السبت 25 تموز (يوليو) 2015

الاعتراف المتأخر.. ولكن

السبت 25 تموز (يوليو) 2015 par علي بدوان

المفاجأة الأخيرة التي ضَجّت بها الساحة الفلسطينية في رام الله جاءت بعد الاعتراف الفضيل من قبل أحد أركان اتفاق أوسلو وأحد مُنظِريه بفشل مشروع أوسلو ووهم الطريق إلى الدولة الفلسطينية عبر بوابته.. هذا الاعتراف المُتأخر جداً جاء على لسان عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة ياسر عبدربه بعد إزاحته من موقع أمانة سر اللجنة التنفيذية وإسنادها لصائب عريقات.

لقد كان ياسر عبدربّه في مؤتمره الصحفي فصيحاً وصريحاً وواضحاً، فكَتَبَ على الورقة الموزعة على الصحفيين الجُمَلة الطويلة التالية «ينبغي علينا الاعتراف صراحة بأن خطتنا السياسية منذ اتفاق أوسلو الأول حتى الآن قد فشلت فشلاً ذريعاً وتاماً، وإن رهاننا على حل يؤدي إلى إنهاء الاحتلال عن أرض وطننا عبر المفاوضات كسبيل أوحد انهار كلياً». وهذا النص المكتوب هو الأول في محتواه من قبل قيادي فلسطيني كان ومازال من المندفعين باتجاه خيارات التسوية والمفاوضات وحدها دون غيرها، ومن الرافضين لأي خيار آخر حتى لو كان من نمط الكفاح الشعبي الانتفاضي السلمي موازياً للعمل السياسي التفاوضي.

هنا، لا نستطيع أن نُجزم، إن كان عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأحد أركان اتفاق أوسلو ومُنظريه ياسر عبدربه انطلق في مؤتمره الصحفي الذي عَقَدَهُ قبل أيام من اعتراف صادق وحقيقي بفشل مسار تسوية أوسلو وبمآلات عملية التسوية برمتها التي انتهت إلى الجدار المسدود ونفق الاستعصاءات بعد نحو 22 عاماً من توقيع اتفاق أوسلو الأول في حديقة البيت الأبيض.

فالرأي الذي يَطعَن بشأن مصداقية النَقد الموجة لاتفاق أسلو الأول من قبل ياسر عبدربه، تُزكيه المعلومات التي تقول بأن واحداً من الأسباب الرئيسية التي دَفعت الرئيس محمود عباس لاتخاذ قراره بإقالة ياسر عبدربه من أمانة سر اللجنة التنفيذية للمنظمة يعود للمناكفات التي بدأ بها ياسر عبدربه منذ مدة في مُشاغلة الرئيس محمود عباس وموقفه القاضي بالتوجه إلى مجلس الأمن.. فياسر عبدربه لم يَكُن مؤيداً لهذه الخطوة، بل وأسهم في إضعاف موقف الرئيس محمود عباس داخل المنظمة من خلال تأثيره على بعض أعضاء اللجنة التنفيذية وحتى على كوادر قيادية من حركة فتح، وفي بعض مراكز القرار في العالم، خاصة واشنطن، التي عَلِمَت في حينه أن الوفد الفلسطيني لم يكن على موقفٍ واحد.

إن الخشية واردة في التقدير القائل بأن حديث ياسر عبدربه عن فشل مشروع أوسلو يأتي في سياق استخدامي استثماري في ظل المعركة السياسية التي يخوضها ياسر عبدربه في مواجهة الرئيس محمود عباس، وحتى في مواجهة حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين لهما موقف نقدي صارخ من السلوك السياسي العملي لياسر عبدربه.

ومع هذا، إن الاعتراف بالخطأ فضيلة وإن جاء متأخراً، فقد كانت عملية الإقرار بفشل مسارات اتفاق أوسلو الأول وعلى لسان ياسر عبدربه عين الصواب تماماً، وهو (أي الاعتراف) رُبع الحل، لكن الذي يتبقى هو الغد وليس الأمس، الغد الذي ينتظر الفلسطينيين وهم يخوضون معركة البقاء في مواجهة الاحتلال وأخطبوط الاستيطان الزاحف في منطقة القدس وغيرها، كما يخوضون معركة ضروس في مواجهة عملية إجهاض المشروع الوطني الفلسطيني وتقزيمه.

إن إقالة ياسر عبدربه من أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورَدِهِ على الإقالة عبر مؤتمره الصحفي الأخير وبنقده لمسارات عملية التسوية واتفاق أوسلو مؤشر من عشرات المؤشرات على الدرك الذي وصلت إليه الأوضاع الداخلية الفلسطينية قبل وبعد الانقسام الكبير الذي وقع منتصف العام 2007.. فالحالة الفلسطينية التي توالدت عن اتفاق أوسلو الأول وما نتج عنه من افتراق سياسي داخل الساحة الفلسطينية بين عموم القوى والتشكيلات السياسية والحزبية والفصائلية، ليست وليدة اللحظة، وليست من صناعة ياسر عبدربه وحده، وإن كان دور ياسر عبدربه بارزاً في هذا المجال، من التنظير لاتفاق أوسلو الأول واستنساخاته، وصولاً لوثيقة جنيف التي وقعها مع يوسي بيلين من حزب (ميرتس) المحسوب على أحزاب «اليسار الصهيوني« قبل عدة أعوام، وفيها التنازل العملي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وبعدها وثيقة البحر الميت (وثيقة فندق الموفنبيك). بل إن حالة التفكك والانحدار التي تُعيشها الساحة الفلسطينية هي بالضبط نتاج الخيار السياسي بالذهاب إلى اإتفاق أوسلو لإنجاز عملية التسوية في ظل غياب التوافق الوطني الفلسطيني بين المكونات الأساسية في المجتمع الفلسطيني بالداخل والشتات، وغياب الروافع والأسانيد العربية التي كانت غارقة في نتائج وتداعيات ما بعد حرب الخليج الثالثة أبريل 2003.

فاتفاق أوسلو الأول وفي ظل الاختلال الهائل في موازين القوى بكل تجلياتها، لم يَكُن ليملك أياً من شروط النجاح ليقود الشعب الفلسطيني نحو دولة فلسطينية مُستقلة كاملة الاستقلال فوق كامل الأرض المحتلة عام 1967 مع الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194 بالعودة إلى أرض الوطن الفلسطيني.. كما أن اتفاق أوسلو الأول لم يُدخِل المشروع الوطني الفلسطيني في متاهة طويلة ومتشعبة فحسب، بل عمل على تهميش منظمة التحرير الفلسطينية كهوية وطنية جامعة لكل الشعب الفلسطيني بالداخل والشتات، وباستبدال السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة عن الأطر التمثيلية الجامعة لمنظمة التحرير والشعب الفلسطيني.

بالاستخلاصات الأخيرة، إن إقالة ياسر عبدربه من أمانة سر اللجنة التنفيذية للمنظمة وما رافقها من ردود فعل من قبل الأخير، وإقراره بفشل مسارات تسوية أوسلو وانسداد أفقها، تؤكد ـأن أي إصلاح الحالة الفلسطينية الداخلية، وإعادة إحياء للمشروع الوطني الفلسطيني، لن يكون إلا بإعادة النظر بمجمل البنية العامة والهيكلية التنظيمية والسياسية في إطار المنظمة، وإصلاح عموم مؤسساتها بشكلٍ جدي وحقيقي بعد أن أصابها التهتك، والتي بات من الضرورة العمل على تجديدها وتجديد الدماء الشابة داخل عموم مفاصلها القيادية على مختلف مراتبها، وتوحيد الساحة الفلسطينية على أساس برنامج ائتلافي وطني مُشترك في صياغة وقيادة القرار الوطني العام.. فياسر عبد ربه على سبيل المثال يَشغُلُ عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ نحو (42) عاماً بشكلٍ متواصل، وهو من أَقدَمِ أعضائها، وقد أقام الدنيا ولم يُقعدها مُجرد إنهاء مهمته كأمين سر للجنة التنفيذية، حتى وصل به الأمر لنسف مواقفه السابقة بشأن اتفاق أوسلو الأول وتحميل كل التداعيات الحاصلة لشخص الرئيس محمود عباس صاحب التوقيع الرئيسي على اتفاق أوسلو في 13-9-1993.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2166101

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166101 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010