الخميس 28 أيار (مايو) 2015

هكذا فشل العرب والفلسطينيون في استعادة فلسطين؟!

الخميس 28 أيار (مايو) 2015 par صالح عوض

بالنظر إلى عمر القضية الفلسطينية خلال قرن من الزمن نكتشف عناصر مشتركة لكل محاولات الفلسطينيين والعرب في التصدي للمشروع الصهيوني هذا مع التأكيد أنه ينبغي عدم تناول الموضوع الفلسطيني في منأى عن الشأن العربي لأن هناك تلازما اضطراديا بين الحالتين، ولكن تقتضي الضرورة هنا أن نركز على معالجة الملف الفلسطيني..
لقد زُحزح العرب شيئا فشيئا عن أهدافهم المتمثلة في استعادة فلسطين بعودة اللاجئين والقضاء على الكيان العنصري.. ذلك لأنهم أدخلوا في مربعات من الصراع أتقن العدو تفوقه فيها، فكانت أفعالهم جميعا ردات مؤقتة أو انفعالية بعيدا عن الدرس واختيار الأفضل، فلقد سحبهم العدو إلى المواجهات العسكرية بشروطه حيناً وإلى المفاوضات بشروطه حيناً آخر، ومن خلال استدراجات خطيرة على صعيد العمل العسكري أو المفاوضات تمّ دفعهم إلى دوائر من العمل الذي أحبط بنتائجه آمالهم وفتت قواهم.. وهنا لا أريد استعادة ما ذهب إليه المفكر القومي صادق جلال العظم أو المفكر الحضاري مالك بن نبي مبكرا في انتقادات جوهرية لمشروع التحرر الفلسطيني.. لكني هنا أناقش مسببات ما نحن فيه من فشل وتمزق وضنك وابتعاد عن الأهداف.

لقد باشر العرب والفلسطينيون مواجهتهم للمشروع الصهيوني بالمقاومة المسلحة في ظل رؤية سطحية لطبيعة العدوان، ومن دون عقيدة عسكرية، ومن دون إعداد مكافئ لمواجهة العدوان، بل بترهل وعدم مسؤولية، الأمر الذي انتهى بهزائم متكررة وأحيانا بنكبات خطيرة.. والعدو يدرك من خلال خبرته بالمنطقة وثقافتها ومكوناتها أي مستوى من الرد العربي سيكون، وكانت الدعوة إلى المواجهة المسلحة في ظل شعارات عربية وفلسطينية صارخة هي من ضمن توقعات العدو الذي أعد لها العدة المضادة ليتحقق انتصاره بلا عناء.

لم يتولد الكفاح المسلح بناء على رؤية إستراتيجية للصراع، ولم يختر منهجا مناسبا لطبيعة المعركة مع مراعاة وضعية الشعب الفلسطيني وإمكانياته، ولم تسنده التعبئة المطلوبة ثم غابت عنه الرؤية السياسية الواضحة والمواقف الثابتة والأهداف المقدسة، فتحول إلى أن يصبح ورقة في مسلسل التفاوض ومحاولات التوصل الى اتفاقية ما.. غاب عنه أن يوضع في إطار حضاري يحافظ على تماسك الشعب وقوته ويحافظ على الرسالة الإنسانية لفلسطين وشخصيتها المتنوعة المتداخلة ويحقق على ضوء ذلك إنجازات بالمحسوس..

ونسرع قبل أن يفهم بعض المتابعين عكس ما يراد إلى القول: إن الكفاح المسلح فكرة مقدّسة لارتباطه بحق الشعب في الدفاع عن عناصر وجوده التي يعتدى عليها بالقوة... إلا أن كثيرا من الفوضى والانحرافات عن أهدافه السامية انتابته لينتهي إلى ظواهر يمارس البعض من خلالها تقاسم المواقع في المجتمع الفلسطيني في الوطن أو الشتات كما نعيش حاليا.. فلم يعد الكفاح المسلح سوى مظاهر عسكرية قد تؤدي مهمات عسكرية لكنها ليست “وطنية” بالضرورة.. وفي النهاية لم يصل إلا إلى العدم على صعيد الإنجاز الوطني كما يرى الجميع اليوم.. ذلك لأنه تحرك بمنطق بدائي وسطحي مدفوعا بمشاعر وعواطف وتصوّرات فكرية لإدارة الصراع غير صالحة.. ولم يأخذ في الحسبان إدراك الواقع وتبني آليات مناسِبة تستند إلى خصوصية القضية والزمان والمكان.. ورغم ما قدمه الشعب والأمة من تضحيات جسيمة تحت شعار الكفاح المسلح، وهي تضحيات عزيزة وكريمة وغالية ...وهنا من الضرورة التأكيد على أن النقاش لا يمس فكرة الكفاح المسلح في مواجهة العدوان والاحتلال، إنما يمس نظرية الكفاح المسلح وممارسة النظرية في حالة هي فلسطين بكل ما فيها من خصوصية الاستعمار إنه استعمار عنصري إحلالي.. وما يتوجب على ذلك من خصوصية الرد... إننا لسنا بصدد عمل عسكري كيفما اتفق بل إزاء كفاح مسلح ينبثق من حق الشعب لاسترداد سيادته ومن وعي بطبيعة المعركة وبالكيفية التي تجنبه النكبات.

أما العمل السياسي الفلسطيني والعربي لمعالجة القضية الفلسطينية فهو الآخر انتابته حالة من الجهل بطبيعة العدو واستراتيجيته وخططه، وكذلك بنقاط ضعفه. كما أنه مثل حالة من التخبط في إدارة الصراع وحالة من الفوضى في وضع تصور استراتيجي لمواجهة مشاريع العدو.. لقد ظن الذين نهجوا سبيل المفاوضات والاتصال بإسرائيل والإدارات الأمريكية المتعاقبة أنهم بتقديم التنازلات الجوهرية عن أهم شروطهم يسلكون سبيل العمل السياسي المناسب الذي به سينالون حقوقهم، وأنهم بالتزامهم بهذا الخيار يصبحون مقبولين لدى صانع القرار الدولي ليمنحهم وجودا على الخريطة السياسية، وضحّوا من أجل ذلك بمبدأ المقاومة المسلحة.. هذا كله بينما العدو يتقدّم على الأرض توسعا رأسيا وأفقيا ويتمدد خارج الوطن الفلسطيني في أوضاع جديدة تمثل رافعات لاستمرار استيطانه لفلسطين.. يتمدد العدو في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وفي الإقليم أمنيا واستراتيجيا واقتصاديا كما يفرض وقائع ديمغرافية وسياسية جديدة في فلسطين، وذلك كله في ظل عبثية الفعل السياسي الفلسطيني والعربي المذهلة.

من المهم هنا أن نؤكد أن كل ما قد تم إنجازه على صعيد عمليات التسوية في المنطقة من معاهدات صلح مع بعض الدول العربية أو اتفاقيات هدنة وغيرها لم تنه الصراع المحتدم في المنطقة.. إن كل مشاريع التسوية في المنطقة كانت مشاريع صراعية، لأنها تكرس الحالة العنصرية الدينية الصهيونية، بل وتولد عنصريات متنوعة طائفية وقومية تزيد من حدة الاشتباك بين عناصر تكوين المنطقة.

لقد كان الكفاح المسلح العربي والفلسطيني فاقدا للقاعدة الفكرية الحضارية التي تجعله أداة مفيدة للقضية والشعب لا أن تعزل الفلسطينيين وتلحق بهم الأذى الكبير.. ولقد استغنى بشعارات عامة أو بايديولوجيا حزبية تحاول فرض رؤيتها الخاصة ولم يجعل من الكفاح المسلّح مجالاً لتنامي الفعل ونفاذيته والانشغال بتطوير أدائه بعيدا عن التجاذبات السياسية والإيديولوجية.. فهاهو الكفاح المسلح الفلسطيني والعربي تجاه القضية الفلسطينية إما قد أصبح ملغيا أو موسميا أو مجمدا أو قد أعلن عن إفلاسه وعدميته، والعمل السياسي الذي ارتكز إلى إقناعهم بالحل السلمي وأن لا فائدة الا في العمل السلمي انتهى إلى سراب لأنه مجددا غاب عنه فهم طبيعة العدو وطبيعة الصراع..

من هنا بالضبط كان واجبا على المفكرين والمثقفين الفلسطينيين والعرب أن يبحثوا عن جملة ثقافية فكرية تكفي لتحريك العجلة كلها في اتجاه إنجاز مكتسبات تحدِث بفعل التراكم الانتصار الأكبر بإنهاء هذه القضية التي طال عليها الزمن وأنشأت من الكوارث في المنطقة ما هو قابل للتوسع والتعمق.. إن الانطلاق من هنا يعني أننا ننبعث إلى عالميتنا العربية الإسلامية الثانية.. تولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 85 / 2165442

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165442 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010