السبت 23 نيسان (أبريل) 2016

رسالة نتنياهو في كل الاتجاهات

السبت 23 نيسان (أبريل) 2016 par د. عصام نعمان

احتفل بنيامين نتنياهو لمناسبة مرور سنة على بدء ولاية حكومته بعقد أول جلسة رسمية للحكومة في تاريخ «إسرائيل» في هضبة الجولان السوري المحتل. برّر فعلته برغبته في «تمرير رسالة واضحة إلى العالم فحواها أن الهضبة ستبقى بيد «إسرائيل» إلى الأبد».
أي أبد؟ أبد حكومته، بمعنى نهاية مدتها في السلطة؟ أم نهاية مدة الكيان الصهيوني الاستيطاني؟ أليس لكل أمر نهاية؟
نتنياهو لم يكلّف نفسه عناء شرح مفهوم الأبد في القاموس الصهيوني. ما أراده توجيه رسالة واضحة إلى عناوين عدّة في العالم.
العنوان الأول كان الولايات المتحدة. كشف أثناء المناسبة الاحتفالية أنه تحادث هاتفياً مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وقال له «إنه يشكك في قدرة سوريا على العودة إلى ما كانت عليه». لماذا؟ «لأنه توجد فيها أقليات مضطهدة، مثل المسيحيين والدروز والأكراد الذين يحاربون من أجل مستقبلهم وامنهم».
مدلول هذا الكلام وجودُ مخطط يعلم به نتنياهو (والأرجح أنه يشارك في تنفيذه) يرمي إلى منع سوريا من «العودة إلى ما كانت عليه». كيف؟ بإقامة كيانات سياسية لكل من «الأقليات المضطهدة»، حتى لو لم تكن تسعى إلى ذلك.
نتنياهو كشف أيضاً ما هو أهم: «قلتُ لوزير الخارجية الأمريكي إننا لا نعارض التسوية السياسية في سوريا، بشرط ألاّ تأتي على حساب أمن دولة إسرائيل». كيف؟ بطريقتين:
«أن يتمّ في نهاية المطاف طرد القوات الإيرانية وحزب الله و«داعش» من الأراضي السورية». مدلول هذا الكلام استمرار الحرب في سوريا، وعليها إلى إن يتمّ إنجاز مخطط إقامة كيانات سياسية لـِ«الأقليات المضطهدة» تزول معها وحدة سوريا وسيادتها.
«آن الأوان للمجتمع الدولي أن يعترف بالواقع، خصوصاً بحقيقتين أساسيتين: الأولى، أنه بغض النظر عمّا يحدث في الطرف الآخر من الحدود فإن الخط الحدودي لن يتغيّر. الثانية، أنه بعد 50 عاماً حان الوقت للمجتمع الدولي أن يعترف أخيراً بأن هضبة الجولان ستبقى تحت السيادة «الإسرائيلية» «إلى أبد الآبدين». مدلول هذا الكلام إدخال «إسرائيل» في محادثات التسوية المرتقبة بعد إنجاز مخطط تقسيم سوريا إلى كيانات سياسية متعددة، فتكون حصتها تكريس احتلالها لهضبة الجولان كجزء من «إسرائيل» المعترف بها دولياً.
لماذا تقصّد نتنياهو أن يوجّه رسالته إلى وزير الخارجية الأمريكي قبل غيره؟ لأسباب عدّة أهمها ثلاثة:
أولها، لأن الولايات المتحدة (كما روسيا) ترعى محادثات جنيف-3 بين الأطراف السورية، والمطلوب أن تُدرك واشنطن وتضع في حسبانها مصالح «إسرائيل» في أي تسوية مقبلة، حدُّها الأدنى الاعتراف، سياسياً وقانونياً، بسيادتها على هضبة الجولان.
ثانيها، لأن الولايات المتحدة غطست في معمعة الانتخابات الرئاسية، وهي فترة حساسة ودقيقة تحرص فيها قيادات الحزبين الديمقراطي والجمهوري على عدم إغضاب الناخبين اليهود الذين توالي أغلبيتهم الساحقة «إسرائيل». وكان لافتاً أنه لا الرئيس أوباما، ولا أي مسؤول في البيت الأبيض، أو في وزارة الخارجية تجرأ بالردّ على تصريح نتنياهو في الجولان، أو مجرد التعليق عليه.
ثالثها، أن أوباما كان قرر مباشرة جولة واسعة وعقد محادثات مع زعماء دول الخليج، الأمر الذي يستوجب، في رأي نتنياهو، تحذيراً له مسبقاً كي لا يستجيب اليهم إذا ما أشاروا عليه بوجوب انتقاد لفعلة رئيس حكومة «إسرائيل».
رسالة نتنياهو، إذاً، كانت موجّهة مباشرة إلى الولايات المتحدة، ومداورة إلى سائر اللاعبين في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين ومصر. إلى هؤلاء جميعاً أراد نتنياهو توجيه رسالة واضحة: نحن هنا ولنا رأي ودور في ما جرى ويجري، ولا يمكنكم تقرير أي أمر استراتيجي في المنطقة، ولا سيما الأمور التي تمس «إسرائيل»، إلاّ بمشاركتنا وموافقتنا.
ماذا عن اللاعبين الآخرين الذين خاطبهم نتنياهو برسالته؟
روسيا لا تعادي «إسرائيل»، لكنها تراعي حلفاءها وتساندهم الأمر الذي يثير مخاوف القادة الصهاينة.
سوريا تعادي «إسرائيل» وتحاربها منذ قيامها في العام 1948، وهي تقاوم بطبيعة الحال احتلال «إسرائيل» للجولان، وترفض وضعه تحت سيادتها، وتعاهد نفسها وأمتها بالعمل على استعادته بكل الوسائل الممكنة. ولعلها الآن تشعر بمزيد من القلق بعد تصريح نتنياهو بالبقاء في الجولان إلى الأبد، وفي تقديرها أنه ما كان ليكشف مطامعه التوسعية بهذه الوقاحة لولا وجود مخطط معاد لها بمعرفة الولايات المتحدة، وأن للتنظيمات الإرهابية الناشطة في ربوعها دوراً في تنفيذه. ألا تقوم «إسرائيل» بمعالجة جرحى «جبهة النصرة»، جهاراً نهاراً، في مشافيها منذ أكثر من سنتين؟ إلى أين من هنا؟
الجواب: إلى المزيد من الشيء نفسه، أي المزيد من الاضطرابات والصراعات المحلية والإقليمية، ولاسيما في الساحة السورية. كل ذلك بسبب مركزية سوريا، موقعاً ودوراً، في جميع القضايا الكبرى التي تعصف رياحها بدول الإقليم على مدى السنوات العشرين الماضية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165798

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165798 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010