الجمعة 13 أيار (مايو) 2016

«الجرف الصامد» بأثر رجعي

الجمعة 13 أيار (مايو) 2016 par عوني صادق

الحرب العدوانية التي شنها الجيش «الإسرائيلي» على غزة في صيف 2014، أطلقت عليها قيادته اسم «الجرف الصامد». والحقيقة أنني لست متأكداً أنني فهمت المقصود من هذه التسمية، وعن أي «جرف» جرى الحديث عند إطلاق هذه التسمية. لكنني متأكد، الآن، أنه إن كان جرفاً «إسرائيلياً» فإنه لم يكن صامداً أبداً.
بعد انتهاء الحرب العدوانية على غزة مباشرة، في صيف العام 2014، أصدر «المجلس الأمني «الإسرائيلي» كتاباً حول ما جرى فيها، ضم (31) دراسة وضعها خبراء استراتيجيون عسكريون تحت عنوان (الجرف الصامد)، كانت نوعاً من المراجعة للحرب. وقد ناقشت الدراسات كل جوانب الحرب: أسبابها، أهدافها، نتائجها، وتداعياتها، والدروس والعبر المستفادة منها، وانطوى الكتاب على أسئلة وتساؤلات، وانتقادات للحكومة المصغرة وللثلاثي القيادي الذي أشرف وأدار الحرب والمسؤول عما انتهت إليه من نتائج وهم: رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وزير الدفاع موشيه يعلون، ورئيس أركان الجيش بني غانتس. وكانت حصيلتها النهائية التشكيك في الزعم الرسمي للحكومة بتحقيق الانتصار، بل ويمكن القول إنه انتهى إلى أن «إسرائيل» فقدت «الردع» الذي كانت تملكه قبلها.
وفي الأسبوع الماضي، تركزت الأضواء، وانشغل المعلقون في الصحف «الإسرائيلية» ب«مسودة» تقرير عن مجريات الحرب، كان قد وضعها ووزعها على أعضاء الحكومة المصغرة في حينه، المراقب القانوني للدولة، القاضي المتقاعد يوسف شابيرا. وتضمنت مسودة التقرير كشفاً بالعيوب التي انطوت عليها مواقف وسلوكيات القيادة أثناء الحرب، ووجهت إليها ما يشبه الاتهامات، بدءاً بأن «الحرب كانت بلا أهداف»، مروراً بإخفاء الحقائق عن الحكومة، والارتباك وعدم جاهزية الجبهة الداخلية، وانتهاء بتزوير النتائج. والسؤال الذي دار في ذهن الكثيرين الذين تابعوا هذا الاهتمام بمسودة قديمة هو: لماذا الآن تسلط الأضواء عليه؟ ولم يكن الجواب صعبا، إذ كان يكفي الربط بين ما يقوم به الجيش «الإسرائيلي» منذ فترة في محيط غزة من غارات وتوغلات، ليعرف الجواب. لقد كانت كل حرب تشنها «إسرائيل» ضد غزة تبدأ بمثل هذه «المناوشات» ثم «تتدحرج» إلى حرب واسعة. ويبدو واضحاً أن قطاعاً كبيراً من «الإسرائيليين» يخشى أن يحدث الشيء نفسه، فتتدحرج «المناوشات» الحالية إلى حرب رابعة. ويبدو أيضا أن الثقة بالقيادة التي أدارت الحرب لم تتحسن عما كانت عليه.
وليس مستغرباً أن تثور هذه المخاوف في الوقت الذي تتسع فيه تحرشات الجيش «الإسرائيلي»، بينما يعلن نتنياهو أن «السنتين الأخيرتين تميزتا بالهدوء» في الوقت الذي يعلن فيه عن اكتشاف أنفاق جديدة ويصر على مواصلة البحث عن أنفاق أخرى، يعرف أنها موجودة، فإذا كانت الأنفاق هي سبب الحرب السابقة، وكانت المشكلة التي تقف حالياً وراء نشاطات الجيش «الإسرائيلي» تتمثل في هذه الأنفاق، وهدف الجيش أن يكتشفها بهدف تدميرها، فمن أين الهدوء ومن يضمن ألا تنتهي هذه النشاطات إلى حرب رابعة، خصوصاً أن مسودة القاضي شابيرا وآراء الخبراء تعيد أسباب عدم تحقيق النصر الناجز في الحرب إلى الجهل بحقيقة وطبيعة الأنفاق، وعدم إعطائها الاهتمام اللازم قبل الذهاب إلى الحرب. فضلاً عن ذلك، فإن اهتمام حكومة نتنياهو الحالية بمسألة الأنفاق يوحي بالتحضير لحرب رابعة.
وفي كل الأحوال، ليس صحيحاً أن الحرب الماضية كانت بلا أهداف، وتكفي الإشارة إلى أول أهدافها، وهو نزع سلاح المقاومة الفلسطينية. كذلك، لم تكن الأنفاق وحدها المسؤولة عن فشل إحراز نتنياهو وقيادته النصر في (الجرف الصامد) رغم دورها الكبير، بل كانت هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية ذكرتها مسودة القاضي شابيرا، ومنها تفرد الثلاثي نتنياهو ويعلون وغانتس بالقرارات، وإخفاء الحقائق عن أعضاء الحكومة المصغرة، وعدم جاهزية الجبهة الداخلية، وفشل رئيس أركان الجيش في إدارة الحرب، وعدم معرفة قدرة (حماس) القتالية. وهناك أيضا فشل «القبة الحديدية» في صد صواريخ المقاومة الفلسطينية بالمستوى المطلوب. وفي تعليق على الهاتف للضابط المتقاعد يوطوف ساميا على مسودة تقرير شابيرا، قال: «لم أقرأ مسودة التقرير، إلا أنها مهما كانت سيئة، فلن تكون سيئة بالقدر الكافي»، واعتبر ساميا أن الأوسمة والنياشين التي وزعت بعد الحرب كانت «مهرجاناً فضائحياً وتستراً على أشياء». (عرب 48- 8/5/2016).
باختصار، لم يكن «الجرف الصامد» صامداً، باعتراف الخبراء والضباط الذين شاركوا أو اطلعوا على مجريات الحرب الفاشلة. لكنه يجب الاعتراف ب «فضيلة «إسرائيلية»، وهي أنه تظل لدى «الإسرائيليين» فرصة لمعرفة الحقائق، أو جزء مهم منها، ولو بأثر رجعي، بينما عندنا لا نعرف شيئاً لا أثناء وقوع الحدث، ولا بعده.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2181361

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2181361 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40