الجمعة 10 تموز (يوليو) 2015

العبودية الحديثة

الجمعة 10 تموز (يوليو) 2015 par د.رحيل محمد غرايبة

أظهرت بعض الدراسات المختصة والتقارير الصادرة عن مؤسسات عالمية أن العبودية تنتشر في رقعة واسعة من العالم، وقدرت الدراسة أن ما يقارب الـ (40) مليون إنسان يعانون من العبودية الحديثة في أكثر من (167) بلداً في العالم، وأظهر مؤشر العبودية أن الدول العربية أحرزت مراكز متقدمة على مستوى العالم من حيث تفشي ظاهرة العبودية واتساعها وتعدد أشكالها، حيث أن مورتانيا احتلت المرتبة الأولى وجاءت قطر في المرتبة الرابعة، والسودان في المرتبة الثامنة، وسوريا في المرتبة التاسعة، والإمارات العربية في المرتبة الثانية عشرة، والعراق في المرتبة الثالثة عشرة. مؤشر العبودية في العصر الحديث يعتمد على جملة معايير؛ تتلعق بالسياسات الوطنية لمكافحة العبودية، وحماية حقوق الإنسان ومستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق المرأة، والتمييز بين المواطنين، بالإضافة إلى مظاهر الاستغلال الجنسي، والظروف القاسية للعمل، وحرمان العمال من الضمان الصحي وحقوق الشيخوخة، بالإضافة إلى التشريعات التي تقيد الحريات وتحرم الوافدين من حقوقهم الأساسية. من المخجل والمؤسف حقاً أن تكون الدول العربية في مقدمة الدول الأكثر استحواذاً على ظاهرة العبودية والاتجار بالبشر، ومما يدعو إلى زيادة الأسف أن العام (2014) سجل رقماً أعلى في أعداد المستعبدين في العالم عن العام الذي سبقه، ما يعني أن ظاهرة العبودية في ازدياد وليست في تناقص. ظاهرة العبودية في القرن الواحد والعشرين تؤشر إلى زيادة حدة مستوى الانحطاط البشري، رغم ارتفاع وتيرة العلم، وزيادة منسوب التقدم المادي لدى البشر، مما يدل دلالة واضحة على خلل كبير في سياسات النظام الدولي، ووجود خلل في طريقة إدارة العالم من قبل الدول العظمى، التي تستأثر بالقوة العلمية والتكنولوجية والقوة المادية المتمثلة بالاقتصاد والانتاج القومي على وجه العموم، التي لم تفلح في ردم الفجوة بين الشمال والجنوب، ولم تفلح في رفع مستوى أداء المجتمعات الفقيرة، والأخذ بيدها نحو الاستفادة من التقدم العلمي والالتحاق بركب التحضر العالمي. إذا أضفنا إلى مؤشر العبودية الحديثة مؤشرات أخرى تتعلق بالاستبداد والقمع وغياب الديمقراطية، ومصادرة حق الشعوب في تقرير مصيرها، بالإضافة إلى زيادة حدة الاقتتال وارتفاع وتيرة الحروب المتفشية في رقاع واسعة من الأرض في العالم؛ يدل دلالة واضحة على شقاء البشرية الذي يزداد يوما بعد يوم ويتسع مع الزمن، ولم تفلح المؤسسات الدولية في تحمل مسؤولياتها والقيام بدورها في نشر أسباب وعوامل السلم العالمي بين شعوب الكوكب. المسؤولية الحقيقية عن هذا التدهور المريع على المستوى الإنساني في العالم تتحملها أطراف ثلاثة مجتمعة : الطرف الأول يتمثل بالدول الكبرى التي استأثرت بالهيمنة على العالم، وتستأثر باحتكار العلم والتقنية، وما زالت تتدخل بإدارة الشؤون الداخلية للشعوب المستضعفة، وما زالت تعمل على فرض آرائها وسياساتها على الدول الأخرى في كل المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، وتشكل العائق الاكبر أمام تحررها وتقدمها. الطرف الثاني يتمثل بالمؤسسات الدولية المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الذي أعطى لنفسه الحق بالتدخل في كل بقاع العالم، وحق استخدام القوة، بالإضافة إلى إضفاء الدول الخمس الكبرى على نفسها حصانة الفيتو، الذي يتنافى مع منطق المساواة والعدالة بين بني الشر، بالإضافة إلى العجز الواضح لهذه المؤسسات عن القيام بدورها وتحمل مسؤولياتها إزاء هذا الموضوع على وجه التحديد، والعجز عن مسايرة التغيرات الكبيرة و التطورات الحديثة التي طرأت على مستوى الكرة الارضية، وعدم قدرتها على حل المشاكل العالمية، بل ربما عملت على تفاقمها وزيادة حدتها. الطرف الثالث يتمثل بدول العالم الثالث وشعوبه؛ الذي قصَّر بحق نفسه، ولم يسع إلى التمكين الذاتي نحو التحرر من دائرة النفوذ الاستعماري الحديث، وما زالت هذه الشعوب والأنظمة عاجزة بشكل جماعي عن كسر قيد الاحتكار الدولي الظالم، وعاجزة عن الإمساك بأوراق القوة، وعاجزة عن صناعة نهضتها وتقدمها، وعاجزة عن اللحاق بالمشروع الحضاري العالمي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165610

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع رحيل محمد غرايبة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165610 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010