الثلاثاء 31 آذار (مارس) 2015

الاحتفالات بيوم الأرض

الثلاثاء 31 آذار (مارس) 2015 par د.رحيل محمد غرايبة

منذ ما يقارب الأربعين عاماً ونحن نحتفل بيوم الأرض، ففي كل عام يذهب فريق منا إلى تدبيج المقالات البليغة، ومنا من يصدر البيانات القوية، ومنا من يعمد إلى تسيير المظاهرات والمسيرات الغاضبة، ومنا من يعمد إلى عقد المهرجانات وإلقاء الخطابات النارية، والهادئون قيليلاً يذهبون إلى عقد ندوات سياسية وتحليلية، وبعضنا يصرف مزيداً من الوقت من أجل عقد نشاط يليق بهذه المناسبة الوطنية الكبيرة، فيعمد إلى إقامة معرض شامل يحتوي على عدة زوايا بعضها مختص بالمطرزات والتراثيات، وبعضها بالأزياء الفلكلورية والأكلات الشعبية، والرقصات والدبكات الوطنية.
أما العدو «الاسرائيلي» فيحتفل بطريقة مختلفة، فيعمد إلى إنشاء مستعمرات جديدة، أو تضخيم المستعمرات القائمة، ويعمد إلى مصادرة كميات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، وهدم قرى ومبان فلسطينية بحجة عدم ترخيصها، والذهاب إلى الاستيلاء على المباني القديمة وتحويلها إلى تراث يهودي، أو إغراء أصحاب المنازل ببيعها بأسعار خيالية، وممارسة الضغط ووضع الضرائب الباهظة على من يمتنع عن البيع أو تدبير المكائد، أو استيلاء المستوطنين المتعصبين على منازل الفلسطينيين بالاغتصاب والقوة، هذا من جانب، أما الجانب الآخر فتحتفل «اسرائيل» باستقدام المهاجرين اليهود من كل دول العالم وإغرائهم بالقدوم إلى (أرض الميعاد)، عن طريق تأمين المنازل الجديدة في المستوطنات القائمة، مقابل العمل على تهجير أهل الأرض إمّا طوعاً أو كرهاً.
أما احتفال العدو الأكثر مرارة فيتمثل بالعمل على الاستثمار في حالة الضعف العربي عن طريق النفخ في عوامل الفرقة والتفسيخ، وزيادة حدة التطاحن الداخلي وإثارة النزاعات العنفية بين مكونات المجتمعات العربية بالتعاون مع أصدقائها من دول العالم الكبرى والصغرى، والتعاون مع بعض الأعراب المنسجمين مع مخططاتها بعيدة المدى التي تهدف إلى زيادة قوة «اسرائيل» السياسية والعسكرية والاقتصادية، وزيادة الفجوة في موازين القوى بينها وبين الدول العربية مجتمعة، والعمل على تحطيم الجيوش العربية واضعافها وإشغالها في معارك داخلية، وهذا ما حدث مع الجيش العراقي والسوري والمصري، وسوف يحدث تباعاً مع بقية الجيوش العربية الأخرى.
شتان بين احتفال واحتفال من حيث الشكل ومن حيث المضمون والأهداف والغايات والآثار والتخطيط والنظرة الاستراتيجية، فنحن نعمد إلى القشور والشكليات وتفريغ الشحنات العاطفية وتبديد الجهود في مسائل صغيرة موغلة بالسذاجة والسطحية وقصر النظر.
ربما يكون هناك بعض الفوائد التي تترتب على مثل هذه الأنشطة المكررة في كل عام من مهرجانات ومعارض واصدارات، ولكن الضرر الكبير يتمثل في اعتبارها بديلاً يغني عن الإعداد الحقيقي للمواجهة والاستعداد لمعركة التحرير القادمة، والضرر الأكبر منه عندما يتحول الجهاد إلى تبديد الطاقات على هذا النحو وممارسة إقناع الضمير الداخلي بالبديل عن الجهاد الحقيقي والإعداد الحقيقي.
لقد نجح العدو الخبيث في صرف عداوة العرب والفلسطينيين إلى خارج دائرة العدو الصهيوني، وإشغال جميع الأطراف في معارك جانبية أخرى بعيدة عن ساحته، عن طريق ايجاد البدائل المقنعة لخصومهم على كل الأصعدة وفي كل المستويات، وصدق الله العظيم القائل : (وفيكم سمّاعون لهم).
لقد نجح العدو في جعل النقد الحزبي والسياسي للسلطة الحاكمة عندهم أمراً مشروعاً ومقبولاً وضرورياً، بينما نحن ما زلنا نرى النقد الداخلي مؤامرة وخيانة ونشراً للغسيل، وتعاملاً مع الأجهزة الاستخبارية العالمية، ولذلك لا نجرؤ على ممارسة النقد لمشاريع المقاومة والتحرير، أو توجيه السؤال أين نحن وإلى أين المسير، وهل هناك تقليص للفجوة في موازين القوى بيننا وبين العدو في كل عام، وربما ينبري للإجابة من يسهم في مزيد من حالة التخدير والبلادة الذهنية التي استمرت عقوداً متتالية من الزمن، ونحن نسير من سيء إلى أسوأ، ولا نملك شجاعة الاعتراف بالفشل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165340

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع رحيل محمد غرايبة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165340 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010