الأربعاء 12 آب (أغسطس) 2015

حراس القرى

الأربعاء 12 آب (أغسطس) 2015 par د.احمد جميل عزم

لدى كل شاب فلسطيني هاتفه الذكي الجوّال، الذي يمكن أن يتسلم بواسطته خلال ثوانٍ -بمكالمة هاتفية أو رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي- إنذارا يوجهه شبان آخرون، بشأن تعرض القرى لهجوم أو دخول من قبل الجنود أو المستوطنين، في وقت بات الأهالي يعتقدون أنّه لا بديل من الاعتماد على الذات، وليس انتظار السلطة الفلسطينية. ولذلك، كوّنوا مجموعات “حراسة” للقرى، تبدو آخر ما يبرز على السطح في المشهد الفلسطيني. لكن الأمر يحتاج لسؤال: إلى أي مدى يمكن أن تتطور هذه الظاهرة؟
باتت هناك أخبار يومية عن تصدي الأهالي الفلسطينيين في قراهم بالضفة الغربية -بدءاً من جنوب الضفة والخليل، وحتى الشمال حيث قلقيلية وجنين، مرورا بالوسط حيث قرى رام الله والقرى في الطريق إلى نابلس- للمستوطنين. وتنشر صحيفة “جيروزاليم بوست”، عن جنوب الخليل؛ كيف استُفِز أهالي المنطقة لرؤية مستوطنَين وكلب، ادعيا أنهما كان يمارسان الرياضة، وكيف تجمع الأهالي. وفي ترمسعيا، شمال شرق رام الله، التي طالما عانت من هجمات المستوطنين وتخريبهم وإتلافهم لأشجار الزيتون، وحيث قتل الوزير زياد أبو عين أثناء زراعة الزيتون، بث تلفزيون القناة العاشرة الإسرائيلية تقريراً مفصلا حول تشكيل لجان حراسة على مدار الساعة، تتابع القرية ومحيطها، وتمنع دخول المستوطنين، بل وتضع حواجز تفتيش على الشوارع. والأمر ذاته في قرية قصرة قرب نابلس، حيث طاردت لجان الحراسة المستوطنين فعلا قبل أيّام.
وتتضمن آليات “الإنذار المبكر” النداء في سماعات المآذن إذا كان هناك هجوم من المستوطنين، أو حتى الجيش أحياناً.
في محافظة قلقيلية، اتخذ قرار تشكيل لجان الحراسة في اجتماع قادته حركة “فتح”، وبحضور رسميين يمثلون السلطة الفلسطينية. وأعلن عضو لجنة “فتح” المركزية، محمود العالول، في مناسبة أخرى، تشكيل لجان حراسة في التجمعات والقرى القريبة من المستوطنين.
لجان الحراسة هذه تبدو، من جهة، نوعا من التنظيم الشعبي القائم على سد فراغ عجز السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية عن مواجهة الاستيطان والإسرائيليين، ومحاولة لمواجهة ظاهرة الإرهاب الاستيطاني الذي حاول فرض معادلات جديدة، تفرض وجود الفلسطيني خائفاً ومعرضاً للاعتداء الاستيطاني، بعد أن كان المستوطن هو الذي يتحرك بحماية عسكرية دائمة، ويضع شبك حديد لحماية شباك سيارته من حجارة الفتيان الفلسطينيين، قبل نحو ربع قرن.
لا يلغي هذا أنّ فكرة تشكيل اللجان هي في حد ذاتها سلوك دفاعي، يكاد يشي بنوع من الندية إزاء مستوطنات بات عدد سكانها يشكلون نحو 20 % من سكان الضفة الغربية (أو خمس السكان)، وهو مؤشر على تعاظم قوة المستوطنين، وتحولهم لقوة احتلال مضافة للجيش الإسرائيلي. لكن من الناحية النظرية، تشكل هذه اللجان نوعا من الرد على واقع اتفاق أوسلو؛ إذ الريف الفلسطيني في الضفة الغربية خارج نطاق أي حماية، ومن البدهي أنّ مثل هذه اللجان لو استمرت ستمد نفوذها حتى لفرض الأمن في قراها ومحيطها، ولن تتوقف عند المستوطنين، وستصبح لجانا شعبية فاعلة في مجالات مختلفة.
ومن الناحية النظرية أيضاً، يمكن أن يتطور وضع فيه مستوطنون يتحركون بحماية أو رعاية الجيش والحكومة الإسرائيليين، ولجان شعبية فلسطينية في مناطق الريف ومحيط المستوطنات تحصل على دعم رسمي، ما سيشكل عامل موازنة في الصراع.
من الناحية العملية، فإنّ عدم تطور هذه الظاهرة وزوالها أمر ممكن جداً، في ضوء العديد من المبادرات السابقة، مثل كثير من لجان المقاومة الشعبية وحملات المقاطعة والحراكات سريعة الخفوت. فعدا الضغط الإسرائيلي الذي سيمارس على “السلطة” لمنع تطور هذه الظاهرة، وحيث “السلطة” ستضغط على عناصر “فتح” المشتركين في اللجان أيضاً، فإنّ التخوف من نشوء سلطة موازية ومنافسة، سيبقى هاجسا لدى “السلطة” وقيادتها السياسية والأمنية، وستسعى على الأقل لاحتوائها، تحت شعارات دعمها ومساعدتها وتنظيمها، ما سيفرغها من طابعها الشعبي.
ظاهرة لجان الحراسة، واحدة من الأفكار التي يمكن أن تشكل جزءا من رد فعل حقيقي، وبوابة لإعادة التنظيم الشعبي الفلسطيني النضالي، إذا ما تم التعامل معها بالطريق الصحيحة، بعيداً عن المخاوف ومحاولات الاحتواء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 60 / 2178172

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178172 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40