الأحد 15 آب (أغسطس) 2010

مفاوضات مباشرة أوغير مباشرة : إلى أين؟!

الأحد 15 آب (أغسطس) 2010 par د. فوزي الأسمر

برهنت «إسرائيل» منذ قيامها أنها غير معنية بصورة جدية بأية مفاوضات، بل تريد محادثات. والفرق واضح. المفاوضات عادة ملزمة، وهدفها الأساسي إيجاد الآلية للوصول إلى الهدف الذي اتفق عليه مسبقاً، ويتحتم التوصل إليه، ويُحّمل الجانب الذي يخل به المسؤولية التاريخية. في حين أن المباحثات غير ملزمة فهي تدور حول الأهداف التي يريد الطرفان تحقيقها وفي كثير من الأحيان تنتهي بلا فائدة.

فهذا الموقف «الإسرائيلي» ليس جديداً، فقد عبر عنه أحد قادة اليمين «الإسرائيلي» وهو إسحاق شامير، رئيس وزراء «إسرائيل» السابق، في أعقاب مؤتمر مدريد في بداية التسعينات، حيث قال أنه كان في نيته جر المباحثات لمدة عشرين سنة. وقد صدق في مقولته. فها نحن، وبعد عشرين سنة نرى أنفسنا نسير في «مكانك عد»، إن لم نكن قد خطونا عدة خطوات إلى الخلف.

وبرهنت «إسرائيل» أيضاً أنها غير قادرة على الوصول إلى سلام مع الفلسطينيين. فلو كان الأمر غير ذلك لتمسكت بواحدة من عشرات المبادرات الفلسطينية والعربية التي طرحت على الساحة خلال عشرات السنين الماضية. أو جاءت هي بمبادرة معقولة تطرحها على طاولة المفاوضات إلا أنها لم تطرح أية مبادرة منذ قيامها. وبقيت الأمور تسير في : مكان عد.

فالسؤال إذن ليس : هل يجب أن تكون هناك مباحثات أو حتى مفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة، بل السؤال هو هل ستكون نتيجة هذا اللقاء مثلها مثل اللقاءات السابقة؟ وهل يمكن العمل على تجنب هذه الحقيقة؟

فأثناء زيارتي الأخيرة للوطن وجدت الناس في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 غير متفائلين من أية مفاوضات، بما فيهم سيادة المطران د. عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس (وعضو المؤتمر القومي العربي) الذي كان لي شرف اللقاء معه، غير مقتنعين بأن «إسرائيل» تريد أن تصل إلى سلام أو حل مقبول بل أن الاقتناع هو أنها غير معنية وغير قادرة.

وقال سيادة المطران د. حنا لو كان في نية الصهاينة الوصول إلى حل عادل وسلام دائم لما قاموا بتدمير آثار مسيحية تعود إلى العهد البيزنطي : «إنهم يريدون تهويد المدينة المقدسة بكل مقدساتها المسيحية والإسلامية وبالتالي السيطرة على جميع الأراضي المحتلة بشكل أو آخر».

وقال أكثر من شخص أن كل هذه الألاعيب هي مضيعة للوقت، وسنعود بعد فترة لنجد أنفسنا نقف في المربع الأول الذي بدأنا منه : لا سلام، ولا دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، ولا إيقافاً في بناء المستعمرات اليهودية على الأراضي المحتلة، ولا حد لطرد السكان العرب من منازلهم ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم. كما تبين أن كل التعهدات، والإتفاقيات التي أبرمت بين الجانبين لم تكن إلا كلاماً في الهواء وحبر على ورق فقط.

وهذا الكلام ليس تشاؤماً ولا انهزامية في التفكير بل إنه يستقي الحقائق من الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة منذ 1967.

وبلا شك أن «السلطة الفلسطينية» والدول العربية واقعة تحت ضغط أمريكي وغربي لقبول الدخول في المباحثات المباشرة. ولكن هذه الدول، على قدر المعلومات المتوفرة، لم تقدم للفلسطينيين أية ضمانات تتعلق بمستقبلهم في حالة تراجع «إسرائيل»، كعادتها، عن تنفيذ ما قد يتوصل الطرفان إليه، هذا إذا توصلا. وأمام الفلسطينيين تجارب كثيرة في «كامب ديفيد» إلى «واي بلنتيشن»، وأمامهم كذلك تجربة «أنابولس» التي شاركت فيها كل الدول العربية وعادت بخفي حنين.

إذن هناك حلقة ناقصة. دخول هذه المفاوضات بدون ضمانات خطية واضحة من الدول العظمى تضمن فيها نتائج لمثل هذا اللقاء، فأن الأمور تكون كما يقول سكان الأراضي المحتلة والمنطق أيضاً «مضيعة للوقت». ولكن هذه الدول لن تعطي مثل هذه الضمانات، إلا إذا قررت الدخول في مواجهة علنية مع «إسرائيل»، وهذا حلم بعيد المنال الآن. وبالتالي فإن دخول الفلسطينيين في مثل هذه اللقاءات سيكون حقيقة مضيعة للوقت.

والواقع أن وجهة النظر هذه لم تقتصر على الرأي العام الفلسطيني في الأراضي المحتلة، بل يشاركهم فيها فلسطينيو 1948، وحتى بعض المفكرين اليهود الغيورين على مستقبل أولادهم وأحفادهم.

فقد أذيع خبر لقاء تم بين صائب عريقات وبين الوزير «الإسرائيلي» السابق، حاييم رامون، حيث حث رامون عريقات على عدم الدخول في مفاوضات مباشرة لأن الحكومة الحالية غير معنية أو قادرة على الوصول إلى حل مع الفلسطينيين، ينتهي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وطبعاً أثار هذا الخبر ردود فعل ليس فقط لدى القادة «الإسرائيليين»، بل لدى البيت الأبيض وبعض الدول الأوروبية، ونعته بعض القياديين «الإسرائيليين» بأنه «خائن».

ففي يوم 1/8/2010 كتب المحلل السياسي الجريء جدعون ليفي مقالاً في صحيفة «هآرتس» عنوانه «صدق رامون»، قال : «إن رامون يعتقد بأنه ممنوع على الفلسطينيين الدخول في مفاوضات مع بنيامين نتنياهو. إنه يعرف، مثل الكثيرين غيره، أنه لا يوجد لهذه المفاوضات أية حظ (في النجاح)، وربما يعتقد أن مثل هذه المفاوضات تلحق الضرر أيضاً».

ويضيف ليفي في مقاله : «إن الخائن الحقيقي هو رئيس الحكومة الذي يحاول أن يضلل الجميع «الإسرائيليين» والفلسطينيين والأمريكيين. رئيس الوزراء الذي صرح كما جاء في صحيفة «هآرتس»، أن استمرار تجميد البناء في مستوطنات غير ممكن من الناحية السياسية لأنه سيؤدي إلى إسقاط حكومته، يؤكد أنه رئيس حكومة خان منصبه».

ولا بدّ في هذا السياق من التساؤل عن الأسباب الحقيقة التي دفعت لجنة المتابعة العربية منح «السلطة الفلسطينية» الضوء الأخضر للدخول في مفاوضات مباشرة، والجميع يعلم أن نتنياهو غير معني في الوصول إلى حل؟ هل لدى جامعة الدول العربية ضمانات سرية تؤمن نجاح مثل هذه المفاوضات؟ أم أنها قررت أن تحمل الفلسطينيين مسؤولية نتائج هذه المفاوضات، ورفع يدها عن هذه المسؤولية خضوعاً لضغوط أمريكا والغرب؟

فهناك من يقول : ولكن ما بيدنا حيلة. وطبعاً هذا شعار انهزامي. هل طرح السؤال : لماذا يريد نتنياهو الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين؟ إن هذا التحرك جزء من مخطط صهيوني أوسع يهدف إلى إظهار أن الفلسطينيين يرفضون السلام لأنهم دخلوا المفاوضات دون أن يتنازل نتنياهو عن شروطه التي رفضها الفلسطينيون والعرب وشروطه كلها صهيونية، وبالتالي يستمر الوضع القائم ويعرف نتنياهو أن هذا ليس لصالحه.

والولايات المتحدة تريد أن تنفذ إستراتيجيتها في منطقة «الشرق الأوسط»، والقضية الفلسطينية عقبة في طريق هذا التنفيذ. ولهذا تعمل جاهدة على الوصول الى أي حل، وفي هذه الحالة بالشروط «الإسرائيلية» المرفوضة.

إذن الرفض الفلسطيني لمثل هذه المفاوضات العارية، أي بدون أية ضمانات حقيقية، ليس فقط من الدول العظمى بل من الأمم المتحدة أيضاً، له قوة كبيرة، ويستطيع أن يضع الكثير من النقاط على الحروف. فـ «الإسرائيليون» هم المحاصرون وهم الذين يحاولون كسر هذا الحصار على الحساب الفلسطيني.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2178505

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178505 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40