم التوراةِ». ويفند الربيعي في كتابه «أسطورة عبور الأردن وسقوط أريحا من اخترع هذا التاريخ؟»، الذي صدر في العام 2014. مسرح الأحداث التي تخيّلها واختلقها الاستشراقيون من التيار التوراتي وقاموا بالترويج لها، ويتوصل الى أن بنو إسرائيل لم يعبر نهر الأردن، ويوشع بن نون لم يفتح أريحا الفلسطينية قط. والتوراة لا تعرف مأدبا. وفي كتابه الجديد،«بنو إسرائيل لم يخرجوا من مصر ــ إسرائيل المتخيلة: مساهمة في تصحيح التاريخ الرسمي لمملكة إسرائيل القديمة»، الذي صدر في العام 2017. يشير الربيعي إلى أن موسى خرج بشعبه من أرض مملكة يمنية عظيمة كانت تدعى (مصر ــ مصرن) حسب النقوش، بحثاً عن إلهة وتقديساً لأماكن عبادته ومواضعها.
من الجديرِ بالانتباهِ، أن أطروحات الباحثينَ التي تَعتبر (عسير)، أو (اليمن)، أو (الجزيرةِ العربيةِ) عموماً هي المسرح الجغرافي والتاريخي لملوكِ بني إسرائيلَ ليست بجديدة؛ فقد سبقهم العديد من الباحثين المستشرقينَ الثقاة؛ ففي عام 1907، بدأت أكاديميةُ فينيا، بإصدارِ مؤلَّفِ المستشرقِ النمساوي (Alois Musil)، بعنوان «Arabia Petraea» في أربعة أجزاء، والذي كتبهُ أثناءَ زيارتهِ لمواقعِ التاريخ التوراتي، أملاً في أن يفهمَ التوراة من خلالِ الطبيعةِ التي وُلِدَت فيها، وأدرك (Alois Musil) في حينهِ، وقبل غيرهِ، ما توصَّل إليه الباحثون العرب.
بل لقد ذهبَ المستشرقُ ديفيد صوئيل مرجوليوث Margolioth ، في كتابه «العلاقات بين العرب وبني إسرائيل قبل ظهور الإسلام« (The Relations between Arabs and Israelites prior to the Rise of Islam)، الذي صدر في العام 1924. إلى أن «الوطنَ الأصلي لبني إسرائيل لم يكن في شبهِ جزيرةِ سيناءِ؛ بل كان ببلادِ اليمنِ التي خرجت منها أمم كثيرةً من أقدمِ الأزمنةِ التاريخية«. ويستدل على رأيه هذا ببعض أدلة منها «أن عادات بني إسرائيل وأخلاقهم الاجتماعية في عصورهم الأولي كانت قريبة من أخلاق العرب في الجاهلية، فهناك شبهاً عظيماً بين بعض العادات الاجتماعية والأخلاق الدينية عند أهل سبأ وبني إسرائيل، ومنها أيضاً ووجود ألفاظ مشتركة بين اللغتين السبئية والعبرية، وزيادة على المادة اللغوية العبرية التي تشبه العربية شبهاً كبيراً نجد كثيراً من أسماء الأعلام العبرية القديمة شائعة الاستعمال عند العرب في الجاهلية. وكانت بطون كلب اليهودية من أعظم البطون اليهودية التي تسكن في جنوب فلسطين، وكذلك نجد بين القبائل العربية من يلقب بهذا اللقب فقد كانت القبائل الكلبية العربية في شمال الجزيرة التي نسبت إلى العصبية اليمنية. وأنظر إلى أسماء الأعلام الأخرى التي تدل على قوة الشبة بين اللغتين، وعظم التقارب في الميول، والعقلية بين الشعبين، فمن هذه الأعلام ما يأتي:- حفني ــ على ــ عبد الله ــ حموال ــ الفادى ــ السعد ــ عفراء، ويوجد كثير من هذه الأعلام في النقوش السبئية والثمودية«.
وقد ألَّفَ المستشرقُ الألماني هوغو ونكلر (Hugo Winckler) رسالتهُ المثيرةِ للجدلِ التي أسماها «مصري وملوخا ومعين»؛ بين فيها رأيه أن «مصري» هي أرض عربية شمالية، وأن مصر المذكورة في التوراة هي في بلاد العرب، لا في أفريقية. وأن عبــارة هاكـــرهم مصــريت (Hagar Ham-Misrith)، بمعنى هاجر المصرية، لا تعنى هاجر من مصر المعروفة، بل من مصر العربية، أي من هذه المقاطعة التي نتحدث عنها (معن مصرن) وأن القصص الواردة في التوراة عن مصر وعن فرعون، هو قصص يخص هذه المقاطعة العربية، وملكها العربي.
و قد انتبه إلى هذه الحقائق المؤرخ العراقي د.جواد علي، في موسوعته «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام»، التي صدرت في العام 1976.
قصارى القول، لا يحق لأحد الباحثين الادعاء بأنه صاحب هذه النظرية (خطأ تحديد جغرافية الحدث التوراتي)، أو محاولة احتكارها بنسج قصة خيالية أنه اكتشف مبكراً في أحد المكتبات، كتاباً لجغرافي عربي قديم، يشير إلى مواقع ذكرت في التوراة، وكأنه لم يطلع على أعمال جيل من الباحثين، استخدم نفس المصدر والمرجع ــ إن كان لم يطلع أفيكون أهلا للبحث العلمي وتبني النظريات؟! أن محاولة الادعاء الباطل بكونه، هو، من أكتشف نظرية «خطأ تحديد جغرافية الحدث التوراتي»، يسقط أمام المنهجيَّة التي حَقَّ لها، ادعاء امتلاك الحد الأدنى من المُقوِّمات العلميَّة، تَفرِض، أولاً، تَقصِّي إن كان كتابه هو الأول من نوعه أم لا. وهذا ما سناقشه في المقالات القادمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 159 / 2165451

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع نوافذ  متابعة نشاط الموقع أحمد الدبش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165451 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010