الجمعة 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2015

قراءة اولية في انتفاضة مستمرة

الجمعة 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2015 par معن بشور

حين كتبنا قبل أشهر“ويسألونك: لماذا فلسطين”، وفي معرض تفسيرنا لسبب تركيز انشطتنا على عناوين قضية فلسطين، كانت تحركنا قناعة راسخة انه كلما تراجع النفوذ الصهيوني في فلسطين، أصيب المشروع الصهيوني – الأمريكي في المنطقة كلها بالارتباك، وهو المسؤول الأول عن كل ما نراه من دماء ودمار، من غلو وتوحش، من انسداد أفق وإغلاق مسارات، مستفيداً بالطبع من أخطاء وخطايا في أدائنا، وثغرات وعثرات في علاقاتنا، وخلل وضعف في بنيتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وحين كتبنا قبل أسبوعين “فلسطين تنتفض.. كيف نواكبها” كان يمتلكنا إحساس جارف إن ما يجري من مواجهات بطولية في ساحات المسجد الأقصى بين مرابطات ومرابطين وبين مستوطنين وسلطات الاحتلال، سيتسع إلى كل حواري القدس وأحيائها، والى كل مدن فلسطين ومخيماتها وبلداتها، ذلك لأن حجم الاحتقان الفلسطيني من ممارسات المحتل، ومن انتهاكاته للمقدسات، ومن جرائم مستوطنيه ضد أطفال فلسطين وعائلاتها، قد شارف على الانفجار، بل كان ما نملكه من معلومات عن معنويات الشباب وحراكه واستعداداتهم كان يبشرنا بهذا التحرك العظيم.
واليوم بعد أن بدا إن ما يجري في فلسطين، كل فلسطين، ينذر بتحولات كبرى داخل الأرض المحتلة وعلى مستوى الأمة بأسرها، يمكننا القول أن الانتفاضة الفلسطينية في مرحلتها الجديدة بعناوينها وأدواتها وآليات عملها قد حققت حتى اليوم جملة انجازات.
أول الانجازات إننا أمام قضية حيّة لا تستطيع كل المناورات والمفاوضات والرهانات الخائبة، ولا كل الحروب والانقسامات داخل فلسطين وخارجها، أن تدفع بها إلى طي النسيان، أو تتمكن من تصفيتها، وهو انجاز يمكن أن يبني عليه كل شرفاء الأمة واحرار العالم استراتيجياتهم وخطط عملهم.
ثاني الانجازات إن وحدة الشعب الفلسطيني في الميدان، قد أثبتت انه شعب عصي على القسمة وانه قادر على إسقاط كل انقسام في الجغرافيا أو في الديموغرافيا أو في كل شأن أخر.
ثالث الانجازات إن مشهد تراكض جنود العدو ومستوطنيه هاربين امام شباب فلسطين، وخلو العديد من شوارع القدس وحافلات النقل من هؤلاء المجرمين خوفاً من تسلل شباب الحراك اليها، هو تأكيد على أن شعب فلسطين قادر على أن يبتكر لنفسه أدوات نضاله البسيطة (حجارة، سكاكين، دهس بالسيارة)، وهي قادرة على تعطيل التفوق الهائل في إمكانات العدو العسكرية وذلك في ترجمة رائعة لأبسط قوانين حرب الشعب في مواجهة الاحتلال والطغيان.
رابع الانجازات إن هذه الانتفاضة التي جاءت رداً على وحشية العدو وهمجيته قد كشفت أيضاً عبر مواجهات أبنائها مع العدو عن فائض الوحشية الذي يستعمله الصهاينة في تصديهم لإرادة الشعب الفلسطيني بعد ان ظنوا أن تصعيد وحشيتهم وهمجيتهم هو طريقهم لإخماد النار الفلسطينية المشتعلة بدلاً من أن ينصاعوا مع داعيمهم للمطالب الملحة للشعب الفلسطيني التي تبدأ من التراجع عن مشاريع الهيمنة على الأقصى المبارك وتقسيمه ولا تنتهي إلا عند الجلاء الكامل غير المشروط عن الأرض الفلسطينية المحتلة.
خامس الانجازات إن هذه الانتفاضة (التي حاولت حكومة العدو تجاهلها بداية الأمر، وحاول الكثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية تهميشها وعدم تسليط الأضواء عليها، وحاول النظام الرسمي العربي – كعادته حين يكون الأمر متعلقاً بفلسطين وشعبها – أن يدير ظهره للدماء الفلسطينية المهدورة، وللمقدسات المنتهكة) ، قد نجحت في أن تفرض نفسها أمراً واقعاً بالنسبة لحكومة نتنياهو التي اجتمعت بشكل طارئ لتقرر اتخاذ خطوات قمعية جديدة بحق الشعب الفلسطيني، ولواشنطن التي تحرك أخيرا رئيسها ليتحدث عن عنف في “إسرائيل” دون تمييز بين الضحية والجلاد، كما تحرك وزير خارجيتها ليزور المنطقة ويعقد – كما ورد في الأنباء – اجتماعاً ثلاثياً في عمّان مع الرئيس عباس ونتنياهو وليمارس بالطبع المزيد من الضغوط على السلطة الفلسطينية من أجل وقف الانتفاضة.
فما كان بالأمس ممكناً تجاهله أو القفز فوقه، لم يعد ممكناً اليوم مع قوافل الشهداء المتواصل من أبطال فلسطين وأطفالها.
سادس الانجازات هو أن هذه الانتفاضة الرائعة التي أكدت حيوية الشعب الفلسطيني إنما ضخت أيضاً الحيوية في الشارع العربي والعالمي بعد أن بدا وكأن صمت رهيب قد خيّم عليهما في الأيام الأولى للانتفاضة.
إن عواصم ومدناً كبرى في العالم بدءا من التشيلي والسويد وصولاً إلى واشنطن والعديد من المدن الأمريكية، مروراً بعواصم ومدن في أوروبا وآسيا وأفريقيا والأمريكيتين، قد شهدت تحركات متعاظمة يدرك الصهاينة أكثر من غيرهم خطورتها وهم يلاحظون إن حبل العزلة الشعبية الدولية يشتد حول أعناقهم بعد ان كان تعاطف الرأي العام الدولي معهم أحد أبرز دعائم وجودهم ومشروعهم.
أما الحراك الخجول في الشارع العربي فليس مرده بالتأكيد ضعف حماسة المواطن العربي لما يجري في فلسطين فهو مشدود إلى أخبار انتفاضتها وبطولات أبنائها ساعة بساعة، بل هو مرتبط بما تشهده أقطار عربية رئيسة من بلاء الاحتراب فيها والحروب عليها، كما بما يشهده الشارع العربي من تداعيات الانقسام الكبير الذي أصاب العلاقة بين تيارات الأمة الرئيسية التي كان لقاؤها، قبل ما يسمى “بالربيع العربي”، في الشارع كما في المؤتمرات والملتقيات والمنتديات، سبباً رئيسياً لحراك مليوني كان يهز الأمة والعالم من اجل فلسطين والعراق ولبنان اثر كل مواجهة مع الاحتلال.
ولعل استعادة اللقاء بين هذه التيارات، لا سيّما القومي والإسلامي، على قاعدة المراجعة النقدية لتجربة السنوات الخمس الأخيرة، وما رافقها من أوهام وصراع محموم على السلطة، وتقديرات خاطئة لموازين القوى، هو الخطوة الأولى على طريق استعادة الحيوية لشارعنا العربي المتحفز انتصاراً لفلسطين، بل لاستعادة المبادرة في هذا المعركة التي بدأت منذ أسبوعين ونيّف ولا يبدو أنها ستتوقف قريباً، بل هي مستمرة بإذن الله وبإرادة الشعب حتى دحر المحتل عن القدس وكل أرضنا المحتلة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165493

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165493 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010