الاثنين 23 آب (أغسطس) 2010

الأرض العربية المحرَّمة، ونقطة مراقبة «تيران»

الاثنين 23 آب (أغسطس) 2010 par راكان المجالي

كُنّا في ميعة الشباب، وأوّل العمر السياسي، حين اندفع الإعلام العربي، المناوئ للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عشية حرب العام 1967، في مهاجمة نظام عبد الناصر، متّهماً إيّاه بالاختباء خلف قوات الطوارئ الدولية في مضائق «تيران»، ويطالبه بسحب تلك القوات. وكانت تلك هي المرّة الأولى التي ينتشر فيها اسم المضائق والجزيرة، في المجتمعات العربية، على نحو واسع، وعلى أنّها أراضٍ ومياه مصرية.

واليوم، نعرف أنّ جزيرتي «صنافير» و«تيران» هما جزيرتان تابعتان للسعودية، وتقعان في مدخل مضيق تيران، الذي يفصل خليج العقبة عن البحر ‏الأحمر. حيث تنازلت السعودية لمصر عن جزيرة «تيران» (تبلغ مساحتها نحو 80 كيلو متراً مربعاً)، بموجب وثيقة رسمية مودعة في الأمم المتحدة.

ومعروف أنّ الجزيرتين وقعتا تحت سيطرة «إسرائيل» في حرب حزيران /يونيو عام 1967، التي قامت بها «إسرائيل» ضد الدول العربية. وبعد خسارة هذه الدول العربية، تمّ احتلال الكثير من المناطق، ومن بينها هاتان الجزيرتان، اللتان خضع احتلالهما الى نوعٍ من التعتيم الإعلامي الشديد نسبياً.

ولجزيرة «تيران» أهمية استراتيجية في المنطقة، إذ تشكّل أضيق مقطع في مضايق تيران، التي يمرّ بها كل ملاحة ميناءي العقبة الأردني و«إيلات الإسرائيلي». واللافت في وضع الجزيرة اليوم أنّ الدخول إليها محــظور ومحرّم على أيّ كان، باستثناء أفراد عسكريين من مصر والولايات المتحدة، بسبب اللوائح العسكرية الصارمة المطبّقة هناك. يضاف الى ذلك، أنها تحوي من حقول الألغام أكثر مما قد تحويه قارة بأكملها.

إذ تقع نقطة المراقبة (بوست 3ـ11)، التابعة لقوات المراقبة المتعددة الجنسيات (MFO‏)، في جزيرة تيران، على بعد خمسة أميال، قبالة ساحل شبه جزيرة سيناء في خليج العقبة. وتسيطر على الجزيرة، فعلياً، القوات الأميركية المشاركة في تلك القوات، التي ترصد الأنشطة البحرية في المجال الحيوي الاستراتيجي الأهم، حيث يلتقي الخليج والبحر الأحمر.

ويعود وجود هذه القوات في تيران الى وجود القوات الدولية المسؤولة عن حفظ السلام، بين مصر و«إسرائيل»، التي أنشئت عام 1982 نتيجة لاتفاقية «كامب ديفيد». ‏حيث كان من المفترض أن تكون الجزيرة تحت عهدة مصر، لتنفيذ بنود اتفاقية السـلام المصرية - «الإسرائيلية»، التي تنص على وجوب وضع قوة للمراقبة، تسيـطر عليه قوات المراقبة المتعددة الجنسيات، للتأكد من امتثال مصر و«إسرائيل» للأحكام ‏الأمنية، الواردة في اتفاقية السلام بينهما، والمتعلقة بفتح خليج تيران. وقد تم تشكيل هذه القوات بدعم أمـيركي نشط، بعدما أعلنت الأمم المتحدة أنها لن ترسل قوات حفظ سلام إلى سيناء. وتدير القوة المتعددة الجنسيات، ومقرها «روما»، مكاتب اتصال في كل من القاهرة بمصر، و«تل أبيب» بـ «إسرائيل»، إضافة الى شبكة تضم 35 برج مراقبة ونقطة تفتيش ومركز مراقبة، على طول الشريط الممتدّ على طول شرقي سيناء، حيث يبلغ تعدادها نحو 1900 جندي، ينتمون الى 11 دولة، بالإضافة إلى طاقم المراقبين المدنيين الأميركيين البالغ عددهم 15 مراقباً.

وهناك قوات «ذوي القبعات البرتقالية»، تمييزاً لها عن قوات الأمم المتحدة، الذين يرتدون القبعات الزرقاء، وفق اتفاقية «كامب ديفيد»، التي غيّرت وجه المنطقة منذ ذلك التاريخ. تلك المعاهدة التي فرضت تدابير أمنية أمّنت الحدّ الغربي للمشروع الصهيوني طوال الثلاثين عاماً الماضية. وتفرض تلك التدابير، التي وردت في الملحق الأول من الاتفاقية (الملحق الأمني)، قيوداً على حجم وتوزيع القوات المصرية فى سيناء، تتمثّل في ما يلي :

■ تمّ، لأول مرة، تحديد خطين حدوديين دوليين بين مصر وفلسطين المحتلّة، وليس خطاً واحداً. الأول يمثل الحدود السياسية الدولية المعروفة، وهو الخط الواصل بين مدينتي رفح وطابا، أما خط الحدود الدولي الثاني، فهو الخط العسكري أو الأمني، وهو الخط الواقع على بعد 58 كم شرق قناة السويس والمسمى بالخط (أ).‏

■ ولقد قسمت سيناء، من الناحية الأمنية، الى ثلاث شرائح طولية، سمّيت، من الشرق الى الغرب، بالمناطق (أ) و(ب) و(ج).

■ أما المنطقة (أ)، فهي المنطقة المحصورة بين قناة السويس والخط (أ) المذكور سابقاً بعرض 58 كم. وفيها سُمح لمصر بحق الاحتفاظ بفرقة مشاة ميكانيكية واحدة، تتكون من 22 ألف جندي مشاة مصري، مع تسليح يقتصر على 230 دبابة، و126 مدفعاً ميدانياً، و126 مدفعاً مضاداً للطائرات عيار 37مم، و480 مركبة.

■ ثم المنطقة (ب)، وعرضها 109 كم، الواقعة شرق المنطقة (أ)، وتقتصر على 4000 جندي، من سلاح حرس الحدود مع أسلحة خفيفة.

■ ثم المنطقة (ج)، وعرضها 33 كم، وتنحصر بين الحدود الدولية من الغرب والمنطقة (ب) من الشرق. ولا يُسمح فيها بأيّ وجود للقوات المسلحة المصرية، حيث يقتصر الوجود المصري على قوات من الشرطة.

■ ويحظر إنشاء أيّ مطارات أو موانئ عسكرية في كل سيناء.

■ في مقابل هذه التدابير في مصر، قيّدت الاتفاقية «إسرائيل» فقط في المنطقة (د)، التي تقـع غرب الحدود الدولية، وعرضها 4 كم فقط، وحُدّد فيها عدد القوات بـ 4000 جندي.

ومِن المفاعيل الراهنة لوجود هذه القــوات في سيناء وجزيرة تيران المهّمة التي أُضيفت في سبتمبر (أيلول) عام 2005. وهي مراقبة مدى التزام قوات حرس الحدود المصرية بالاتفاق المصري «الإسرائيلي»، الموقّع في أول سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، والمعدّل في 11 يوليو (تموز) عام 2007 (لم يُعلن عن هذا الاتفاق حتى الآن، الذي تمّ توقيعه بعد سيطرة «حماس» على غزة)!! ولعلّ هذا ما يفسّر الحرج السياسي، الذي وقعت فيه السلطات المصرية، ولا تزال، منذ ذلك التاريخ والى اليوم، في إدارة حدودها مع قطاع غزة.

قد لا يكون مهماً الآن البحث عن ملكية جزيرتي تيران وصنافير، بين مصر والسعودية، بمقدار أهمية تذكّر أنهما تحوّلتا الى أرض عربية محرّمة على العرب، ومِن قبلها أرض سيناء العربية كلها، التي تحوّلت الى حاجز أمني واستراتيجي للمشروع الصهيوني، الذي هتك أمن الأمّة وأمانها ومصالحها، وكرامتها أيضاً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165672

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165672 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010