الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2017

الواقع العربي المأزوم والمراجعات الواجبة

الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2017 par عوني فرسخ

نشرت فضائية CNN يوم الأثنين، الثاني من الشهر الجاري، تقريرا عن الوطن العربي استنادا لتقرير الإرهاب الدولي للعام 2016، تضمن الآتي: يبلغ سكان الوطن العربي 5 % من سكان العالم، فيما نصيبه 17.5 % من الصراعات العالمية، و 45 % من الهجمات الارهابية، و 47 % من الهجرات الداخلية، ويبلغ اللاجئون من مواطنيه 57,5 % من اللاجئين في العالم، وأنه شهد 68,5 % من المعارك المتسببة بالقتل على صعيد العالم. كما يذكر التقرير أن من هم بين 15 - 29 عاما يقاربون 30 % من القوى العربية العاملة، وأن هذا القطاع الشبابي هو اليوم الأكثر خسرانا وتعرضا للعنف على نحو غير مسبوق في العصر الحديث. ويذكر استنادا لتقرير البنك الدولي للعام 2015 بأن 30 % من القوى العاملة العربية تعاني من البطالة، فيما نسبة البطالة عالميا13.99 %.
وينبه التقرير لتأثير التوقعات الاقتصادية المتدنية في ظهور المواقف الرديكالية المتسببة بعدم الاستقرار السياسي. ويذهب الى أنه يتوجب على دول الشرق الاوسط توفير 60 مليون فرصة عمل في العام 2020، وعليه ينبه الى وضوح المخاطر التي تواجه الشرق الاوسط ما لم ينهض قادة الأقطار الأكثر سكانا لمواجهة التحديات بايجاد فرص العمل اللازمة لاحياء آمال شبابهم وإلا سيواجهون اضطرابات نظير ما شهدته بعض الاقطار عام 2011 بعد تفجر “الربيع العربي”. ويذكر أن مؤشر تطور الشباب العرب خلال السنوات الخمس التالية للعام 2010 نصف ما كان عليه خلال العقد السابق، وهو دون المؤشر الدولي.
ويذكر إنه خلال الشهور القليلة الماضية انقلب قارب في البحر الابيض المتوسط يعتقد انه كان قادما من ليبيا ما ادى لغرق العشرات من العمال الشباب، وقد تبين أن غالبيتهم من مصر، كانوا يأملون بالحصول على فرص حياة افضل في أوروبا وبحيث يستطيعون دعم اسرهم، مضيفا أن تعداد مواطني مصر يقارب المائة مليون، فيما اقتصادها متدهور، واسعار السلع في تصاعد، الأمر الذي دفع الشباب لتصعيد معارضتهم للنظام خلال سنوات 2011 – 2013. وبحيث انتهى التقرير الى أن الاقليم العربي هو الأكثر تخلفا في مجال توفير فرص العمل لشبابه قياسا بما هو متوفر في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وأوروبا ووسط آىسيا، وشرق آسيا ومنطقة المحيط الهادىء، وجنوب آسيا، وافريقيا جنوبي الصحراء، والعالم بشكل عام .
وما تضمنه التقرير، ونبه له من مخاطر، غاية في الخطورة والاهمية. إلا أن واضعيه وناشريه انما سلطوا الأضواء بكثافة على ظواهر الواقع العربي المأزوم دون تناول العوامل الداخلية والخارجية فيما يعانيه شبابه من بطالة وتهميش، وما تواجهه مجتمعاته من تهديد خطر لأمنها واستقرارها سيما والوطن العربي هو الأكثر استهدافا عالميا من قبل القوى الدولية والاقليمية المتطلعة للسيطرة على موقعه الاستراتيجي وموارده واسواقه، وتلك الأكثر تحسبا وعداء للعروبة والإسلام والمسيحية المشرقية وبحيث لا تكون قراءة الواقع العربي موضوعية ما لم تتسم بالعمق والشمول. والسؤال الذي يفرض ذاته هل كان نصيب الوطن العربي من الصراعات الدولية يجاوز ثلاثة أضعاف نسبة سكانه لولا المداخلات الدولية والإقليمية في أدق شؤون مواطنيه، وتأثيرها في صناعة قرار نخبه على مختلف الصعد. أو هل كان اللاجئون من مواطنيه يبلغون 57,5 % من اللاجئين في العالم لولا ما اقترفته اسرائيل ولما تزل من جرائم التطهير العرقي في فلسطين، واجتياحاتها المتوالية للجنوب اللبناني، فضلا عما تسبب به الغزو الأمريكي للعراق العام 2003، وما هو ثابت من دور صناع القرار الأمريكي والاوروبي في عدوان الجماعات التكفيرية، القاعدة وداعش وغيرهما، على أمن وآمان المواطنين العرب مسلمين وغير مسلمين؟ واليست القوى الدولية والاقليمية، والمحلية التابعة، صاحبة دور رئيسي في أن يشهد الوطن العربي 68,5 % من الحروب المتسببة بالقتل؟
فضلا عن التذكير بأن التصاعد الطردي في عدد السكان ومطالبهم وحاجاتهم في تجاوز لنمو الموارد في غالبية اقطار العالم دفعت للتكامل الاقليمي، كما حصل بالاتحاد الاوروبي كمثال، في حين أن التكامل العربي بات معطلا كنتيجة لاقامة اسرائيل فاصلة بين جناحي الوطن العربي الاسيوي والافريقي وعلى تخوم مصر لتحجيم دورها القومي التاريخي. واليست الاستثمارات العربية محكومة في غالبيتها للمؤثرات الخارجية. ما فيه الدلالة الواضحة على أن ما استعرضه تقرير CNN لا يعود فقط لقصور الفعل والفكر العربي عن مواكبة العصر علميا ومعرفيا وتقدما تكنولوجيا، وتلبية احتياجات المواطنين المتزايدين عدداً وطموحا، والتحول الواضح خلال العقود الاربعة الأخيرة من إعطاء الاولوية لتنمية الانتاج الوطني والاستثمار في الإنسان، والتحول الى مجتمعات استهلاكية، يعتمد غالبيتها على “المعونات” الخارجية.
إلا أن الواقع العربي المأزوم يشكل تحديا وطنيا وقوميا ويستدعي مراجعات جذرية للسياسات المعتمدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وإدراك أن أمن واستقرار كل قطر وعربي شديداً التأثر والتأثير بما هو جار في بقية الاقطار العربية. وبقدر ما تسهم النخب العربية في العمل الجاد لتطوير التعليم في كل المراحل. والتوسع في ايجاد معاهد ومراكز التأهيل المهني، والعمل على تعزيز وتعميق الشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية تجاه ما تواجهه المجتمعات العربية من تحديات، واستنهاض ارادة التصدي والممانعة المتجذرة في الثقافة العربية الاسلامية، كل ذلك يستدعي مراجعة جذرية شاملة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165580

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2165580 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010