الجمعة 18 أيلول (سبتمبر) 2015

حلم بناء “هيكل سليمان” يهدّد قبلة المسلمين الأولى

الجمعة 18 أيلول (سبتمبر) 2015 par حبيب راشدين

قبل حلول موعد إحياء الكيان للذكرى السبعين لتأسيسه، سوف تتصاعد الاعتداءات المبرمجة لتخريب المسجد الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم، واستقبال “مشيخ” بني إسرائيل، فيما ينشغل الفلسطينيون بالتهارش على سلطة بلا سلطان في دولة وهمية تقام على جغرافية افتراضية.

في بحر قرابة نصف قرن (48) من الاحتلال الصهيوني للقدس الشريف، حصلت مئات الاعتداءات الاستفزازية على المسجد الأقصى بدءا بدخول الجنرال “موردخاي جور” وجنوده المسجد الأقصى في اليوم الثالث من بداية حرب 67، ورفعهم لعلم الكيان على قبة الصخرة، وحرقهم للمصاحف، ومصادرة مفاتيح أبواب المسجد، وانتهاء بالاعتداءات الأخيرة التي تدخل ضمن سياسة تمرير ما يسميه الكيان بالاقتسام الزمني الذي يسبق تقسيم فضاء المسجد الأقصى، وتخريبه وبناء الهيكل اليهودي المزعوم.

أخطر الاعتداءات على المسجد جاءت في وقت مبكر من احتلال القدس، حين أقام الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي “شلومو غورن” وخمسون من أتباعه صلاة دينية في ساحة المسجد، في الأسبوع الأول من احتلال القدس، ثم جاء الحدث الذي روّع العالم الإسلامي في أوت من سنة 1969 بإحراق الصهاينة للمسجد، وخلال نفس السنة، دشن الكيان مسلسل اقتحام قادة الكيان للمسجد، بقيام نائب رئيس حكومة الكيان وقتها “إيفل آلون” باقتحام المسجد.

شرعنة “حق” اليهود في الأقصى

النقلة النوعية في سلسلة الاعتداءات حدثت سنة 1976، حين أصدرت المحكمة المركزية للكيان الصهيوني قرارا يمنح اليهود “الحق” في الصلاة داخل المسجد الأقصى، تلاه سنة 1981 اقتحام حركة “أمناء جبل الهيكل” وجماعات أخرى الأقصى، ورفعهم لعلم الكيان مع إشهار التوراة. وفي نفس السنة، تم الكشف عن نفق يمتد أسفل الحرم القدسي يبدأ من حائط البراق، وفي أبريل 1982: قام جندي يدعى “هاري غولدمان” بإطلاق النار داخل الأقصى، خلف شهيدين فلسطينيَين، وجرح أكثر من ستين آخرين.

ردة الفعل جاءت من الحلقة الأضعف، من الفلسطينيين أنفسهم الذين فجّروا الانتفاضة الكبرى الأولى، في أعقاب قيام السفاح أريال شارون باجتياح المسجد وتدنيسه في مثل هذا الشهر من سنة 2000، واقترفت قوات الاحتلال مذبحة بشعة في صفوف المصلّين استشهد فيها العشرات منهم.

انتفاضة الأقصى لم توقف الإعمال الاستفزازية الصهيونية، التي تستند إلى سياسة طويلة النفس، كانت تشتغل تحت سقف أوسع، يريد تهويد القدس من جهة العمران، بإفراغه من سكانه الأصليين، وزرع طوق من المستوطنات حول القدس، ومنع الفلسطينيين من تجديد وترميم بيوتهم، كما ركزت على إشغال المسلمين باعتداءات مؤقتة محسوبة على المسجد، ابتكر فيها الصهاينة عدة أساليب كيدية، وتحت عناوين سياسية، دينية، وقانونية، تصبّ جميعها في اتجاه تغيير هوية المسجد، وإطلاق يد المعمّرين والحركات اليهودية المتطرفة لتدنيسه في العام أكثر من مرة.

الإشغال بالاستيطان لتمرير سياسة التهويد

المتابع للاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى، يكتشف بسهولة أنها تخضع لمنطق يختلف عن المنطق الذي يتحكّم في سياسته كسلطة احتلال، فالقدس بصفة عامة، والمسجد الأقصى بصفة خاصة، يشكلان نقطة الارتكاز في السياسة الصهيونية، التي تعمل على محور دائم اسمه تهويد فلسطين التاريخية، وقد أضيف إليها القدس، وإشغال الفلسطينيين والعرب والمسلمين ببرنامج الاستيطان في الضفة، الذي قد يتخلى عنه الكيان في أية صفقة تلزمه بها المجموعة الدولة في المستقبل، فيما جعل من تهويد فلسطين التاريخية والقدس التي ضمها مبكرا كعاصمة أبدية للكيان، جعل منها سياسة دائمة له كيفما كانت طبيعة الحكومة، وقد اعتمد في الشق الخاص بالمسجد الأقصى حرب استنزاف دائمة مع القوى الفلسطينية المرابطة، التي قادت مقاومة حقيقية دائمة، بعيدة عن الأضواء الإعلامية، منعت الكيان حتى الآن من تنفيذ برنامج السيطرة على المسجد، ثم تربص الفرص لهدمه وبناء هيكل سليمان المزعوم.

الهيكل لاستقبال “مشيخ” بني إسرائيل

المتابِع للخرافات التلمودية الصهيونية، المدعومة بأساطير الإنجيليين الأمريكان وما يسمى بالمسيحيين الصهاينة، كان يعلم أن أعمال الاستفزاز سوف تتصاعد وتيرتها مع بداية سنة 2015، التي يبدأ معها العد التنازلي لأحداث كبرى، تسبق في معتقد اليهود والمسيحيين الصهاينة التحضير لعودة “المشيخ” المزعوم، وإعادة بناء الهيكل، واستكمل انتشار الكيان جغرافياً على ما يعتقد أنها أرض “إسرائيل الكبرى” الممتدة من النيل إلى الفرات.

وحدها الفصائل الفلسطينية المقاومة أو “المتعاملة” مع الاحتلال على السواء، ظلت تعمل فقط على محور إنهاء الاحتلال، الذي هو الجزء البارز من جبل الجليد الصهيوني، فكان اهتمام الفصائل الإسلامية المقاومة في العقد الأخير ينصبّ على غزة، وعلى الاستيطان، أكثر من الاهتمام بالمشروع الصهيوني القائم على تهويد فلسطين التاريخية والقدس، والعمل على تخريب الأرض التي يشملها مشروع “إسرائيل الكبرى”. الخطيئة نفسها ارتكبتها الدول العربية، التي انخرطت بلا بديل في مشروع “السلام مقابل أرض 67” ولم تكلف نفسها التدقيق في البُعد الديني التلمودي للمشروع الصهيوني، الذي هيأت له الأوضاع المضطربة في بلاد الرافدين والشام فرصا حقيقية لتسريع برنامجه التنفيذي النهائي.

في مارس 2014، نشرت منظماتٌ يهودية رسالة بعثت بها لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تطالبه بالعمل، وتسهيل الإجراءات والمساعي، بهدف بناء كنيس يهودي في الأقصى، وفي أكتوبر من نفس السنة ناقش “الكنيست” مقترحا يدعو إلى سحب السيادة الأردنية على الأقصى، وفي أفريل الماضي أعلنت مؤسسة إسرائيلية تطلق على نفسها “الحفاظ على تراث حائط المبكى” عن مناقصة من أجل تنفيذ أعمال حفريات في الأنفاق أسفل الحائط الغربي للمسجد الأقصى، وفي أوت الماضي طالبت منظمات وجماعات الهيكل المزعوم، في مذكرة رسمية رفعتها لرئيس وزراء حكومة الكيان بإغلاق المسجد الأقصى المبارك في وجه المسلمين خلال الفترة الصباحية.

وقبل احتفال الكيان الصهيوني بالذكرى السبعين لقيامه الاصطناعي سنة 2017، سوف نشهد تسارعا في الاعتداءات الصهيونية على المسجد، قد تنتهي بهدمه، والشروع في بناء الهيكل وفق مزاعم الأساطير اليهودية، ومعتقدات المسيحيين الصهاينة، التي تتنبأ ببناء المعبد وعودة “المشيخ” اليهودي في هذا الموعد ما لم تُراجع القيادات الفلسطينية والفصائل سياساتها الحمقاء، التي تخلت، في وقت مبكر ودون مقابل، عن مبدأ “التحرير من البحر إلى البحر”، لتغرق في متاهة بناء “الدولة الوهم” على جغرافية افتراضية، وما لم يلتفت المسلمون قاطبة إلى أن مواجهة الكيان، التي هي واجبٌ على كل مسلم، إنما تبدأ من إفشال مخططات تهويد القدس وتخريب المسجد الأقصى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2177971

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حبيب راشدين   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2177971 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 29


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40