الخميس 4 حزيران (يونيو) 2015

عن «الرباعية» ومبعوثها المستقيل

الخميس 4 حزيران (يونيو) 2015 par عوني صادق

بعد ثماني سنوات عجاف قضاها في منصب المبعوث الدولي، ممثلاً للجنة «الرباعية الدولية» المكلفة بتطبيق قرارات «الشرعية الدولية» المتعلقة بما يسمى «عملية السلام في الشرق الأوسط»، استقال توني بلير!

السلطة الفلسطينية، على لسان عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح)، نبيل شعث، أعرب عن سروره باستقالة بلير «لأنه لم يفعل شيئاً للقضية الفلسطينية»! لكن الحقيقة أن بلير فعل الكثير بالقضية الفلسطينية وليس لها، إذ لم يقصر في التغطية على الجرائم والانتهاكات «الإسرائيلية» ضد الشعب الفلسطيني، وساهم في إضعاف الموقف الفلسطيني وتهميش القضية الفلسطينية، وإدامة الوهم بأن هناك «عملية سلام» في المنطقة، ومنح حكومتي نتنياهو الوقت لتنفيذ الكثير من مخططاته في توسيع المستوطنات ومصادرة الأرض وتهويد القدس! وأكثر ما «يحسب» لتوني بلير تبنيه لمشروع نتنياهو فيما سماه «السلام الاقتصادي» جاعلاً من القضية السياسية مجرد «تحسين للحياة اليومية للفلسطينيين» باسم «بناء المؤسسات وتعزيز الوضع الاقتصادي» على حساب قضية إنهاء الاحتلال وحق عودة اللاجئين. أما موضوع استغلال منصبه لمصلحته الخاصة وجني الأموال باسم العمل «لإحلال السلام في المنطقة»، فذلك كان مجرد «مكافأة على البيعة»!!
ولعل «الشهادات» التي صدرت من رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، والمتحدث باسم الخارجية الأمريكية جيف رانكي، بل ومن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، واللجنة الرباعية نفسها، تدل بوضوح على طبيعة «المهمة» التي قام بها بلير أثناء تقلده المنصب. فقد ثمن نتنياهو «الدور» الذي أنجزه بلير كمبعوث دولي بقوله: «إن بلير قام بجهود كبيرة لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة»! أليس هذا مضحكاً وسط الحروب المحتدمة والتهديد المستمر للسلام والاستقرار في المنطقة؟!
أما جيف رانكي، الناطق باسم الخارجية الأمريكية، فقد أعرب عن أسف حكومته لاستقالة بلير، وهي «تقدر الجهود الثمينة التي بذلها في دعم السلام في الشرق الأوسط»! وأضاف يقول: «إن رئيس الوزراء البريطاني السابق أبلى بلاء حسناً في عملية السلام في الشرق الأوسط، وإن اللجنة الرباعية اعتمدت على خبرته ومهارته للدفع بعملية السلام قدماً»!! أي أكاذيب يحاول الناطق بلسان الخارجية الأمريكية أن يروجها في وقت يستطيع الأعمى أن يرى في أي درك تستقر «عملية السلام» المزعومة؟!
ولم يتخلف الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، عمن سبقوه في الإشادة بمجهودات بلير.
وكان طبيعياً أن تؤكد «الرباعية الدولية» تلك المجهودات التي بذلها بلير، فهي التي وضعته في المنصب لثماني سنوات. وقد زعمت في بيان لها أن «بلير أظهر خلال عمله مبعوثاً ميدانياً للجنة الرباعية على مدى السنوات الثماني الماضية التزاماً لا يتزعزع بالسلام بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين، وقدم مساهمة دائمة في الجهود الرامية لتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين الحياة اليومية في قطاع غزة والضفة الغربية»!! ويبدو أنه كان على الفلسطينيين، وفقاً لبيان «الرباعية» تقديم الشكر الجزيل للسيد بلير مقابل خدماته الجليلية لهم ولقضيتهم!
لكن توني بلير كان في نهاية الأمر، وللإنصاف، ليس أكثر من «موظف كبير» لدى «لجنة» تمثل القوى العالمية المسؤولة عن «السلام والأمن الدوليين» وتطبيق «قرارات الشرعية الدولية» الخاصة بالمنطقة. وقد مثل بلير، والحق يقال، هذه اللجنة أصدق تمثيل، والتزم بأهدافها أكبر التزام. فهذه «اللجنة» التي تشكلت في العام 2002، وصل إليها بلير في العام 2007، أي بعد فشلها المتواصل لخمس سنوات دون نجاح يذكر، فورث فشلها وتآمرها على الشعب الفلسطيني وقضيته من جهة، والتزم بأهدافها تلك من جهة أخرى، فكان الحصاد كله للبيدر «الإسرائيلي». وقد ثبت أن «تحقيق وإحلال السلام في المنطقة» لم يكن هدفها، بل كان الهدف خدمة المخططات «الإسرائيلية» وخدمة المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة في الوقت نفسه. وكانت الولايات المتحدة هي الدولة المقررة في كل ما يتعلق باللجنة، بينما كان الأعضاء الباقون فيها، بما فيهم الأمم المتحدة، شهود زور على القرارات الأمريكية، التي هي أصلاً «إسرائيلية»!
ليس ما قلناه في الفقرة السابقة عن «الرباعية الدولية» من قبيل الاتهام، بل هو ترجمة لأخر التقارير الذي قدمته اللجنة إلى «الدول المانحة» في اجتماعها الأخير في بروكسل، والذي عقد يوم 27/5/2015، حيث جاء فيه: إنه «في حين كان ينبغي أن يشهد العام 2014 تقدماً كبيراً نحو حل الدولتين، فإنه بدلًا من ذلك سيذكر بالصراع الدموي في غزة، والاضطرابات العنيفة في الضفة الغربية والقدس، نجد أنفسنا في وضع غير مستقر للغاية، مع مؤشرات قليلة على أن الحوار الجدي والمتواصل والمباشر بين «إسرائيل» والفلسطينيين سيبدأ في أي وقت قريب»!! هكذا تكون الحرب العدوانية على غزة، في لغة «الرباعية» صراعاً دموياً «تتساوى فيه مسؤولية الجلاد والضحية، وتكون الجرائم والانتهاكات «الإسرائيلية» في الضفة والقدس (لاحظ التمييز بين الضفة والقدس بما يتنافى مع اعتبار القدس جزءاً من الضفة) مجرد اضطرابات غير معروف المسؤول عنها، ما يكشف الخندق الذي تقف فيه اللجنة المكلفة بتطبيق «حل الدولتين» الذي لم يعد سوى عنوان للوهم والتضليل!
لقد كانت استقالة توني بلير خطوة جيدة ومطلوبة منذ زمن طويل كمؤشر على فشله وفشل اللجنة التي يمثلها في تحقيق ولو القليل نحو المهمة المعلنة لهما. لكن الأفضل منها كان ولا يزال استقالة اللجنة نفسها، إذ يكفي ما خربته في المنطقة وما زرعته فيها من أضاليل!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165995

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165995 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010