الخميس 11 حزيران (يونيو) 2015

الانتخابات التركية: نهاية أسطورة السلطان العثماني الجديد

الخميس 11 حزيران (يونيو) 2015 par راسم عبيدات

نتائج الانتخابات التركية تؤشر إلى أن تركيا ستدخل مرحلة الفوضى وعدم الاستقرار السياسي، وبأن المسألة لم تقف عند الخسارة الكبيرة التي مني بها حزب العدالة والتنمية، بل تضع علامات استفهام كبيرة على مستقبل «أردوغان» الذي كان يحلم باستعادة أمجاد امبراطوريته العثمانية على حساب الدم والجغرافيا العربية، ومعظم دول العالم بما فيها «إسرائيل» لم تأسف على اللطمة التي وجهها الناخب التركي لحزب العدالة والتنمية وللسلطان العثماني، ومن هو مرعوب ومربك مما حصل هما قطر وجماعة الإخوان المسلمين، فهذه ضربة في العصب الرئيسي، وضربة كبيرة ومؤلمة لحركة الإخوان المسلمين، خصوصاً بعد الضربة الأولى في مصر وخسارة السلطة هناك، وتصعب عليهما رؤية المنطقة من دون قيادة من قبل حركة «الإخوان المسلمين».

صحيح أن حزب العدالة والتنمية لم يفقد صدارته الحزبية من حيث عدد المقاعد التي حصل عليها في البرلمان، لكنه سيواجه مشكلة جدية في عدم القدرة على ترجمة الشعارات التي رفعها انتخابياً وكذلك عدم القدرة على تطبيق برنامجه، فـ»الخازوق» للحزب مكعب لا قدرة على تعديل الدستور ولا قدرة على تشكيل حكومة بشكل منفرد ولا قدرة على تشكيل ائتلاف حكومي، وحتى في حال تشكل تحالف حكومي واسع فستكون المعضلة الأساسية هي السياسة الخارجية لتركيا، بحيث تخرج من يد حزب العدالة والتنمية بقيادة «أردوغان»، بمعنى سياسة تركيا لن تقاد من قبل «الإخوان المسلمين»، وهذا يخلط الأوراق ويعقد ويصعب الأمور على السلطان العثماني الجديد «أردوغان».

ما تمخضت عنه انتخابات السابع من حزيران التركية، ليست قضيته وعقدته الجوهرية في تشكيل حكومة ائتلافية أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، فهذا هو بالضبط الشأن التركي الصرف الوحيد في الانتخابات ونتائجها، أما الشأن الإقليمي فهو أنّ السياسة الخارجية التركية لم تعد في يد «الإخوان المسلمين» ومشروع السلطنة، وصارت حاصل توازنات القوى الداخلية وما تشير إليه وفقاً لكلام قادة حزب الرئيس التركي الذي تلقى الصفعة المدوية في الانتخابات، بأنّ عقدة الحكومة الائتلافية هي السياسة الخارجية وخصوصاً مصير التدخل في سورية، وقادة المعارضة يتشاركون رفض المشروع الأردوغاني لسورية ويدعون إلى وقف الباب المفتوح لـ«القاعدة» بجناحيها «داعش» و«النصرة» نحو سورية.

العقاب لم يكن لحزب العدالة والتنمية وقيادته، بقدر ما كان عقاباً لسلطان الحزب، فهو بدأ قيادته للحزب بنظرية «صفر» مشاكل ولتصل في النهاية بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي لـ«صفر» أصدقاء.

فهذا السلطان العثماني أصبح شبيهاً بسلطان الدولة العبرية المغدور شارون هائجاً وتحول من ذخر لتركيا لعبء عليها، فهو يريد أن ينصّب نفسه كسلطان وحاكم للأمة الإسلامية، ليس ضمن مشروع يوحد الأمة، ويستوعب ويتسامح مع كل مذاهبها ومركباتها، فهو أوغل في خطابه المذهبي»السني، واستعدى كل من هو ليس من حركة الإخوان المسلمين، وتدخل بشكل سافر ووقح في الشأنيّن السوري والمصري، وناصبهما العداء، وإذا ما جرت تحقيقات حيادية لاحقاً فسيثبت مدى تورطه في دعم وتمويل وتسهيل دخول المال والرجال والسلاح للجماعات الإرهابية والتكفيرية في سورية «داعش» و«النصرة». ناهيك عن ردود فعله النزقة و«التوتيرية» في العديد من القضايا الدبلوماسية، والتوجه بتركيا نحو «الثيوقراطية» الدينية على حساب الديمقراطية، حيث شن حرب شاملة على استقلالية القضاء والحريات الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي، وكذلك مارس القمع بحق المتظاهرين في تقسيم وغيرها.

واضح أن الانتخابات التركية قالت ما يكفي لتغيير وجهة الحروب والتوازنات في المنطقة.

«الزلزال» الذي حصل في تركيا على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة ستكون له تأثيراته الكبيرة والجوهرية العميقة، ليس فقط على حزب العدالة والتنمية التركي، والوضع الداخلي التركي، بل التأثيرات ستطاول المنطقة والإقليم والعالم، وأول المتضررين من ذلك هو حركة الإخوان المسلمين، التي كانت رهاناتها وآمالها معلقة على «أردوغان»، وأيضاً القوى التكفيرية والظلامية والإرهابية المشاركة والمزجوج بها في الحرب على سورية، هي الأخرى أصبحت في دائرة الخطر وإعادة الحسابات، لما ستكون عليه أوضاعها بعد التحول الاستراتيجي في تركيا، فـ»داعش» الابن المدلل لتركيا، والذي شكل مصدر رزق تجارياً واقتصادياً لحكومة أردغان، من خلال شراء النفط المنهوب والمسروق من العراق وسورية، وكذلك الآثار، وبيعه السلع التركية، إضافة إلى ما كانت توفره تركيا من إقامة وفنادق لقياداته، وإدخال المال والسلاح لها.

و»جبهة النصرة» وقواعدها، مستودعات أسلحتها، مقرات القيادة، محطات الرصد والتجسس، دخول المال والسلاح والرجال. كذلك قطر وكيفية ستتعامل مع الوضع الناشئ، حركة المال إلى «داعش» و«النصرة» قدرتها على التأثير والفعل في داخل سورية، وبخاصة بعد هذا الزلازل، وسيطرة حزب الله والجيش السوري على كامل منطقة القلمون، وهي البوابة التي تقرر مصير الحرب على سورية.

أما «إسرائيل» والسعودية فتدرسان ما حصل بشكل دقيق ومعمق، لجهة التغيير في السياسة الخارجية التركية من سورية، واستمرار تمويل العصابات والجماعات الارهابية والتكفيرية «داعش» و«النصرة»، إضافة إلى قلق أميركي وفرنسي من حصول متغيرات في المنطقة، لجهة انتصار حلف طهران- دمشق، فأميركا كانت تراهن في ممارسة ضغوط كبيرة على طهران، لتقديم تنازلات كبيرة في محادثتها معها حول ملفها النووي، المزمع توقيع الاتفاق حوله في الثلاثين من الشهر الجاري، بعد سيطرة «داعش» على الرمادي العراقية وتدمر السورية، ولكن يبدو أن هذه الأحلام تتبدد، فالحرب على سورية سقطت في بيت أبيها، ولن تكون أو تقوم أي حكومة تركية جديدة لتكمل ما بدأه «أردوغان»، والسلطان العثماني الجديد تبددت على ضوء نتائج الانتخابات كل آماله، ولربما يساق مستقبلاً للمحاكم ليس بسبب سياساته الداخلية فقط، بل وتوريط تركيا في استعداء المحيط العربي والإسلامي، والتدخل في الشؤون العربية الداخلية وبالذات سورية ومصر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2178772

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع راسم عبيدات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178772 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40