يتواصل الجدل الإسرائيلي الداخلي حول جريمة جندي الاحتلال إليئور أزاريا، الذي اغتال في آذار (مارس) الماضي الشهيد عبدالفتاح الشريف، حينما كان مصابا وملقى على الأرض، في وسط البلدة القديمة في مدينة الخليل المحتلة. إذ يجد أزاريا دعما واسعا من الحكومة بدءا من رئيسها بنيامين نتنياهو، في حين تواصل قيادة جيش الاحتلال التعبير عن موقفها الرافض لجريمة هذا الجندي، الذي تتواصل محاكمته في هذه الأيام. ومن يتابع المشهد، قد يقع في أوهام وكأن الجدل حقيقي، وأن هذه جريمة استثنائية في هذا الجيش الدموي.
فقد وقعت تلك الجريمة في أوج إعدامات ميدانية نفذها جنود الاحتلال ضد كل فلسطيني نفذ عملية، أو لمجرد الاشتباه به بتنفيذ عملية. ونحن نتكلم عن عشرات الشهداء الذين تم اغتيالهم بدم بارد، وفق أوامر وتصريحات صادرة عن سدة الحكم، بدءا من شخص نتنياهو. لذا، حينما قرر جندي الاحتلال الارهابي اغتيال الشهيد الشريف، وهو مصاب برصاص جنود الاحتلال، فإنه لم يشذّ عن القاعدة القائمة في تلك الأيام، وما قبلها وما بعدها.
أكثر من هذا، فإن هذه الجريمة كان من الممكن أن تمر بهدوء من دون أن يسأل عنها أحد. وبالأساس من دون أن يفكر جيش الاحتلال بمحاسبة ومحاكمة الجندي ذاته. إلا أن توثيق الجريمة بشريط تصوير، من أحد الناشطين الفلسطينيين في المركز الحقوقي الإسرائيلي “بتسيليم”، وبثه في وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، أرغم جيش الاحتلال على أن يقول كلمة. ثم وجد الجيش فرصة كي يحوّل الجريمة إلى عملية غسل لذاته، بمعنى أن الجيش الذي يرتكب المجازر، ويدمر حياة شعب بأكمله، يسعى الى تنظيف نفسه من خلال موقف رافض لهذه الجريمة.
وما يؤكد على هذا، أن الأكثر إصرارا على مهاجمة الجندي إياه، كان وزير الحرب السابق، الجنرال الدموي موشيه يعلون، الذي شغل منصب رئيس للأركان، وسبق هذا سنوات طوال في قيادة الأركان، ومعروف عنه مواقفه اليمينية المتطرفة، كان آخرها في خطابه الأخير، قبل أيام قليلة؛ فمن جهة قال لمؤيدي الجندي في حكومته السابقة: “إن من يؤيد هذا الجندي فإنه يريد أن يكون الجيش عصابة”. ولكن في الخطاب ذاته، رفض أي حديث عن وجود أي كيان فلسطيني بين النهر والبحر.
ولكن إلى جانب حقيقة جوهر موقف الجنرالات، فإن لهذا الجدل جانبا آخر. فالمؤسسة العسكرية، التي لا تشذ في مواقفها اليمينية المتشددة عن موقف المؤسسة الحاكمة، تتخوف في الوقت ذاته، من تغلغل عصابات اليمين المنفلتة في المؤسسة العسكرية وصفوف الجيش، نظرا لنهجها الفوضوي. فمعطيات الجيش في السنوات الأخيرة، تدل على تزايد نسبة التيار الديني الصهيوني في صفوف الجيش بضعف نسبته بين اليهود.
وكما ذكر سابقا هنا، فإنه نسبة الخريجين من هذا التيار من دورات الضباط في العام الماضي، بلغت 31 %، وهي ضعف نسبة هذا التيار من إجمالي اليهود. وهذا التيار منتشر بين عصابات المستوطنين، ومنه تخرج أخطر الإرهابيين. وهذا بالضبط كان خلف عبارة يعلون السابق ذكرها، بأن من يريد أن يكون الجيش عصابة، فليؤيد ذاك الجندي.
ولكن موقف قيادة الجيش الحالية، ومهما علا صوتها، فإنه لن يمنع المشهد الإسرائيلي المستقبلي القريب، وهو السيطرة الكاملة لهذه العصابات المنفلتة أيضا على المؤسسة العسكرية، فهي الآن تسيطر على النواة الصلبة لحكومات بنيامين نتنياهو الثلاث الأخيرة. وما يدعم هذا الاستنتاج، هو أن كل الوزراء الداعمين لذلك الجندي، هم المتنفذون الأقوى في الحكومة والائتلاف الحاكم؛ وقاعدتهم الانتخابية الأساسية، إن كان على مستوى أحزابهم أو الشارع، هي من ذلك التيار.
في الخلاصة، فإن جيش الاحتلال ومهما صرخ جنرالاته عاليا ضد تلك الجريمة الإرهابية، فإنه سيبقى هو وحكومته والصهيونية برمتها، المرتكب الأساس لجريمة اغتيال الشريف، وكل شهداء شعبنا.
السبت 30 تموز (يوليو) 2016
“أخلاقيات” جيش الاحتلال
السبت 30 تموز (يوليو) 2016
par
برهوم جرايسي
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
34 /
2180759
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف برهوم جرايسي ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
13 من الزوار الآن
2180759 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 13