الجمعة 13 آب (أغسطس) 2010

هدف المؤامرة هو الوطن العربي كله

الجمعة 13 آب (أغسطس) 2010 par د. سمير كرم

اذا لم نستطع ان ندرك المؤامرة الكبرى الراهنة على «حزب الله» ـ بأبعادها المحلية والإقليمية والعالمية ـ فإننا نتعرض لفهم قاصر عن معرفة الاحتمالات التي يمكن ان تؤدي اليها المؤامرة.

إن «المؤامرة على حزب الله» تعبير يمكن ان يقتصر في رؤاه ورؤيته على حقيقة ان التصويب كله - من الجهات المشاركة في المؤامرة - هو باتجاه «حزب الله». ولا يختلف الحال اذا كان التصويب يأخذ صورة إطلاق الاتهامات على «حزب الله» في قضية مقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، او يأخذ صورة التهديد بحرب على البنى العسكرية وغير العسكرية للحزب في أنحاء لبنان، او يأخذ صورة التهديد بفصل سوريا عن تحالفها الاستراتيجي مع ايران لفصم حلقة الوصل الاستراتيجية بين الحزب وسنده الاقليمي ايران. بل إن التصويب على «حزب الله» يمكن ان يتخذ اشكالاً اخرى من نوع اتهام الحزب بأنه تنظيم شيعي مناهض - إن لم نقل معاد - للمسلمين السنة، خاصة في البلدان الاسلامية ذات التوجه المناهض لأي مقاومة، حتى الدبلوماسية، ضد «إسرائيل» والولايات المتحدة.

لكل من هذه الاتهامات أبعادها وأدوارها التي ترمي الى محاصرة «حزب الله» في موقعه اللبناني حيث يبقى بعيداً عن دوره العربي الأوسع.

ولا بد ان نتوقع ان يستمر التصويب على «حزب الله» من هذه النواحي والزوايا، ولا بد ان نتوقع ايضاً ان تظهر محاولات جديدة تختلف عن هذه وتلك، لإطلاق الحروب العقائدية والسياسية والاعلامية والدعائية والعسكرية ضد الحزب، ظناً من المهاجمين بأن هذه الهجمات كفيلة بوضع الحزب في حالة حصار يفقد فيها القدرة على الدفاع عن كيانه واستمرار نضاله من أجل أهدافه القومية. مع ذلك فإن التطورات الاخيرة لهذه المؤامرة - وخاصة أبعادها العالمية التي تشمل التلويح باتهام الحزب من جانب المحكمة الدولية التي تنظرفي قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق الشهيد رفيق الحريري - تظهر أن الاطراف المتآمرة تميل الى اختيار الهجمات السياسية الدعائية، وحتى الوصول بها الى اقصى درجات الغوغائية في لا عقلانيتها، مما يدل على ان الخيار العسكري الذي كان على مدى السنوات منذ اوائل الثمانينيات وحتى قبل تأسيس «حزب الله» ومنذ اواخر الاربعينيات مع تأسيس دولة «إسرائيل»، لم يعد هو الخيار المفضل او الخيار المضمون النتائج من جانب الكيان الصهيوني.

مع ذلك لا بد من ان ندرك ان الخيار العسكري لم يزح جانباً. إن المخططين الاستراتيجيين «الإسرائيليين» والاميركيين يجدون انفسهم امام مأزق حرج في تردد القادة العسكريين في تكرار تجربة حرب صيف عام 2006 خشية الوقوع في هزيمة اكبر حجماً وأوسع مدى من تلك التي انتهت اليها المواجهة العسكرية الأكثف مع «حزب الله». ولكنهم لا يملكون ترف اختيار الابتعاد عن الخيار العسكري وإن كانوا يعرفون ان «حزب الله» أقوى الآن مما كان قبل اربع سنوات، كما يدركون ان علاقات التحالف الإيرانية السورية مع الحزب ازدادت قوة على الرغم من الضغوط التي لم تتوقف لحظة على اطراف هذا التحالف الثلاثي والتي شاركت فيها قوى عربية تعتبر ان هذا هو دورها الإقليمي الأوحد الباقي لها على ساحة «الشرق الاوسط».

ينبغي ان نعي - من خلال متابعة دقيقة ودؤوبة للأدبيات الاستراتيجية «الإسرائيلية» ان «حزب الله» - من منظور العدو الصهيوني الاستراتيجي العسكري - ليس مجرد حزب «مسلح لبناني». إن المفكرين الاستراتيجيين «الاسرائيليين» والاميركيين المتابعين لـ «حزب الله» كظاهرة إنما يقيمونه الآن باعتباره حزب المقاومة العربية. وهذه رؤية صحيحة وإن كانوا لا يصرحون بها. وعلى هذا الأساس فإن الهاجس الذي لا يغادر تفكير الاستراتيجيين الصهاينة ابداً هو ان يصبح في المنطقة العربية اكثر من «حزب الله» الواحد الذي نعرفه. بل إن هاجسهم في المدى البعيد ان تتكرر ظاهرة «حزب الله» في عدد من البلدان العربية، خاصة التي تشكل جغرافياً خطراً مباشراً على «إسرائيل».

إنها فكرة لا يعتبرها هؤلاء مستحيلة سواء من الناحية النظرية او من الناحية العملية. ونستطيع ان نقول إنهم محقون في ذلك آخذين في الاعتبار الشعبية التي يتمتع بها «حزب الله» في اكثر بلدان الوطن العربي، وفقاً لاستطلاعات الرأي الغربية (الاميركية خاصة) التي جرت في الاسابيع الاخيرة، والتي اظهرت في الوقت نفسه ان العرب المسلمين يثقون اكثر ما يثقون بإيران، بينما يعتبرون الولايات المتحدة اعدى أعدائهم لا تسبقها سوى «إسرائيل».

إن «حزب الله» هو التنظيم القاعدة للمقاومة العربية (اذا استعرنا تعبير الاقليم القاعدة من نظرية القومية العربية من المفكر العربي نديم البيطار). انه التنظيم القاعدة للمقاومة ضد الصهيونية و«إسرائيل».

منذ أيام قليلة (7/8/2010) كتب سفير اميركا السابق لدى «إسرائيل» ثم لدى مصر دانييل كيرتز تقريراً في صورة مقال على موقع «مجلس العلاقات الخارجية» الاميركي حول الاشتباك الاخير الذي جرى بين الجيش اللبناني والجيش «الاسرائيلي» قرب بلدة العديسة اللبنانية. تحدث فيه مطولاً عن «حزب الله» من موقع المؤيد المتحمس لـ «حزب الله». قال كيرتز إن ««حزب الله» أعاد التسلح بصورة مطردة وأصبحت ترسانته الآن اكثر قوة كيفاً وكماً. ويمكن لـ «إسرائيل» ان تفترض ان الخطر على أمنها القومي زاد بصورة لا يمكن التهاون معها فتوجه ضربة الى «حزب الله» لتقليص قدراته العسكرية. كما ان نشوب صراع بين «إسرائيل» و«حزب الله» يمكن ان يشمل مهاجمة «إسرائيل» من جانب الحزب».

وقال كيرتز - الذي يشغل الآن منصب استاذ دراسات السياسات الـ «شرق أوسطية» بجامعة برينستون الاميركية ـ «إن لدى «إسرائيل» مخاوفها الأمنية المشروعة من انشطة «حزب الله» وسوريا في لبنان. ويجب ان تبدي الولايات المتحدة تفهمها لوضع «إسرائيل» ... »، وينتهي السفير السابق الى انه يتعين «على ادارة (الرئيس الاميركي) اوباما ان تدرس الآن وبشكل عاجل إمكانية استغلال العمليات العسكرية في لبنان لطرح مبادرة دبلوماسية ضمن عملية السلام الأوسع. وسوف يترجم توفير القيادة التي يمكنها تقليل وقت الاعمال العدائية ومجالها الى رصيد دبلوماسي للولايات المتحدة لإحراز تقدم في محادثات السلام».

ويكشف هذا التقرير الدبلوماسي عن تواضع كبير في اهداف الصهيونية الاميركية الداعمة لـ «إسرائيل». بل يكشف عن توقع بأن تضطر الولايات المتحدة للتدخل في حالة حرب بين «حزب الله» و«إسرائيل» من اجل إنقاذ «إسرائيل» من امتداد زمني ومكاني لهذه الحرب.

وليس مستغرباً بعد هذا ان تركز الاجهزة الاميركية و«الإسرائيلية»، التي تلعب اكبر الادوار في التخطيط ضد «حزب الله»، على محاولة تجريد هذا الحزب من السمات التي تجعله تنظيماً مختلفاً عن التنظيمات التي انصرفت عن المقاومة الى اساليب الدبلوماسية الاميركية ـ «الإسرائيلية» منذ مؤتمر مدريد، وخاصة منذ اتفاقات اوسلو التي تحولت الى حبر على ورق شأنها شأن كل التعهدات «الإسرائيلية» .. او تنظيمات على غرار تلك التي تشغل لبنان بهموم الحرب الاهلية لمصلحة «إسرائيل» والتي تجعل قضية لبنان الاولى الانسلاخ من جذوره القومية او التحول الى كانتونات منفصلة يمكنها ان تطلب وتنال حماية «إسرائيل» ورعايتها.

يزيد من مخاوف «إسرائيل» شعورها بأن الولايات المتحدة قد تكون موشكة على الدخول في مفاوضات مع إيران لإنهاء النزاع حول «الملف النووي الإيراني» وهذا ـ حسب قول مؤسسة «ستراتفور» المخابراتية الخاصة الاميركية (5/8/2010)- «يشكل خطراً على «إسرائيل» يتجاوز خطر الدول العربية، ومن وجهة النظر «الإسرائيلية» يمكن ان يقوض مصالح الامن القومي «الإسرائيلي»».

وتقول «ستراتفور» في هذا الصدد إن «من بين كل الاخطار التي تواجهها «إسرائيل» فإن «حزب الله» هو الخطر الأكبر».

وليس من قبيل الصدفة ان الصحافي «الإسرائيلي» ذي التوجه اليساري جدعون ليفي كتب في السياق ذاته - تعليقاً على اشتباك العديسة بين الجيش اللبناني والجيش «الإسرائيلي» - ان الجيش اللبناني اصبح في ضوء هذا الاشتباك والدور الايجابي الذي أداه فيه ونجح في قتل قائد الكتيبة «الإسرائيلية» «قريباً من أعصاب «حزب الله»». وعدد ليفي التغيرات التي طرأت على موقف لبنان من التعديات «الإسرائيلية» والتي وضعت حداً لممارسات استمرت لأكثر من ثمانية عشر عاماً في الجنوب اللبناني ... حتى ان اطلاق النيران على طائرات «إسرائيلية» تعتدي على المجال الجوي اللبناني اعتبر من الجانب «الإسرائيلي» «امراً غير مألوف».

ثم يلاحظ الصحافي «الإسرائيلي» انه «بعد سنوات كانت «إسرائيل» تطالب فيها الجيش اللبناني بأن يتولى المسؤولية عما يحدث في الجنوب اللبناني، فإنه الآن يفعل هذا ونحن (الإسرائيليون) غيرنا لهجتنا. لماذا؟ لأن «الجيش اللبناني توقف عن التصرف وكأنه متعاقد من الباطن مع «إسرائيل» وقد بدأ يتصرف كجيش لدولة ذات سيادة».

الأفضل ان ندع الناطقين بلسان «إسرائيل» يقولون إن هذه التحولات هي نتيجة طبيعية لتأثيرات وجود «حزب الله».

انما تبقى الحقيقة الساطعة أن «حزب الله» أقام بوجوده نموذجاً يحتذى للمقاومة العربية في وجه العدو الصهيوني، وان محاولات الآخرين لإدخاله عنوة في مصاف التنظيمات التقسيمية التي سبق ان تعاونت مع «إسرائيل» او تلك التي تنتظر الفرصة السانحة لتفعل ذلك تحت غطاء من بعض الحكومات العربية لن تكون ممكنة النجاح. ليس فقط لأنها ليست اخطر من الهجمات العسكرية على «حزب الله»، وإنما لأن «حزب الله» اثبت بما لا يدع مجالاً للشك انه تنظيم للمقاومة لا يعتبر دوره قاصراً على مجرد التغلغل في صفوف الجيش «الإسرائيلي» ومواقعه لتوجيه ضربات سريعة على طريقة الكر والفر.

ان «حزب الله» يمارس دوراً تلعب فيه «مخابرات المقاومة» دوراً غير مسبوق في ملاحقة العدو ومعلوماته وأسراره. ودوراً تلعب فيه «معنويات المقاومة» الدور الذي تؤديه إدارات التوجيه المعنوي في الجيوش في صفوف القادة والجنود في مواجهة أكاذيب العدو ومحاولاته الدعائية للتأثير المعنوي. ودوراً تؤدي فيه «مقاومة حرب الأعصاب» مسؤولياتها في مواجهة حرب الأعصاب التي اكتسب فيها العدو الصهيوني خبرات واسعة سبقت حتى تأسيس الدولة الصهيونية.

وأكثر من هذا تفصيلات كثيرة يمكن استنتاجها من أداء «حزب الله» للعمليات العسكرية والنفسية والتربوية.

لقد وصل العدو الى نقطة إدراك حقيقة «حزب الله» كتنظيم مقاوم من نوع لم يألفه من قبل. تنظيم مقاوم يعمل في مسرح عمليات أضيق كثيراً من الميدان الواسع للمقاومة العربية كما ينبغي ان تكون. والعدو يحاول بكل ما اوتي من امكانيات ومهارات وقف امتداد عمليات «حزب الله» الى آفاق قومية عندما يأتي الوقت الذي يدرك فيه المواطن العربي ـ حيثما كان ـ ان «حزب الله» لم يصنع المستحيل، وان في حدود الممكن تكرار قدراته التنظيمية والقتالية والمعلوماتية.

متى ندرك ان «حزب الله» يقوم في الجسم العربي بدور الجهاز العصبي المركزي؟

إن المؤامرة كبيرة ولكن «حزب الله» اكبر منها، ومن المهم أن يتنبه الوطن العربي الى ما يجري ويتحمل كل مسؤوليته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2176619

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2176619 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40