الجمعة 2 كانون الأول (ديسمبر) 2016

منع الأذان في سياق تقنين وتشريع العنصرية

الجمعة 2 كانون الأول (ديسمبر) 2016 par علي بدوان

صادقت مؤخرًا، اللجنة الوزارية للتشريعات في الحكومة “الإسرائيلية”، على قانون شرعنة البؤر الاستيطانية، بتوقيع الوزراء السبعة في اللجنة، وهو يهدف إلى إبقاء مستوطنة “عمونا” المقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة، والتي كان قد صدر قرار بإخلائها من المحكمة العليا “الإسرائيلية”.
كما تمت المصادقة على قانون منع الأذان في القراءة المُستعجلة، والمقصود منع الآذان عبر مكبرات الصوت، حيث يحظى المنادون بمنع الآذان بتأييد كامل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وكافة كتل الائتلاف، وفيه إدراج كل صوت صادر عن دور عبادة إسلامية، بمثابة ضجيج، ويتم إدراجه ضمن قانون منع الضجيج القائم منذ العام 1961. ويجيز ذلك القانون للوزير ذي الاختصاص، إصدار تعليمات يراها مناسبة لمنع “الضجيج”، ما يعني إما الإسكات الكلي أو فرض أنظمة لمدى الصوت. وجاء في مشروع القانون، أنه إضافة إلى ما ينص عليه قانون منع الضجيج القائم، يتم إدراج البند التالي: “.. إن استخدام جهاز للنداء في بيوت الصلاة، بضجة قوية، أو بشكل غير معقولة، فإن الوزير المختص، وبالاتفاق مع وزير الداخلية، يحق له أن يحدد بأمر وزاري، الحالات التي يكون فيها استخدام الجهاز في بيت الصلاة، أو كل مكان مسقوف آخر، يستخدم للصلاة” ما يعني أن هذا البند، هو بند جزائي آخر، يحق للوزير ملاحقة الفاعلين، وفرض قيود وعقوبات، ومن ضمن هذا، منع كلي للأذان.
قانون أذان المسجد، طُرِحَ لأول مرّة في العام 2011، واعتبره النواب العرب في حينها، مجرد مناورة حزبية عنصرية، إلا أن خمس سنوات كافة كافية لتحويل مثل هذا القانون العنصري، إلى موقف إجماع في الحكومة الائتلافية التي يقودها بنيامين نتنياهو، والتي تضم في عضويتها زبدة المتطرفين من القوى والأحزاب في المجتمع الصهيوني.
وعليه، يأتي قانونا شرعنة البؤر الاستيطانية، ومنع الأذان، في سياق مُتصل من الإجراءات “الإسرائيلية” التي لم تتوقف في الفترات الأخيرة، وهدفها الرئيسي استكمال مشاريع التهويد من جهة، واستمرار العمل بسياسة محو الهوية الوطنية للمواطنين الفلسطينيين، حيث يأتي منع الأذان في سياق محو الهوية والتراث العائد للمواطنين أصحاب البلاد الأصليين، ويُعبّر في الوقت نفسه عن عنصرية تجاوزت الأبعاد السياسيةِ لتصل إلى أبعادٍ دينية، من خلال المساس بحرية المُعتقدات ووسائل التعبير عنها. كما يُشكّلُ تطرفًا وعنصرية تجاه أبناء الديانة الإسلامية في القدس، هذه المدينة التي يحاول العنصريون إلغاء كونها مدينة تعددية مارست فيها الديانات السماوية عبادتها وشعائرها فيها بحرية كاملة على مدار تاريخها تحت السيادة العربية الفلسطينية، الإسلامية والمسيحية، وتحويلها إلى مدينة بسماتٍ إقصائية تُعبِّرُ عن لون عنصري “إسرائيلي صهيوني” مُتطرف، سعيًا منها لفرض الطابع اليهودي العنصري على المدينة وإنهاء طابعها العربي ـــ الإسلامي المسيحي ـــ في سياقات عملية التهويد المتواصلة للمدينة ومحيطها، مما يشكل خطرًا كبيرًا وتهويدًا واضحًا لكل المعالم والتراث الإسلامي والمسيحي للمدينة الفلسطينية.
لقد جاء القراران الأخيران: منع الأذان، وشرعنة البؤر الاستيطانية، بعد سلسلة من التشريعات العنصرية التي يجري البحث بشأنها داخل الكنيست، فقد كان “الكنيست الإسرائيلي” (البرلمان) قد صوّتت قبل ذلك بالقراءتين الثانية والثالثة على مشروع القانون المُثير للجدل والذي يُتيح إقصاء أي نائب في الكنيست (والمقصود أي نائب عربي) بسبب ما يوصف بـ”ممارسته التحريض على العنصرية”، ودعمه لعمليات مسلحة ضد “إسرائيل”.
مشروع القانون المشار إليه أعلاه، كان قد طرحه رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو مطلع العام الجاري 2016، ومعه عضو الكنيست من حزب البيت اليهودي اليميني نيسان سلومانسكي، وهو الحزب الشريك في الائتلاف الحكومي، وجاء طرحه بالتحديد عقب زيارة نواب من القائمة العربية الموّحدة في الكنيست (البرلمان) لعائلات شهداء فلسطينيين عمليات فدائية بالقدس المحتلة ما زالت جثامينهم مُحتجزة لدى سلطات الاحتلال. وبالتالي فإن القانون يستهدف النواب العرب تحديدًا، ويستهدف دورهم النشط إلى جانب شعبهم، مع الإشارة إلى أن الكنيست كانت في فترة ماضية قد أبعدت ثلاثة من النواب العرب وهم: باسل غطاس وجمال زحالقة وحنين زعبي عن الكنيست لمدة ثلاثة أشهر، عقب زيارة أهالي الشهداء والتضامن معهم.
وفي حقيقة الأمر، إن انفلات القوانين العنصرية، وسلسلة القوانين ومشاريع القوانين التي يجري ترسيمها في “إسرائيل” تأتي في سياقات متواصلة من المحاولات الرسمية وغير الرسمية “الإسرائيلية” المستمرة لتثبيت وتقنين العنصرية تجاه المواطنين الفلسطيني على طرفي الأرض المحتلة (1948 و1967)، عدا عن إطلاق يد القوى الفاشية داخل المجتمع “الإسرائيلي” الصهيوني وشحنها بالتطرف. في الوقت الذي فضحت وكَشَفَت عملية التصويت على مشاريع تلك القرارات داخل الكنيست، انتهازية ما يُسمى “أحزاب وقوى اليسار الصهيوني” التي انحاز العديد من نوابها في الكنيست إلى جانب التصويت على مشاريعها. كما كَشَفَت أوهام المراهنة على تلك القوى التي ما زال يعتقد البعض بأنها يُمكن لها أن تُسهم بلجم سياسات التطرف والفاشية التي باتت تستفحل داخل المجتمع “الإسرائيلي” أكثر من أي وقت مضى.
لقد ثبت للمرة الألف، من خلال مشاريع القرارات العنصرية المطروحة على جدول أعمال الكنيست، ومنها قانون منع الأذان، أن المشروع الصهيوني ليس مشروعًا استعماريًّا استيطانيًّا إجلائيًّا فحسب، بل يذهب إلى ما أهو أبعد كثيرًا ليصل إلى عملية إقصاء وجودي وحضاري للتاريخ الفلسطيني، واستبداله بـ”تاريخ خاص” لهم وبهم، ضمن حركة تزوير خاصة، وصارخة، للتاريخ الإنساني ولتاريخ المنطة بأسرها.
إن دولة الاحتلال تتحدث عن “حرية العبادة” في القدس، في الوقت الذي تمنع فيه المصلين من الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، من دخول القدس، والآن تسعى لإقرار منع الأذان، فهل ستمنع أجراس الكنائس لاحقًا؟ وهل هذا هو ردّهم على قرار اليونسكو بشأن إسلامية الحرم القدسي الشريف؟ نعم كل ذلك متوقع ما دامت دولة الاحتلال تحظى بتغطية أميركية على سياساتها، وما دام الموقف العربي والإسلامي تحت سقف المناشدات والكلام الإعلامي فقط.
إن الخلاص من الاعتداء على حرية العبادة في القدس وعموم فلسطين المحتلة، والردّ عليه يكون… بالخلاص من الاحتلال، وأن تكون القدس فلسطينية السيادة، وإنهاء الاحتلال والسيادة الضمان الأقوى لحرية العبادة. الأذان وأجراس الكنائس في فلسطين، كما البحر وكما الجبل وكما الصحراء وكما الهواء، هو جزء من تضاريس فلسطين الوطن، وعقلية المستعمر وقوانينه لن تقوى عليه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010