الجمعة 23 أيلول (سبتمبر) 2016

إجراءات طلاق «النصرة»

الجمعة 23 أيلول (سبتمبر) 2016 par محمد الصياد

بعد فشل جميع رهاناتها على المجاميع المسلحة التي رعتها ودربتها ومولتها، لم تجد واشنطن بداً من الرهان على «جبهة النصرة» كحصان أسود يمكن التعويل عليه في إسقاط نظام الأسد، على اعتبار أن ما يجري في سوريا ليس حرباً بقدر ما هو عمل أمريكي دؤوب لإسقاط النظام القائم في دمشق، تماماً كما كانت «عملية» إسقاط نظام الرئيس صدام حسين في العراق، و«عملية» إسقاط نظام الرئيس معمر القذافي في ليبيا.
صحيح أن مجلس الأمن الدولي كان قد صوّت في 15 أغسطس/آب 2014 على قرار حمل رقم (2170) أجاز استخدام القوة العسكرية تحت الفصل السابع، ضد «جبهة النصرة» (إلى جانب تنظيم «داعش»)، كتنظيم إرهابي، إلا أن الولايات المتحدة أبقت على تعاملها مع «النصرة» على قاعدة التخادم المصلحي. فلواشنطن رأي آخر مختلف وإن كان غير معلن، فهي في عدائها ل«داعش» مسكونة بروح الثأر والانتقام من قيادات التنظيم التي تحدت كبرياء الدولة العظمى وأقدمت على ذبح ثلاثة من المواطنين الأمريكيين هم عامل الإغاثة بيتر كاسيغ والصحفيان جيمس فولي وستيف سوتلوف بطريقة وحشية، من قبل أن تنظر في سجل التنظيم الإرهابي ووضعه على طاولة التقييم من قبل خبرائها باعتباره مزيجاً من التحديات الأمنية الخاصة (للولايات المتحدة)، والعامة (لأمن حلفائها)، والفرص، من حيث مدى توفر إمكانية توظيف التنظيم في بعض مراحل الصراع مع الآخر الذي يعد خصماً، أو «الأشرار»، بحسب التعبير الأمريكي الأثير.
جبهة النصرة، لأسباب خاصة برعاتها، لم ترتكب مثل ذلك الخطأ الذي ارتكبه تنظيم «داعش»، فهي لم تقتل أمريكياً واحداً، بل إنها قدمت نفسها كشريك معتمد في العملية الأمريكية لإسقاط النظام في دمشق، وقدمت لواشنطن أوراق اعتمادها من خلال «علاقات القربى» التي أقامتها مع «إسرائيل» عبر الجيوب التي يسيطر عليها مقاتلوها على الحدود مع الجولان السوري المحتل. ولكنها تبقى الفرع الرئيسي للقاعدة في بلاد الشام. والحال أن الولايات المتحدة ظلت طوال الشهور الستة الماضية تقاوم بشدة خلال المفاوضات الماراثونية التي جرت بين وزير خارجيتها جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حول العمل المشترك للبلدين ضد الإرهاب ، وتحديداً ضد تنظيمي «داعش» والنصرة - إخضاع مصداقيتها في مقاومة الإرهاب للاختبار، فكانت ترفض كل المقترحات الروسية للفصل بين ما تسميه واشنطن بالمعارضة المعتدلة وبين التنظيمات الإرهابية. وإنقاذاً لموقفها التفاوضي فقد حاولت النصرة ومشغلوها رفع هذا الحرج عن واشنطن، فغيرت اسمها بعد أن طلبت «الخلع» من التنظيم الأم «القاعدة»، فأجاب زعيم التنظيم طلبها بصورة مسرحية وعلى الهواء مباشرة.

لكن واشنطن لم تستطع أن تهضم هذا الاحتيال السياسي الذي مورس بصورة بدائية وعلى رؤوس الأشهاد، وكان لا بد لها من إعلان موقفها الحاسم من عملية الاحتيال البائسة هذه، وهو ما اضطرت للتصريح به علناً أيضاً، مسايرةً على الأقل لمشاعر الأمريكيين الذين كانوا يستعدون لإحياء الذكرى الخامسة عشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 التي نفذها 19 إرهابياً من تنظيم القاعدة وراح ضحيتها أكثر من 3000 من المواطنين الأمريكيين. وهو ما أغضب القاعدة، فكان أن عاد خليفة مؤسس القاعدة أسامة بن لادن، المصري أيمن الظواهري لتوجيه تهديدات جوفاء لواشنطن بأن القاعدة سوف تشن ضدها آلاف عمليات 11 سبتمبر/أيلول نتيجة لعدم قبولها احتساب النصرة ضمن الجماعات التي تعتبرها معتدلة، وهو الذي كان أعطى موافقته على طلب جبهة النصرة بالانفصال عن القاعدة.
وهكذا وجدت واشنطن نفسها في حالة حيص بيص بعد أن دفعت دفعاً عبر الضغط بالوقائع لأن تضم جبهة النصرة إلى تنظيم «داعش» كهدفين دوليين لمكافحة الإرهاب، بل والمشاركة مع موسكو في شن حرب مفتوحة عليها في سوريا. وكان من المفروض أن يبدأ عملهما العسكري المشترك ضد التنظيمين الإرهابيين يوم الاثنين 19 سبتمبر الجاري، بيد أن جنرالات البنتاغون كان لهم رأي مغاير لرأي وزارة الخارجية التي أبرم وزيرها جون كيري الاتفاق مع موسكو للتحرك العسكري المشترك. حيث اختار الجنرالات الأمريكيون الإقدام على عمل يرومون من خلاله إجهاض هذا الاتفاق ، وذلك بتوجيه سلاحهم الجوي في المنطقة للإغارة على أحد مواقع الجيش السوري في دير الزور، وهي الغارة التي أسفرت عن مقتل 90 جندياً سورياً.
وفي حين أضمر بعضهم معارضته لهذا الاتفاق، فإن بعضهم الآخر لم يتردد في الإفصاح عن هذه المعارضة مثل جوزيف فوتيل رئيس القيادة المركزية الأمريكية الذي سوغ معارضته لاتفاق لافروف-كيري، بما أسماه «نقصان الثقة مع الروس». المستوى المخابراتي المتكامل عملياتياً مع البنتاغون هو الآخر لم يخفِ اعتراضه على الاتفاق، حيث عبّر مسؤولو مخابرات أمريكيون عن قلقهم من إطلاع موسكو على معلومات دقيقة عن مواقع جماعات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة. بل إن وزير الدفاع آشتون كارتر نفسه عبّر عن تشككه بشأن التنسيق العسكري مع روسيا خلال مناقشات داخلية لإدارة أوباما.

مشكلة الولايات المتحدة أنها لا تملك على الأرض أوراقاً تفاوضية حقيقية بشأن مستقبل سوريا ونظامها الحاكم، سوى الفرع السوري لتنظيم القاعدة الذي يتلوّن بالأسماء وفقاً لمقتضي الضرورة. وفي حين أن من الصعب عليها التفريط في هذه الورقة، فإن خياراتها الأخرى تبقى محدودة، ما يرجّح فرصة تطبيق الاتفاق مع موسكو على التنصل من التزاماته، وذلك بحسابات العائد والتكاليف.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع محمد الصيّاد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010