الجمعة 19 شباط (فبراير) 2016

هيكل والجزائر!

الجمعة 19 شباط (فبراير) 2016 par د.احمد جميل عزم

إذا كان كثيرٌ جداً كُتب وسيُكتب عن محمد حسنين هيكل، الذي فارق الحياة هذا الأسبوع، فإنّ كثيرين لديهم “قصص شخصية” معه، رغم أنهم لم يروه في حياتهم وجاهةً؛ فهو جزء من “العقل العربي” المعاصر، وجزء من السيرة الذهنية لأشخاص كثر.
كان أول ما قرأتُ لهيكل، وكان ربما من أول كتب السياسة التي قرأتها في حياتي، في المرحلة الإعدادية، كتابه “خريف الغضب” عن مرحلة السادات، ثم بدأت سلسلة كتبه. كنتُ مسروراً بدخول عالم القراءة السياسية للكتب المطولة، ليصدمني قريب، له دواوين شعر منشورة، وهو يقلل من شأن قراءتي، قائلا إن هيكل يكتب بأسلوب صحفي للإثارة. فشغلني الأمر؛ كيف تختلف الكتابة السياسية عن الصحفية؟
كان هيكل، مثلا، كلاسيكياً، تعلمنا عنه بالجامعة في مساقات الحرب النفسية ووسائل الاتصال، وكيف أنّه في الخمسينيات والستينيات كان الرأي العام ينتظر من يقدم له موقفا محددا ومباشرا يتبناه، فكانت افتتاحيات هيكل، إبان رئاسته تحرير “الأهرام” بمثابة منشور سياسي يستقبله كثيرون ويتبنونه، باعتباره لسان حال “الناصرية”، ويقبلونه من دون تفكير أو نقاش. ثم قيل لنا إنّ تلك المرحلة انتهت، والآن أصبح ضروريا تقديم معلومات للقارئ أو الجمهور وتركه يستنتج ما تريد، أي أن صانعي الرأي العام يقدمون للجمهور معلومات تقوده لاستنتاج محدد سلفاً (وقد يمارس البعض الانتقائية والتحريف)، ولكن الناس لم يعودوا يقبلون المواقف المعلبة. والواقع أن هيكل ذاته صار يدّعي أنه أفضل من يمتلك أرشيفاً ومعلومات.
بقدر ما كان هيكل صحفيا في كتبه، لفتني أحياناً في مقالاته، خصوصاً في مجلة “وجهات نظر”؛ إذ اكتشفت في ثنايا مقالاته نظريات العلاقات الدولية المعقدة، يستخدمها برشاقة هائلة خفية. وقرأت لاحقاً أنه كان يأتي بمحاضرين دوليين لصحفيي الأهرام، يدرّسونهم نظريات العلاقات الدولية والنظام الدولي، فكان ذلك مؤشرا آخر على دور فكري لم يُلق عليه الكثير من الضوء.
في الوقت ذاته، لمحت الإسفاف في بعض طروحاته، وتعمّده الإثارة الصحفية لتصفية حسابات أو للبقاء في الواجهة. وكلما لمحت ذلك تذكرت كتابه الصادر في الخمسينيات، بعنوان “العقد النفسية التي تحكم الشرق الأوسط”. وقد عثرت عليه في مكتبة الجامعة الأردنية، وفوجئت أنّه كان متاحاً لنا لقراءته؛ فقد جرت العادة على منع كتب شبيهة، ووضعها في “الغرفة المنيعة”، فلا يُسمح بقراءتها إلا بإذن خاص. وسبب استغرابي هو “غرائبية” ما كتبه، وعداؤه للأردن، وللملك عبدالله الأول، في الكتاب الذي نشر في مرحلة كانت تدور فيها حرب إعلامية شرسة في مصر ضد النظام في الأردن.
يبقى أنّ هيكل لعب دوراً في الربط بين الرئيس عبدالناصر والثورة الفلسطينية وقيادة حركة “فتح”، تحديدا ياسر عرفات وصلاح خلف وفاروق القدومي، بعد العام 1967، وأصبح منسقا بين عبدالناصر و“فتح”، مع أن هيكل ذاته شكك في وقت آخر بأهمية الحرب الفدائية.
لا تنفصل مرحلة عبدالناصر، التي ارتبط بها هيكل، عن الجزائر وثورتها. وكثيرون من جيل الخمسينيات العرب يتذكرون مشاركتهم في التظاهرات دعما للجزائر، وجمع التبرعات لها. وإذا كان الفلسطينيون لن ينسوا أنّ الجزائر وقفت بقوة معهم في الخمسينيات، وكان أول مكتب عالمي لحركة “فتح”، وتولاه خليل الوزير، فيها، فإنّ لكرة القدم قصة. فقد كان هذا الأسبوع “مدهشاً” باستغلال الجزائريين لمباراة كرة قدم، وديّة، في الجزائر للفرق الأولمبية، ليغني الجزائريون “فلسطين الشهدا”، ويخرجوا إلى المطار والشوارع احتفالا بالفلسطينيين، ويذهبوا بنحو 80 ألفا للملعب لتشجيع الفلسطينيين. والمشهد ربما فيه إرث وجذور أيضاً. ومما يذكر أنّه في العام 1982، كان الفلسطينيون في الأرض المحتلة يحترقون قلقاً وخوفاً على الفدائيين في بيروت الذين يتعرضون للغزو الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته يتابعون بحماسة شديدة، مباريات منتخب الجزائر، باعتباره ممثل العرب في كأس العالم، ومباراته التاريخية مع الألمان، عندما انتصر الجزائريون 2 /1. وما أزال أذكر ذلك الرجل، حينها، في وسط شارع في القدس يقول بفرح “انتصر العرب”.
من هيكل إلى الجزائر والثمانين ألفا الذين هتفوا باسم فلسطين، قصة سياسة عربية رسمية متقلّبة، وجماهير شعبية تحتاج لأي فرصة للتعبير عن مشاعرها تجاه فلسطين، وتحتاج إلى قيادة سياسية فلسطينية تعرف لغة الشعوب لتخاطبها وتحشدها بأفضل الطرق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 136 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010