الأربعاء 22 تموز (يوليو) 2015

رد اعتبار القضاء

الأربعاء 22 تموز (يوليو) 2015 par فهمي هويدي

هذا خبر مهم لم تكترث به الصحف المصرية في حين كان له صداه القوي في المواقع الإلكترونية، فقد أصدرت محكمة النقض حكما بإلغاء السجن المؤبد لثلاثة من المتهمين بحيازة أسلحة والمشاركة في أحداث العنف بمنطقة حدائق القبة بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة في شهر أغسطس عام ٢٠١٣. وقررت المحكمة إعادة محاكمة الثلاثة (الشقيقتان هند ورشا منير وثالث معهما) أمام دائرة محكمة جنايات غير التي عاقبتهم في شهر أغسطس عام ٢٠١٤. حكم استند إلى أن القضية بنيت على تحريات الأمن التي لا تعتبر ضمن الأدلة الجنائية المعترف بها قانونا، الأمر الذي وصم الحكم بالبطلان.
حين تتبعت الموضوع وجدت أن حكم النقض ليس وحيدا، ولكن له سوابق عدة، أبطلت فيها المحكمة العليا عدة أحكام أحدثت ضجيجا في مصر والعالم العربي واحتلت عناوين الصحف وقت صدورها. إذ وقعت على تفاصيل بهذا الصدد نشرها موقع «دوت مصر» القريب من الدوائر الأمنية، من أبرزها أن محكمة النقض راجعت الأحكام الصادرة في عشرات القضايا منها: أحداث مطاي بالمنيا وأحداث عنف كفر الشيخ وقضية المتهمين بقتل اللواء نبيل فرج وخلية الماريوت وأحداث عنف الإسكندرية، إلى جانب قضية مذبحة رفح الثانية. في هذه القضايا وأمثالها فإن المحكمة المذكورة قررت إلغاء العقوبات الصادرة ضد المتهمين جميعا وأمرت بإعادة المحاكمات من جديد.
من الملاحظات المهمة في التقرير أن حيثيات النقض كشفت عن مجموعة من الثغرات القانونية التي وقعت فيها دوائر الإرهاب، منها ما يلي:
< أوضحت محكمة النقض عقب نظرها قضية أحداث العدوة بالمنيا التي اتهم فيها الدكتور محمد بديع مرشد الإخوان وآخرون، أن محكمة الجنايات التي عاقبت المتهمين بأحكام وصلت إلى الإعدام، انعقدت ونظرت الدعوى دون حضور محامين للدفاع عن المتهمين أو انتداب محامين من قبل النقابة. وهو ما اعتبرته المحكمة «إخلالا بحق المتهمين في تفنيد التهم التي وجهت إليهم، الأمر الذي يبطل إجراءات محاكمتهم».
< في ذكرها لأسباب إلغاء أحكام قضيتي «أحداث العدوة وأحداث مطاي» أن محكمة الجنايات أخطأت في تطبيق القانون حين أصدرت أحكاما بإعدام من هم في حكم الأطفال ممن لا تتجاوز أعمارهم ١٨ عاما، ما يدلل على أن دائرة الإرهاب لم تكلف نفسها مطالعة أوراق القضيتين وبيان السن القانونية لمن تصدر ضدهم العقوبات.
< في القضية التي اشتهرت إعلاميا بـ«خلية الماريوت» قالت محكمة النقض إن المحكمة التي نظرت القضية أدانت المتهمين بالانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون، وتتخذ من الإرهاب وسيلة لتنفيذ الأغراض التي تدعو إليها وهي جماعة الإخوان، دون أن تدلل على وجود تلك الجماعة والغرض من تأسيسها قبل انضمامهم إليها، وكيفية انضمامهم لها ومدى علمهم بالغرض من تأسيسها. كما أوضحت محكمة النقض في أسباب إلغاء عقوبات المتهمين في خلية ماريوت أن محكمة الجنايات تعجلت في فصلها في الدعوى قبل ورود تقرير الطب الشرعي الذي طلبته من المتهمين بعد قولهم إنهم تعرضوا لإكراه مادي ومعنوي للإقرار بأمور غير صحيحة، إلى جانب عدم استكمالها التحقيق في القضية كما أوصت النيابة العامة، ما يصيب الحكم بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع.
< في قضية قتل اللواء نبيل فرج أحد قيادات الأمن التي اتهم فيها ٢٢ شخصا من بلدة كرداسة بمحافظة الجيزة. قررت محكمة النقض إلغاء أحكام الإعدام الصادرة ضد ١٢ منهم اتهموا في واقعة القتل. وقالت المحكمة في تبرير قرارها إن محكمة الجنايات اقتصرت في التدليل على ارتكاب المتهمين للجريمة على ما حصلته من أقوال وتحريات أحد ضباط الأمن الوطني دون أن يورد الضابط دليلا يعزز هذه التحريات ويساندها. وهو ما اعتبرته المحكمة فسادا في الاستدلال وقصورا في البيان تعين معه نقض الحكم وإلغاؤه.
< خلص التقرير إلى أن محكمة النقض في أغلب قضايا الإرهاب التي نظرتها انتقدت اعتماد محاكم الجنايات على تحريات جهاز الأمن الوطني كدليل رئيسي. وفي بعض الوقائع دليل وحيد على ارتكاب المتهمين لجرائمهم، وقررت في ذلك «أنها لا يمكنها التعويل في تكوين عقيدتها على تحريات جهاز الأمن الوطني، ولا تصلح التحريات أن تكون وحدها دليلا بذاته أو قرينة بعينها على الوقائع المراد إثباتها ضد المتهمين».. وهذا المبدأ الذي أشارت إليه المحكمة متواتر في أحكام المحكمة الدستورية العليا، التي رفضت اعتبار تحريات الأمن دليلا ووصفها بأنها لا تعدو أن تكون رأيا لقائلها.
ما أدهشني في تقرير موقع «دوت مصر» أنه نشر تحت عنوان «محكمة النقض انتصرت للإخوان على دوائر الإرهاب»، لأن الانتصار الحقيقي هو للقانون ولقيمة العدل، التي عصفت بها محاكم الجنايات في العديد من قضايا الإرهاب. علما بأن إلغاء الأحكام لا يعني بالضرورة تبرئة المتهمين، وإنما يعني أن فسادا شاب نظر القضية، وفي حال علاج ذلك الفساد فقد تتم إدانة المتهمين أيضا والحكم عليهم بعقوبات أخرى، كما قد تتم تبرئة بعض منهم. وللأسف فإن التشوهات التي أحدثتها التعبئة الإعلامية المضادة شحنت كثيرين بالرغبة في الانتقام والقمع بأكثر مما حفزتهم للدفاع عن إحقاق الحق وإقامة العدل. وما أقدمت عليه محكمة النقض في حقيقته بمثابة سعي في هذا الاتجاه، لا ينصف المظلومين فحسب ولا يعيد للقانون هيبته واحترامه فحسب، ولكنه أيضا يعيد الثقة في عدالة القضاء التي شوهتها الأحكام الفاسدة والمتعجلة.
وأخشى ما أخشاه أن تكون أحكام النقض هذه قد أثارت حفيظة الدوائر الأمنية واستنفرتها للدفاع عن تقارير رجالها، وهو ما شممت رائحته في مشروع قانون الإرهاب الجديد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2166012

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع فهمي هويدي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2166012 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010