الجمعة 6 أيار (مايو) 2016

لماذا الحملة الشعواء على ليفينغستون؟

الجمعة 6 أيار (مايو) 2016 par رغيد الصلح

استأثرت قضية مداخلة تلفزيونية لكين ليفيغنستون، عمدة لندن الأسبق، حول موقف هتلر من الصهيونية باهتمام كبير في بريطانيا، حتى إنها طغت على قضايا أخرى تشغل الرأي العام البريطاني، مثل قضية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، أو قضية الهجرة والمهاجرين. وقد أثارت مداخلة ليفيغنستون جدلاً واسعاً، إذ جاء فيها أن هتلر كان «مؤيداً للصهيونية إلى أن فقد عقله فأمر بتشغيل المحرقة». وسارع مؤيدو «إسرائيل» والصهيونية إلى استنكار هذا القول، وإلى اعتباره تعبيراً عن لاسامية ليفينغستون، ويسار حزب العمال البريطاني الذي ينتمي إليه، هو وزعيم الحزب الحالي جيريمي كوربين.
ولئن كان من الطبيعي أن يهب مناصرو «إسرائيل» من الصهاينة البريطانيين، ومن قادة اليمين واليمين المتطرف إلى اتخاذ موقف عنيف ضد الانتقادات الموجهة إلى الصهيونية، فإن ما يلفت النظر هو أن هذه الانتقادات التي وجهت إلى ليفينغستون من أحزاب اليمين واليمين المتطرف لم تأت من هؤلاء فحسب، وإنما جاءت أيضاً من داخل حزب العمال نفسه. وقد فاق النائب العمالي جون مان الكثيرين من المحافظين المتعاطفين مع «إسرائيل» في التهجم على ليفنغستون، إذ وجه إليه الانتقادات الحادة، وقال له: «إنك عنصري مقرف... تعيد كتابة التاريخ... أنت عنصري كاذب، ومن الذين يبررون للنازيين أفعالهم». فهل أخطأ ليفنغستون حقاً في وصف موقف هتلر من الصهيونية؟ هل قال ما يستحق هذه الحملة العاصفة التي أدت إلى اتخاذ كوربين تدابير استثنائية للحد من تفاقم السجال داخل حزب العمال نفسه؟
توضح العديد من الدراسات التاريخية التي توخت كشف النقاب عن السياسات التي اتبعتها الحركة الصهيونية خلال مرحلة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، أنه ربما كان على ليفنغستون أن يكون أكثر دقة وتوضيحاً لرأيه في تاريخ النازية وتاريخ العلاقة بينها وبين الصهيونية، إلا أن ما قاله لا يخلو من الصواب. فقد تطرق ليفنغستون إلى موقف هتلر من الصهيونية كأنه شبيه بمواقف العديد من الزعماء الأوروبيين والغربيين الذين كانوا يجمعون بين العداء للسامية، من جهة، وتأييد الصهيونية من جهة أخرى، كما كان الأمر مثلاً مع لويد جورج وآرثر بلفور. ولكن هتلر ذهب في عدائه لليهود إلى ما كان أبعد بكثير من عداء الزعماء الدوليين الآخرين. فهذا العداء، وتصميمه على «تخليص» أوروبا من اليهود كانا في صلب عقيدته النازية.
فضلاً عن ذلك، فإن هتلر لم يأمر بإلقاء اليهود في المحرقة في لحظة «جنون»، بل كان ذلك نتيجة حسابات باردة ومسرفة في دمويتها وإجرامها. وبدأت حسابات العلاقة مع الصهاينة عندما وافق هتلر على الاقتراح الذي قدمته إليه المنظمات الصهيونية في ألمانيا بالتعاون بين الطرفين. وتم توقيع اتفاق «التسفير» بينهما الذي نظم التعاون بين الجانبين في ترحيل أكبر عدد من اليهود الألمان الأوروبيين إلى فلسطين.
وتطورت العلاقات بين المنظمات الصهيونية والحكومة الهتلرية عبر مرحلتين رئيسيتين:
* المرحلة الأولى، طبعت بتغلب وجهة نظر المسؤولين الألمان الذين كانوا يتعاطفون مع المشروع الصهيوني رغم موقفهم العنصري تجاه اليهود. وقد كان من نتائج هذا التحول اندفاع الإدارات الالمانية المعنية بتطبيق «اتفاقية التفسير» إلى تسهيل هجرة اليهود الألمان والأوروبيين إلى فلسطين. وقد تصاعد نشاط النازيين والصهاينة المشترك في تنفيذ خطط التسفير والتهجير، خاصة بعد أن أصدرت بريطانيا الكتاب الأبيض الذي تعهدت فيه بالحد من الهجرة اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية.
* المرحلة الثانية: بدأت عام 1941 حينما انتقلت الحملات العسكرية الألمانية من غرب أوروبا إلى شرقها، واتجهت إلى الهجوم على الاتحاد السوفييتي. وإذ تعرضت القوات الألمانية في هجومها هذا إلى نكسات ومتاعب شديدة فقد اعتبر هتلر، انطلاقاً من نظريته العنصرية المعادية للسامية، أن سبب هذه الصعوبات عائد إلى اليهود الذين لم يتم تهجيرهم من القارة الأوروبية، والى الأوبئة التي ينشرونها في القارة الأوروبية. وربط النازيون بين هذه الصعوبات وبين عجز آلة تسفير اليهود التي تشكلت في إطار الاتفاقية المعقودة بينه وبين الصهاينة ولم تنجز التهجير المطلوب بالسرعة الكافية. وتعويضاً عن هذا النقص، فقد أمر هتلر بإلقاء أكبر عدد من اليهود في المحرقة التي ذهبت بحياة الملايين منهم.
إن هذه الحقائق موجودة في بعض الدراسات القليلة، ولكن القيمة التي تناولت العلاقة بين الصهيونية والنازية. وتجمع هذه الدراسات على أن علاقات التنسيق والتعاون بين الصهيونية (بمختلف أطرافها وأحزابها) والنازية كانت أبعد مما كان معروفاً وظاهراً.

هذا التنسيق لم يكن يرتكز إلى «إعجاب» هتلر بالصهيونية أو إلى «تأييده» لها، كما المح ليفينغستون، وإنما إلى تطابق بين هدف واحد اتفق عليه النازيون والصهاينة، ألا وهو أخراج أكبر عدد من اليهود من ألمانيا وأوروبا في أسرع وقت ممكن.
وقد اقتضى الوصول إلى هذا الهدف سلسلة من الإجراءات التي شملت توقيع اتفاقية التسفير، وتعاونهما على تفكيك وشل المنظمات اليهودية الألمانية المستقلة المعارضة للصهيونية.
ومن الدراسات المهمة التي تناولت هذا الموضوع كتاب المؤرخ فرانسيس نيكوسيا بعنوان «الرايخ الثالث وقضية فلسطين»، وكتاب المؤرخ الأمريكي ليني برينر بعنوان «الصهيونية في عصر الديكتاتوريين». وغير هذه الكتب من الدراسات العديدة التي تتناول العلاقات الصهيونية - النازية.
ويجدر بالذكر أن الصهاينة قلما وافقوا على مناقشة الحقائق التاريخية المتعلقة بالتعاون بين الطرفين. فقد سعوا إلى ملاحقة نيكوسيا قضائياً بحجة أنه معاد للسامية، ولكن الحكم جاء لغير مصلحتهم، إذ أكد أنه التزم بأصول العمل الأكاديمي في وضع كتابه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 48 / 2176575

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع رغيد الصلح   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2176575 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40