الخميس 30 نيسان (أبريل) 2015

لنتفق حول المستقبل

الخميس 30 نيسان (أبريل) 2015 par محمد سليم قلالة

لا يمكن أن يَدَّعي أحد اليوم أنه يمتلك بدائل سحرية لحل مشكلاتنا المختلفة في المدى القريب أو ضمن حدود المستقبل المباشر. لدى كافة الجزائريين قناعة، هي في الغالب غير معلنة، أنه ينبغي ترك الأوضاع تسير على ما هي عليه الآن والعمل بصبر وثبات وبصيرة وأفق واسع ضمن الآجال المستقبلية متوسطة وبعيدة المدى لتمكين بلدنا من أن ينتقل إلى مستوى جديد من التنمية والتماسك الاجتماعي والسياسي… يكون شعار هذه القناعة: بدل الاختلاف حول الماضي، والتناحر حول الحاضر، لنتفق حول المستقبل...

هناك أطروحتان سائدتان اليوم بشأن كيف ومتى يمكن أن يحدث الانتقال النوعي لبلادنا نحو مستوى آخر من الأداء السياسي والاقتصادي ومن التماسك الاجتماعي غير الذي هي عليه الآن ويتفق الجميع أنه استنفد قدراته وحلوله ورجاله. الأولى تعتبر أن أي تأخر في الحل إنما هو مضيعة للوقت، وتكريس لمزيد من الرداءة في السلوك على كافة المستويات، وأن الحلول الفورية والعاجلة لم تعد فقط ضرورية بل هي مُلِحة وينبغي الإسراع بها اليوم قبل فوات الأوان. والثانية ترى أن تكلس الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتحجر الكثير من الذهنيات والمشكلات والأشخاص، وتشكُّلها ضمن قوالب غير قابلة للكسر حتى باستخدام كافة الوسائل، لا حل معه إلا بالعمل على المدى المتوسط والبعيد أي من خلال التعاطي مع المستقبل بدل الماضي والحاضر.

وبالرغم مما يبدو للوهلة الأولى أن الأطروحة الأولى هي للمعارضة والثانية هي للموالاة فإن حقيقة الأمر تُبين أن الأطروحتين تتقاسمهما كل من المعارضة والموالاة بقدر اتساع دائرة الرؤية عند كل منهما في مستوى بعض القيادات أو الرموز.

إذ كثيرا ما يُسِر إليك من يضعون أنفسهم اليوم ضمن مسعى الموالاة (من النزهاء والوطنيين) أن الأمر لا يتعلق بموافقتهم، وإن كان على مَضض، على الوضع القائم، ولا يتعلق برضاهم عما يرونه على أرض الواقع من ترد للأوضاع، إنما عن كونهم لا يرون أن الحلول “الآنية” يُمكنها أن تُحقق الأهداف المنشودة. بالعكس، من وجهة نظر هؤلاء، أن الوضع القائم، صحيح أنه يحمل الكثير من مؤشرات التدهور وبخاصة ما تعلق منه بالفساد وفقدان قيمة العمل وهَيمنة قيم الولاء المنافق على قيم الكفاءة والفعالية، إلا أنه لا يستلزم حلا سريعا (في الوقت) بالنظر إلى ما قد يترتب على ذلك من إمكانية انهيار كل البنيان دفعة واحدة وعلى الجميع، وتبعا لذلك فقدان كل إمكانية لإعادة إقامته، بما يترتب على ذلك من دخول للدولة الجزائرية وليس السلطة في متاهة الصراع من أجل البقاء على شاكلة الكثير من الأقطار العربية التي زجت بنفسها في أتون صراعات داخلية دموية باسم البحث عن الحرية والتغيير الديمقراطي، ولن يتوقف ذلك إلا بعد أن يتسبب في خسائر جسيمة يصعب تعويضها في المدى المتوسط وحتى البعيد اللذين كان بالإمكان انتظارهما...

وفي هذا المستوى تكون هذه الأطروحة قد شكّلت لنفسها نقطة تماس مع الأخرى يمكن الانطلاق منها في تصور للحل.

ولعل هذا ما يتجلى في عبارة صاغها لي مواطن نال منه هم البلاد ما نال بطريقة بسيطة وبلا غموض: “جميعنا نعرف حقيقة الأوضاع وحقيقة المشكلات وحقيقة القيادات وأكثر من المعارضة ذاتها، ونريد أن نرفع صوتنا أكثر من أي كان، ولكننا نريد حلا لا يغالب الوقت إنما تكون آجاله المديين المتوسط والبعيد”، أي حلا يحمل العبارة التي أصوغها بنفسي: اتفاقا حول المستقبل بدل البقاء ضمن متاهة الاختلاف حول الماضي والتناحر حول الحاضر.

وهذا ما يعني، من وجهة النظر هذه، أن أي خطاب “استعجالي” إنما يكون بمثابة الخروج عن هذا المجال بعيد المدى، ويدفع باتجاه مواقف تناحرية يصعب التكهن بنتائجها إن لم يكن الأرجح أن تكون نتائجها وخيمة.

أما الخطاب الذي يمكن أن نصوغه ضمن أبعاد المستقبل فهو الذي يمكن أن يترجم سياسيا في شكل أرضية اتفاق حول المستقبل تتضمن كافة الحلول التي نراها عبقرية بامتياز.

وهكذا يمكننا أن نكشف الزيف من الخطإ. نعرف من لديه بحق حلول للمشكلات على المدى المتوسط والبعيد، ومن لا قدرة لديه إلا النظر ضمن حدود المستقبل المباشر ما دون السنتين أو الأربع. وسنميز في هذه الحالة بين المسارعين إلى السلطة لأجل السلطة ومن لديهم بحق مشروع مستقبلي للبلاد يمكنه أن يُخرجها من الحال التي هي عليها الآن غير المرتبطة بأشخاص بعينهم، سواء بالبقاء أم بالذهاب، ولا بفترة زمنية ضاغطة تمنع التمييز بين من لديه تصور حقيقي ومن يوهم الناس بذلك، ولا إشكال لديه إن فشل أو تم التراجع عنه كما في خبرتنا السابقة ما دام الهدف قد تحقق من خلال الوصول إلى السلطة.

ولعلنا نزعم أن هذا التحليل يُعد في آخر المطاف الأكثر قدرة على التطابق مع ما يتم اقتراحه من هذا الطرف أو ذاك في المجال السياسي. وهو وحده الذي يمكننا من قراءة صحيحة لحلول متداولة اليوم كحكومة الوفاق وحكومة الوحدة الوطنية أو أي صيغة من الصيغ التشاركية الأخرى لتسيير شؤون البلاد.

إننا نتصور أن أي حل من هذه الحلول لا يمكنه أن يحقق أهدافه إذا لم يوضع بحق ضمن أفق المستقبل. لا يمكننا أبدا بلوغ المخرج الصحيح والسليم والدائم إذا لم نجلس جميعا الآن وسويا، لنحل مشكلة الغد قبل أن تتحول إلى حاضر ونغرق فيه كما هي الحال اليوم. لقد قيل إن مشكلات اليوم كانت بالأمس حلولا، ولكننا لم ننتبه إليها...



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2178631

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع سليم قلالة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

52 من الزوار الآن

2178631 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 46


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40