الخميس 16 نيسان (أبريل) 2015

هل يغير “AIIB” العالم والتاريخ؟

الخميس 16 نيسان (أبريل) 2015 par د.احمد جميل عزم

تأسس يوم الثلاثاء الماضي، رسمياً، “البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية” (AIIB)، بقيادة الصين، رغم تحريض الولايات المتحدة الأميركية ضده. وجاء التأسيس بمشاركة دول أوروبية وعربية رئيسة، وأثار تكهنات أننا أمام لحظة تاريخية تتضمن تحدياً للنظام الدولي المالي والاقتصادي العالمي الذي تأسس بعد العام 1944 بقيادة واشنطن، ويعرف باسم نظام “بريتون وودز”، وأهم مؤسساته البنك وصندوق النقد الدوليين.
ربما يكون تأسيس البنك مهما جداً فعلا، ولكنه لا يصل مرتبة اللحظة التاريخية الحاسمة. وإن كان ممكناً أن يكون فعلاً تحدياً حقيقياً للمؤسسات بالقيادة الأميركية، إلا أن ذلك ليس بالضرورة لصالح الصين، بقدر ما هو لصالح تبلور نظام جديد “غير عالمي”، أو قيام أنظمة عالمية متعددة.
تأسس البنك الآسيوي بمشاركة 52 دولة، منها بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وسويسرا، وأستراليا، والإمارات، والسعودية، ومصر، والأردن، هذا رغم أنّ واشنطن دعت حلفاءها إلى عدم المساهمة في البنك، وبررت معارضتها بأنّه لا يمكن ضمان معايير العمل وعدم الفساد في البنك الصيني. وهو ما يصعب أن يقنع، ولم يقنع، أحدا فعلاً؛ إذ لا يمكن، مثلا، تجاوز أنّ الصين نفسها صدّرت العام 2014 بضائع للولايات المتحدة بما قيمته 466.6 مليار دولار، واستوردت بأكثر من 124 مليار دولار. وبهذا، فالصين أكبر مورد للبضائع للولايات المتحدة، كما أنها أكبر دائن للحكومة الأميركية، خصوصاً من خلال شراء سندات الخزينة الأميركية. وهكذا، فالتجارة والاستثمار بين البلدين على ما يرام.
يبلغ إجمالي الناتج القومي الأميركي نحو 17.4 تريليون دولار، مقابل 10.3 تريليون دولار للصين. وهما الاقتصاد الأول والثاني في العالم، وبينهما علاقات تجارية استراتيجية. لذا، لا تبدو احتجاجات واشنطن مفهومة كثيراً اقتصادياً.
وتكمن أهمية البنك الذي يبلغ رأسماله 50 مليار دولار، في أنّه يبدو كمن يتجاوز البنك وصندوق النقد الدوليين، ويعطي نافذة جديدة للاستثمار في العالم. والواقع أنّه لا يمكن تجاهل رؤية أنّ الصين صاحبة قوة تصويتية ضعيفة في صندوق النقد الدولي (4 %) مقابل 17.69 % للولايات المتحدة، وفي البنك الدولي (5.1 %)، مقابل 17.3 % للأميركيين. ومنذ العام 2010، اتُخذ قرار بتعديل طفيف يزيد نسبة أصوات الصين ودول أخرى، لكن منذ ذلك الوقت والكونغرس الأميركي يعطل تنفيذ القرار، كما عارضت وعرقلت بنوك أميركية فرض معايير عالمية بواسطة “مجموعة العشرين” على عملها، كجزء من معايير عالمية شاملة.
أحد أسباب دخول دول العالم البنك الجديد (لم jستجب تقريبا سوى اليابان للرغبة الأميركية)، هو أنّ هذا يفتح الباب لعلاقات استثمارية وتجارية في آسيا. فمثلا، ركز الإعلام الروسي على أن عضوية موسكو في البنك تفتح أمامها باب التنفيذ والمشاركة في استثمارات في آسيا.
من المبكر توقع أن البنك منافس بحد ذاته للبنك وصندوق النقد الدوليين. لكن أهمية البنك، برأيي، أنّه خطوة أخرى لتقليص الاعتماد على المؤسسات النقدية والاقتصادية العالمية. فالصين، مثلا، ما تزال عملتها غير فاعلة جداً في التبادلات التجارية، وبنسبة لا تزيد على 2 % مقابل 45 % للدولار. ووقعت أحداث أكبر عالميا في العقود الأخيرة، بدا لها ذات الأهمية أو أكثر، إنما من دون أن تُحدث انقلابا حقيقيا في الاقتصاد العالمي؛ من مثل إنشاء عملة اليورو. فضلا عن أن هناك سؤالا مهما هو: هل سينجح البنك، وإلى أي مدى، في توفير مبلغ 8 تريليونات دولار تحتاجها آسيا للاستثمار في البنى التحتية؟ لكن إذا أضفنا البنك الجديد إلى وجود آليات إقراض وتمويل أوروبية أيضاً خاصة بأوروبا، فإننا يمكن أن نشهد حالة جديدة، هي تقليل عالمية ومركزية المؤسسات الاقتصادية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، هذا فضلا عن مناطق التجارة الحرة الإقليمية، كما في حالة الاتحاد الأوروبي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي تقلص أيضاً أهمية إجراءات منظمة التجارة العالمية.
الدول التي دخلت البنك الآسيوي ليست ضد الولايات المتحدة، ولا ضد تطوير العلاقة التجارية والاستثمارية معها، بما في ذلك الصين ذاتها. لكن هذا لا يمنع أنّ العرقلة الأميركية لإصلاح مؤسسات الاقتصاد العالمية تؤدي إلى خلق منافسين لهذه المؤسسات وللنظام الدولي المرتبط بها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 54 / 2178431

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178431 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40