الجمعة 10 تموز (يوليو) 2015

ماذا تفيد الدولة الترابية من غروب النظام الإقليمي العربي؟

الجمعة 10 تموز (يوليو) 2015 par رغيد الصلح

مر النظام الإقليمي العربي بثلاث مراحل من حيث الدول التي قامت بدور قاطرته: المرحلة المصرية، المرحلة الثلاثية: المصرية السعودية السورية، وأخيراً: مرحلة السيولة القيادية. ومنذ دخول المنطقة هذه المرحلة الأخيرة، طرأ تطور مهم على نظرة العديد من الفاعلين الدوليين والإقليميين إلى المنطقة والى نظامها الإقليمي.
في السابق، كان هناك اصطفاف دولي وإقليمي ومحلي عريض وراء الدولة العربية، الترابية. استند هذا الاصطفاف إلى شتى المبررات وعبرت عنها باستخدام العديد من الوسائل لحماية استقلال وسيادة الدولة القطرية وصولاً إلى التدخل المباشر لحمايتها. هذا الاصطفاف تحول إلى ناقد للدولة القطرية، وإلى متعاطف، على أقل تعديل، مع المشاريع الانفصالية التي تهدد استمرارها. وقد تحول المصطفون هنا من معارضين للأقلمة إلى دعاة للتعاون الإقليمي، ولكن مع فارق جوهري، وهو ألا يكون المشروع عربياً، وألا ينتقل الولاء في ظله من «مركز عربي محلي، إلى مؤسسات عربية ما فوق القطرية».
يعتبر بعض الذين كانوا يجمعون على معارضة المشروع العربي، شبيهاًَ باتفاق سايكس- بيكو جديد. أتصور أن هذا الاعتقاد في غير محله لسببين: الأول، هو أن الاتفاق بين فرنسا وبريطانيا على اقتسام المنطقة العربية تم في «التفاهم الودي» وقبل سايكس- بيكو بسنوات كثيرة. الثاني، هو أن القوى والدول المتصارعة على المنطقة العربية لم تصل إلى تسوية فيما بينها بعد. وفي ضوء استمرار الصراع بين هذه القوى فإن المشاريع الإقليمية البديلة وما تمثله من تحديات تواجه النظام الإقليمي العربي تتعدد على النحو التالي:
* أولاً، المشاريع الدولية: التي تضم الشرق الأوسط الكبير، والشراكة المتوسطية الاتحاد من أجل المتوسط.
* ثانياً، المشاريع الإقليمية: التي تضم الشرق الأوسط الجديد، الذي أعاد بنيامين نتنياهو إحياءه مؤخراً، والتي تضم أيضاً مشروع الشرق الأوسط بزعامة إيران.
* ثالثاً، المشاريع الفرعية أو الجهوية: التي تضم مشروع كردستان الكبرى في شمال العراق وشمال شرق سوريا.
بين هذه المشاريع عناصر وعوامل مشتركة لا تشكل أساساً لتضافرها ولكنها تواجه بالتحديات التالية:
1- إنها ترغب في نقل الولاء الوطني من المنطقة العربية إلى مؤسسات خارج المنطقة، وبعضها معاد للفكرة العربية. وبعضها ولد وتطور وسط إنكار كامل للهوية العربية ولما تمثله من تجميع وتمكين للعرب وتأهيلهم للدفاع عن حقوقهم المشروعة ولتحقيق أمانيهم الإنسانية.
2- إن أصحاب هذه المشاريع يعملون على تحقيقها عبر الحروب. فقد أقرن نتنياهو الدعوة إلى إحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد بتذكير «الإسرائيليين» بنظريات فلاديمير جابوتنسكي عن الحرب الدائمة ضد العرب. والدعوة إلى الشرق الأوسط الكبير جاءت بعد حرب العراق، وبعد أن بين حل الجيش العراقي أن المقصود هو ليس تغيير النظام فحسب، وإنما تدمير العراق كقوة توازن إقليمي.
إن هذا الاصطفاف لم يكن ليحقق نجاحاً لولا اصطفاف مواز له شهدناه بين مؤيدي الدعوة العربية في نظرتهم إلى النظام الإقليمي العربي وإلى مؤسساته وإلى المشاريع التي يسعى إلى تحقيقها. ففي غمرة الحماس لمشروع الوحدة العربية وللدولة العربية الواحدة، كان كثيرون من مؤيدي الدعوة العربية ينظرون إلى النظام الإقليمي العربي بمنظار الشك والارتياب الذي يختلف عن نظرة النقد البناء. وقد انطوت هذه النظرة على ثغرات مهمة أثرت في مشاريع الأقلمة العربية وشكلت هي أيضاً في حد ذاتها تحدياً لها. وفي مقدمة هذه الثغرات ما يلي:
* أولاً، خطأ تاريخي فادح أدى إلى إحاطة ولادة النظام الإقليمي العربي بأجواء سلبية. فهذا النظام ممثلاً بجامعة الدول العربية قام بمبادرة إقليمية، وفي محاولة من النخب السياسية النافذة في المنطقة لاستمالة الرأي العام العربي الذي كان متعاطفاً مع المشروع العربي ومناهضاً للنفوذ الأجنبي. وقد قاوم مناهضو المشروع العربي فكرة الجامعة باتهامها بأنها كانت من صنع الدول الأوروبية المستعمرة. ولكن الأدلة والشواهد التاريخية تدل على العكس. وهكذا حمل المشروع الإقليمي العربي منذ ولادته سمة غيرصحيحة، ولكنها أثرت في نظرة الرأي العام ليس تجاه المشروع.
* ثانياً، إن تأييد المشروع العربي اتخذ في أكثر الأوقات طابعاً موسمياً ومؤقتاً وعابراً. وهكذا بدا الخيار العربي كأنه عروبة حسب الطلب، أو «عروبة الا كارت». ومؤيدو المشروع العربي لم يتابعوا متابعة كافية وفعالة المشروع الذي تبنوه ودعوا إليه. بالمقارنة، كان جان مونيه أبو المشروع الأوروبي يقول «كنت أوروبياً أربعة وعشرين ساعة في اليوم. كل ما فعلته وكل ما أتيت به كان مسخراً لخدمة الهدف الكبير الذي اعتنقته». وفي المنطقة العربية لم تنشأ حتى هذا التاريخ قيادة لقاطرة المشروع الإقليمي العربي يتوفر فيها مثل هذا الانكباب والتصميم. هناك بعض الاستثناءات القليلة ولكن المهمة في تاريخنا. أهم هذه الاستثناءات كان مشروع الجامعة العربية نفسه. فهي كانت وليدة متابعة دؤوبة من قبل القيادات العربية التي دعت اليها. لولا ذلك لما خرجت الجامعة إلى الحياة.
* ثالثاً، إن النظام الإقليمي العربي هو دولتي الطابع، أي أن السلطات الرسمية تتحكم فيه إلى أبعد حد. ولكن الأمانة العامة للجامعة تستطيع أن تمارس دوراً أكبر في قيادة الجامعة وتوجيهها. فالأمانات العامة المتلاحقة دأبت على طرح مشاريع لإصلاح النظام الإقليمي العربي، وكانت تتداولها علناً. إلا أن الأمانة العامة الحالية أبقت مشاريع الإصلاح بعيدة عن الرأي العام، وإذا ناقشت أي مبادرات من هذا النوع فإنها تبقيها في أضيق نطاق. هذا التراجع لا يخدم النظام الإقليمي العربي ولا يساعده على مواجهة التحديات.
لقد تراجع النظام الإقليمي العربي تراجعاً كبيراً. وكثيرون ظنوا أن الأوضاع العربية سوف تكون أفضل حالاً إذا بقي هذا النظام في الظل، وبقي يعاني حالة هي أشبه بالموت السريري. ولكن الآن، وخاصة بعد تراكم التحديات الداخلية والخارجية التي لا تستهدف المشروع العربي وحده، بل الدول العربية الترابية أيضاً، هناك شعور بأنه ليس للدول العربية إلا أن ترسخ التحالف فيما بينها، وأن تعد قوى وقوات مشتركة، وأن تبني نظاماً إقليمياً متماسكاً يعالج التحديات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية، مثل هذا النظام لن يكون على حساب الدول القائمة بل لحسابها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع رغيد الصلح   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010