الجمعة 7 آب (أغسطس) 2015

“حقيقة” حارة اليهود

الجمعة 7 آب (أغسطس) 2015 par د.احمد جميل عزم

تعد عملية صناعة مسلسل درامي تلفزيوني، أحياناً، موضوعاً يصلح لتحقيق؛ فيه حفر في النوايا والقناعات والقدرات والتمويل، فكيف التقى الممول، مع المنتج، مع الكاتب؟ ومن السياسي الذي سمح أو سهل الإنتاج أو رعاه وطلبه؟
مما أذكر أني قرأته، أنّ القارئ كان في الماضي يبحث عن المواقف السياسية المباشرة. فمثلاً، يقرأ افتتاحيات صحيفة الأهرام في الخمسينيات والستينيات، والتي كان يكتبها محمد حسنين هيكل ليعبّر عن الناصرية. ثم تغيّر الأمر، وصار الإنسان لا يقبل المواقف المحددة المباشرة. وهذا ما دفع اختصاصيي الإعلام والدعاية السياسية إلى التركيز على تزويد القارئ بمعلومات وأفكار تدفعه في اتجاه معين؛ بمعنى أنّه مع تراجع قبول المواقف “المعلّبة”، صار لزاماً إعطاء الشخص مكونات الموقف الذي يريد “صانعو العقول” له أن يصله. هذا مع عدم تناسي أن منتجي الدراما والفكر والسياسة، يبحثون أحياناً عمّا يريده الجمهور ليضمنوا بيع منتجهم، سواء على شكل مشاهدين يدفعون مالا، أو حتى للحصول على الجمهور والمؤيدين والمعجبين، بدغدغة مشاعرهم فيما يريدون.
كان لديّ دائماً سؤال، هو: ما سرّ أفلام ومسلسلات أنتجت في الثمانينيات (ونهاية السبعينيات)، روجت بشكل أو آخر للسلفية، بما فيها السلفية الجهادية، منها على سبيل المثال، مسلسل عن ابن تيمية، أنتجه تلفزيون قطر بالتعاون مع استديوهات عجمان، منتصف الثمانينيات؟
وأطرح السؤال ذاته بين يدي مسلسل “حارة اليهود” المصري، الذي شاهدتُه في رمضان الماضي، وقصة قرأتُ أنّها كانت في جزء هذا العام من مسلسل “باب الحارة” السوري. في الحالتين، هناك حديث عن اليهود بصفتهم جزءا طبيعيا من نسيج “الحارة”، لدرجة العلاقات العاطفية والحب.
هنا نتذكر طروحات الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، وحديثه عمّا عرف باسم الخطاب باعتباره “أشكالا من التصوير، والرموز، والقناعات، وعادات اللغة التي تُنتِج المعنى في حقول ثقافية وتاريخية معينة”. وبالتالي، فإنّ ما يتم اختياره لتسليط الضوء عليه من صور ورموز، بما فيها الأشخاص والشخصيات والقصص والفن، وقناعات، ولغة، تنشئ ما يسميه فوكو “أنظمة حقيقية”، أو ما يصبح بمثابة “الحقيقة” في مجتمع أو زمن معين، تؤدي لتغيير في السلوك والمواقف لاحقاً.
يبقى السؤال: من أو ما الذي يقرر ما هو “نظام الحقيقة” الذي نتعرض له في وقت ما؟
قد تلتقي عوامل عديدة لتشكيل أو تغيير “معرفة” معينة. قد تعجب فكرة ما شخصا ثريّا، فيمول إعلاميّا ليُنتج الدراما. ويمكن أن تكون فكرة سياسي يوحي بها لإعلامي، أو أن تكون مصلحة رجل أعمال أو حتى قناعاته، يلقي بها لإعلامي أو كاتب، أو حتى إعلامي ينتهز هوى سياسي أو ثري ليقنعه بالإنفاق على ما بين يديه من أعمال له فيها هدف مالي أو شخصي آخر، أو لإدراكه ما قد تشتريه وتقبله القنوات التلفزيونية هذا العام.
أفهم فرضية أنّ مسلسلات العز بن عبدالسلام وابن تيمية في الثمانينيات، يمكن أن تكون تزاوجَ منتجٍ تلفزيوني يبحث عن تمويل، مع كاتب يريد تعبئة روح الجهاد في زمن الاحتلال الصهيوني، فبحث عن علماء لهم صلة بزمن الحروب مع ممول مهتم بالفكر السلفي، مع “الجهاد” في أفغانستان واهتمام حكومات بترويجه حينها، ويبقى أن إثبات هذه الفرضية بحاجة إلى الغوص في التفاصيل.
والسؤال الآن: ما هي شبكة الدوافع والمصالح والأفكار، التي أنتجت أو تنتج صورة “اليهودي الجديد” في الإعلام العربي؟ هل هي مصادفات؟ هل هناك مصالح ما؟ هل هناك تغير فكري؟
التقيت العام الماضي بناشط فرنسي يهودي معروف بتأييده للشعب الفلسطيني وحقوقه، وروى قصة ليست بعيدة عما جاء في “حارة اليهود”. إذ قال إنّه بعد أن تزايد الضغط الأمني على يهود مصر، نتيجة ما قامت به الصهيونية في مصر وفلسطين، هاجروا إلى فرنسا، وشب هو مناهضاً للصهيونية. ويروي أنّ أمه عندما ظهرت الفضائيات العربية، بعد عقود من هجرتها، أدمنت على مشاهدة الدراما المصرية.
ليس بالضرورة أنّ صورة اليهود (كل اليهود)، كانت دقيقة في الماضي في الإعلام العربي. لكن يبقى السؤال: ما هي شبكة المصالح والأهداف والأفكار والأحداث التي أدت إلى أعمال لتقديم صورة جديدة (حقيقة جديدة) لليهود؟! وإلى ماذا تؤدي؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 98 / 2180645

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2180645 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40