الجمعة 23 حزيران (يونيو) 2017

دماء على عتبات القدس

الجمعة 23 حزيران (يونيو) 2017 par علي قباجة

رغم كل التضييق، ومحاولة تغيير معالم المدينة المقدسة لجعلها تصبح كأنها ثكنة عسكرية لكيان الاحتلال الغاصب، إلا أن الأقصى بقي وسيبقى دوماً قبلة روحية ورمزاً تحررياً للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لا يعلو لهم شأن دونه، ولا تكون كرامتهم في أتم حالها وقد أحيطت قبلتهم الأولى ومسرى نبيهم بشذاذ آفاق لا يرقبون فيه إلاً ولا ذمة. يؤم المسجد الأقصى في هذه الأيام الفضيلة مئات آلاف المصلين، الذين لم يتوافدوا للتعبد في ثالث الحرمين الشريفين وحسب، بل أيضاً لإيصال رسالة للعالم مضمونها أنه مرتبط بوجدانهم فقد خالطت محبته بشاشة قلوبهم، فكان جليس أفئدتهم ونبض أرواحهم فهو سيبقى دوماً شعاراً لنضال شعب حرم من أبسط حقوقه وربما ليس آخرها منعه من أداء شعائره بحرية وكرامة.
الأقصى وإن قيد، أو اتخذت في سبيل تهويده أبشع القرارات، أو تسلطت عليه المنظمات الصهيونية، ومن خلفها قطعان مسعورة من المستوطنين، ليقيموا مكانه «هيكلهم» المزعوم، أو مارس الساسة حذاقاتهم ليرسموا حلاً دائماً دونه، إلا أنه سيحطم كل تلك القيود، وسيحيل المؤامرات إلى هباء كهشيم تذروه الريح في يوم عاصف، ليجعل أماني من خططوا لسرقته وتزوير تاريخه كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، فلن يصلوا إلى ما منوا النفس به، لأن خلف الأقصى شعباً خط بالدم قسم الانتصار له، والمحافظة عليه باذلاً في سبيل ذلك الغالي والنفيس.
في كل يوم يتخضب تراب القدس بدماء الشهداء والجرحى، الذين يذودون بما يملكون عن حياضها، ويدفعون الثمن من أرواحهم وأرواح فلذات أكبادهم، فالانتصار للحق ضريبته غالية، لكنها تهون في سبيل دفع الغزاة الحاقدين، والمحافظة على قدسية المكان، لذلك لا بد من عطاء لا ينضب، فهذه هي حال الشعوب الحرة التائقة للحرية، وقد برع الشعب الفلسطيني بصياغة فصول الكرامة برفضه الذل بكل أصنافه وألوانه.
مؤخراً، ألغى الكيان تصاريح الدخول، التي منحها لقلة من الفلسطينيين لإحياء العشر الأخيرة من رمضان، بحجة تنفيذ شبان فلسطينيين عملية طعن في المدينة المحتلة، ولكن رغم ذلك لم يأبه الفلسطينيون لهذا المنع، وتوافدوا إلى الحواجز من كل حدب وصوب، تحدوهم العزيمة والإصرار على الدخول فاتخذوا في نيل مرادهم مسالك يتخفون من خلالها عن عيون العدو، بل قام بعضهم بإحراق التصاريح رداً وتحدياً، مؤكدين أن إلغاءها هو تصرف العاجز، لأن المسجد لا يحتاج إلى إذن أحد، فدخوله سيكون رغم أنف المحتل.
تبدع «إسرائيل» في ممارسة ساديتها على شعب أعزل، فهي لم تأل يوماً جهداً لاقتلاعه، وسلخه عن أرضه وتاريخه وقيمه ومقدساته، وسخَّرت لذلك كل أدوات القمع والحقد، لكن ذلك كان كفيلاً بأن يجعل هذا الشعب يتشبث بحقوقه ولو كلفه ذلك أعز وأغلى ما يملك، وليس ثمة أغلى من الأرواح التي يقدمها رخيصة فداء لحريته وعزته.
الكيان يقيناً زائل، وهذا مستمد من روح الشعوب المتيقنة، رغم كل المآسي التي عايشتها وقلة الإمكانات وشحها، أنها منتصرة لا محالة. فالشعب عقد العزم ووحد البوصلة لدحر الاحتلال وإعادة القدس حرة، فلن يسمح لشرذمة الآفاق الذين سيقوا إليها من مجاهيل العالم أن يدنسوا عتباتها الطاهرة..



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 61 / 2165470

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع علي قباجة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165470 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010