الأحد 21 حزيران (يونيو) 2015

المطلوب عبادات تنعكس في الأخلاق والسلوك

الأحد 21 حزيران (يونيو) 2015 par راسم عبيدات

الكثير منا يُرجع الأزمات والأمراض المجتمعية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى البعد من الدين، على رغم أن ما تبدو عليه ظاهراً هذه المجتمعات هو الإغراق والإفراط في التدين والذي يصل في بعض الأحيان حد الدروشة والشعوذة، وضمن هذه الرؤية يتولد لديك اعتقاد وانطباع بأنّ الحياة الاجتماعية والجوانب السلوكية لأفراد ومواطني تلك المجتمعات يفترض أن تكون في أرقى أشكالها وصورها، وتعكس نماذج إيجابية يحتذى بها من قبل المجتمعات الأخرى، فهناك حدود شرعية ونواهي وعقوبات وردت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية… ولكن في إطار عملية التطبيق والترجمة للعبادات وأسس ومبادئ ومرتكزات العقيدة، تجد أنها قلما تترجم إلى فعل أو عمل بها في الجوانب السلوكية والأخلاقية والمعاملات الحياتية بين الناس.

بل ما نراه ونشاهده ونلمسه على أرض الواقع، بأن الكثير من المجتمعات التي قطعت شوطاً على صعيد الحضارة والرقي وفصل الدين عن الدولة، ولم تبق أسيرة الماضوية وعبادة والتمسك بالفعل الماضي الناقص كان حد العبادة، وبنت أفرادها على أساس وعي وانتماء وطني، بعيداً من سيادة مفاهيم العشائرية والقبلية والأبوية، واحترام الحريات الفردية والعامة والتعددية بمعناها الفكري والسياسي والديني والمواطنة الكاملة لكل أفرادها بغض النظر عن مذاهبهم وانتماءاتهم الخ… كانت النتيجة بأن ما ترسخ عندهم من قيم ومفاهيم وسلوك إيجابي حضاري وإنساني، نحتاج لمئات السنين كي نصل إليه، على رغم أننا المدعين بأننا أصحاب رسالة سماوية لكل الناس، رسالة محبة وسلام وتسامح، ولكن عندما يشاهد أصحاب الأفكار والديانات الأخرى، أو حتى المؤمنين والموحدين بنفس الديانة ولكن من مذهب آخر، ما نترجمه على أرض الواقع من قتل بطريقة وحشية، ليس فيها أي احترام للإنسان الذي كرم الله، وحرم قتله بغير حق، ناهيك عن التخريب والتدمير والنهب والسلب وتدمير منجزات حضارية عريقة لأقوام سابقة، يجعل العالم يتعاطى ويتعامل معنا على أساس أننا خارج البشرية العاقلة، نتستر ونتغطى بمعتقدات دينية، نستخدمها فقط لخدمة أهدافنا ومصالحنا.

المأساة أننا نعيش أزمات عميقة ومستديمة تنخر مجتمعاتنا نخراً، ونصر عن سابق إصرار على أننا خير أمة أخرجت للناس، ونفسر بأن كل مصائبنا مهما عظمت أو صغرت هي في البعد من الدين والعقيدة، من الهزائم حتى الكذب والدجل والنفاق، ولا نعطي أي قيمة لجهلنا وتخلفنا وقلة وسطحية وعينا وعبادتنا وتقدسينا للأفراد والنصوص أو الحجر على عقولنا وفكرنا، ونتهم أي عالم يخالف وجهة نظرنا أو اجتهادنا بالكفر والإلحاد، ونتخذ مجموعة من المشايخ المتخلفين أو مشوهي الوعي أو المرتزقة عند السلاطين، كنماذج وأيقونات يجب تقديسها، فهي أقرب للنبوة لا تنطق عن الهوى.

مجتمعات تعاني القمع والاضطهاد وتعشق التخلف كجزء من منظومة حياتها، فهو مكون أساسي في وعيها وثقافتها، وينظر الكثيرون من أفرادها لمظاهر السلوك اللامعياري على أنها «شطارة» و«فهلوة» وقدرة على تسليك الأمور، فعلى سبيل المثال لا الحصر جميعنا يعلم علم اليقين بأن إنجاز أي معاملة في الدوائر العربية بدءاً من إنجاز معاملات جواز سفر ودخول الحدود والخروج منها، لا يتم إلا عبر الرشوات و«البراطيل» على رغم أن من تتم رشوتهم و«برطلتهم» ربما بعد حصولهم على الرشوة أو «البرطيل» يذهبون للجامع مباشرة أو يتهيبون ويتخوفون الحصول عليهما في رمضان معتقدين بأن صوم رمضان يغفر له ما تقدم من ذنبه، وبأنه بارتكابه المعاصي من جديد يمحوها في صوم رمضان المقبل، وهذه الثقافة ترسخت بفضل مشايخ ومفتين جهلة وجزء من منظومة الفساد، فهم يقولون للناس بصومكم وصلاتكم وحجكم تمحى وتغفر ذنوبكم. ولكن لا يجري تعليمهم بأن ما يجري تكراره وارتكابه من فعل وعمل لا أخلاقي ولا سلوكي ولا وطني يجب العمل على اجتثاثه من خلال خلق منظومة وعي جديدة تحدث ثورة وانقلاباً اجتماعياً تبنى عليها مفاهيم وعي وثقافة جديدة، حتى أن هذه المفاهيم والقيم المشوهة تتسيد والمفاهيم والقيم الحقيقية والإيجابية من صدق ومحبة ومحاربة الفساد ومظاهر البذخ والإسراف، والتوظيف على أساس الكفاءة والمهنية وغيرها، تصبح هي الشاذة ويتهم من يحملونها أو يتبنوها بـ«المخابيل» أو المغردين خارج السرب أو غير القادرين على تدبر أمورهم.

السلطات والدول في بلادنا ملك لعائلات، حتى أن دولة كالسعودية هي على اسم آل سعود، يتحكمون في مقدراتها وثرواتها وأبنائها كإقطاعية خاصة لهم حق التصرف فيها، ومنها قس على باقي أمورنا، مستعدين في إطار التجهيل وتأبيد التخلف واستمرار السيطرة على الناس والظهور بمظهر النساك والتقاة أن نبني في قرية صغيرة عشرة جوامع، ولكن لا مدرسة ولا عيادة صحية ولا متنزه أو ملعب.

معتقدين أن ثقافة الجوامع والكتاتيب ستخرج لنا علماء وقادة ومخترعين ومكتشفين، وبأن توفير ظروف وشروط حياة جيدة للناس، وإحداث تنمية جدية وحقيقية ترفع من مستوى وعيهم وحياتهم، هي «رجس من عمل الشيطان» يدفع بالناس نحو المجون والفسق والانحلال.

ما دمنا نمارس العقيدة كفروض فقط من دون أن تجرى ترجمة لروحها ونصوصها ومفاهيمها إلى أفعال وممارسة في أرض الواقع، فلن تقوم لنا قائمة، ليس المهم لا الوتر ولا التراويح ثماني ركعات أو عشرين ركعة، ما دامت لا تنهى وتردع من يمارسها عن الكذب والدجل والنفاق والسرقة والتستر على كل ما هو سلوك سلبي أو ظلم اجتماعي يقع على ضعيف.

استمرار مثل هذا الوضع سيقودنا إلى اتساع الفجوة بشكل كبير بيننا وبين الشعوب الأخرى، لكي نبقى أمة أسيرة أمجاد ماضية تتغنى بها، من دون أن نتقدم خطوة واحدة للأمام، أو نقدم للبشرية ما هو مفيد وإيجابي، فنحن في الألف سنة الأخيرة ليس لنا أي إسهام في الحضارة الإنسانية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2178158

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع راسم عبيدات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178158 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40