الثلاثاء 24 آذار (مارس) 2015

الحلم القومي . .هل هو سذاجة؟

الثلاثاء 24 آذار (مارس) 2015 par د. فايز رشيد

الرفض الصهيوني المطلق لإقامة دولة فلسطينية تمثل في فوز نتنياهو والاتجاه الأكثر تطرفاً في انتخابات الكيان ليس جديداً؟ بالرغم من ذلك ما زال البعض منا يراهن على إمكانية إقامة سلام مع هذا الكيان، الوضع العربي العام يزداد انحداراً . الخلاص من هذا الوضع يبدو ضمن الراهن سذاجة وحُلماً غير موضوعي . هل وصلنا إلى درجة اليأس؟ هل افتقدنا الرؤية؟ كلا . . يظل الأمل وسيظل قائماً . .لا نقول ذلك جزافاً بل من دروس منطقتنا . مرت الأمة العربية بظروف أصعب من هذه . . بأصالتها تجاوزتها وانتصرت . نعم سنحلم، والخطوة تبدأ بحلم، دعونا نحلم، نعم، مطلق عربي في الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج، يدرك الحالة الرديئة التي يمر بها العالم العربي في هذه المرحلة من حياة أمتنا، فمن التعرض للمؤامرة الصهيو-أمريكية لإنشاء الشرق الأوسط الجديد (الكبير) إلى الاعتداءات “الإسرائيلية” على الفلسطينيين وكل أشكال العدوان على شعبنا وأمتنا، بخاصة على غزة وآخرها عدوان عام 2014 والعدوان على سوريا ولبنان، وما يعنيه كل ذلك من زيادة لحدة التوتر في المنطقة، وصولاً إلى الصراعات المذهبية والطائفية المحتدمة، والصراعات السياسية،والانقسام الفلسطيني .
بالطبع، فإن هذه الحالة العربية فرضت تحولاً في أنماط الصراع، من الشكل المفترض توجيهه ضد العدوان الخارجي وركيزته “الإسرائيلية”، إلى الشكل الداخلي، الذي يُمعن في تمزيق الجسد العربي، الذي أصبح مثخناً بالجراح .
بالمقابل، وعلى صعيد المجابهة، فباستثناء المقاومتين في فلسطين ولبنان وبغض النظر عن حجم الإنجازات التي استطاعت هاتين المقاومتين تحقيقها فإن الانقسام السياسي والجغرافي الحقيقي، أدى إلى تراجع المشروع الوطني الفلسطيني عقوداً إلى الوراء .
على صعيد النظام الرسمي العربي، فإن مهمته الأساسية تتمثل في هاجس الحفاظ على الذات، يتبين ذلك من عدم استجابته لحقائق العصر، التي من أبرزها: أن هذه المرحلة هي عصر التجمعات الإقليمية على الصعيدين الجيوسياسي، والاقتصادي، وذلك في محاولة التأثير في الحدث، ليس فقط دولياً، وإنما بالضرورة، الذي يطال أيضاً النظام العربي نفسه: كَمَثَل مطالبته على سبيل المثال لا الحصر، بتحقيق الديمقراطية، وبناء الإنجازات للمتطلبات العولمية في مختلف المناحي .
على الصعيد الشعبي العربي، الذي تأثر حكماً بالأحداث التي مرّت بها المنطقة، فإن من الواضح أنها ليست أحسن حالاً، إن من حيث الشرخ في العلاقة بين الشعوب العربية، الذي يتعمق يوماً بعد يوم، أو من حيث الأدوات الجماهيرية: قوى وأحزاب، نقابات، اتحادات، مؤسسات جماهيرية أخرى، وغيرها، وقصورها الواضح أيّاً كانت اتجاهاتها: وطنية، قومية، دينية ويسارية في التعامل مع متطلبات المرحلة تشخيصاً، وأداءً فعلياً متصدياً للاستهدافات من جهة، ومن جهة أخرى، العمل على إنتاج البديل الفعلي والنقيض لما هو قائم .
في ظل هذه الحالة العربية الرديئة، المملوءة بالصراعات الدموية، التي إن لم تَجْرِ معالجتها على وجه السرعة، فإنها تهدد بالمزيد من التمزيق في الحالة العربية، وتؤسس لصراعات أخرى وانقسامات أكثر حدة في تأثيراتها، بحيث يصعب على الأجيال المقبلة (التي من الخطأ والخطيئة أن يتم توريثها لها) إيجاد أية حلول لها، لأنها تكون قد استفحلت وطالت وأصبحت جزءاً أساسياً، من عموم الحالة العربية ومن مكوناتها الرئيسية .
من هنا، تنبع أهمية تجاوز هذه الحالة التمزقية، الانقسامية، الصراعية، الخطيرة . . إن من أجل الانتصار عليها أواحتواء مظاهرها السلبية، على قاعدة سليمة، تعمل على حلّها وتضمن عدم إعادة إنتاجها، أو من خلال التأسيس لمستقبل يكون قوياً، ثابتاً وراسخاً في مفاهيمه الوطنية والقومية، مهما تعرض للتأثيرات العدوانية والمؤامرات، التي قد تتخذ أشكالاً داخلية أخرى في استهدافاتها العديدة والبعيدة المدى .
لن يتم تجاوز عقبات وإشكاليات وصراعات المرحلة، إلاّ من خلال إطلاق المشروع النهضوي العربي وفي المجالات الاقتصادية، السياسية، والثقافية، الاجتماعية والعسكرية .
مشروع نهضوي يأخذ بعين الاعتبار الجوانب السلبية وعوامل الفشل لكافة المشاريع النهضوية السابقة . مشروع نهضوي لا يقف عند التحديد النظري للأسس، وإنما يدخل في آليات تحقيق بنوده واقعاً فعلياً ملموساً . مشروع جمعي عربي ينطلق من قاعدة الهرم، أي من الجماهير الشعبية، وليس من البنى الفوقية، التي تُبقي قراراتها وتصوراتها للعمل الجماعي العربي المشترك في أدراج خزائن المؤسسات الرسمية المختصة . مشروع يهدف إلى تجديد الثقافة العربية المشتركة، تاريخاً وأصالةً وتراثاً وعوامل مشتركة أخرى . مشروع يأخذ بعين الاعتبار المصلحة القطرية للدولة، على قاعدة المصالح القومية، لما في ذلك من روابط عضوية وعلاقات جدلية بين المسألتين، بعد أن ثبت بالملموس عقم إمكانية تحقيق التقدّم القُطري بعيداً عن الاستناد إلى القاعدة القومية .
مشروع نهضوي عربي، يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية عالمياً، والحقائق الاقتصادية الجديدة في ظل العولمة المطروحة، ليس من زاوية الاستجابة لمتطلباتها وشروطها وإملاءاتها، وإنما يأخذ منها عناصرها الإيجابية، التي لا تتناقض مع الواقع العربي، بل تنسجم وتتماشى مع عوامله وعناصره . ومن أجل إنجاح هذا المشروع، فإن ارتباطه بالفضاء الواسع من الحرية والديمقراطية والإنسانية يصبح حاجة ضرورية، كأحد اشتراطات تطوره، ومن أجل استيعاب الأقليات الإثنية المختلفة من غير العرب، كمواطنين متساوي الحقوق مع الآخرين في الدولة الواحدة، وكجماعات لها حقوق ثقافية اجتماعية خاصة بها، وصولاً إلى هوية موروثة تاريخية لها .
وكتحصيل حاصل، فإن المشروع النهضوي يجب أن يكون بهوية عربية باعتبارها تجلياً أميناً للقومية العربية، ذات الفضاء الأرحب، التي تشكل أيضاً الوعي الذاتي لهذه القومية في مناحيها المختلفة: التاريخي، الثقافي، الإثني . . . . بالتعاون والالتئام والجمع ما بين مفهومي العروبة والإسلام، في إطار النشأة التاريخية والبنية الثقافية والاجتماعية العربية، باعتبار أن الإسلام هو الوجه التاريخي الآخر لهذه النشأة وللبنيتين المعنيتين أيضاً، وذلك لا يعني (بالطبع) انتقاصاً من حقوق معتنقي الدين المسيحي أو الديانات الأخرى من المواطنين العرب، فالقوميون العرب المسيحيون، لعبوا دوراً أساسياً وملموساً في النهضة العربية الحديثة وفي معارك التحرر الوطني، والوطني الديمقراطي العربي، وهم منغمسون في صلب ونسيج المجتمع العربي ومجابهة التحديات كافة التي تواجهه .
مثلما هي العروبة، تجمع كل الطوائف والمذاهب على اختلاف انتماءاتها، فإن المشروع النهضوي العربي يشمل السنة والشيعة المسلمين، والروم الكاثوليك والروم الأرثوذوكس، واللاتين والموارنة والأقباط من المسيحيين العرب .
إن التأسيس للمشروع النهضوي العربي، يبدأ من المثقفين العرب، المطالبين بحل التعارضات الثقافية على المستوى المحلي أولاً، ثم التنسيق على الصعيد القومي العربي، بالتلاحم مع كافة الأطر والأدوات والصيغ الجماهيرية القومية العربية، لتجعل من أهم واجباتها، العمل على إنجاح هذا المشروع، من خلال الدعوات المستمرة إلى تحقيقه وتحويله إلى مُنْجَز ثقافي عربي، وفي تلك الحالة، فإن البنى الفوقية العربية، سوف لن تجد أمامها سوى الامتثال لعناصر هذا المشروع القادر وحده على الخلاص من الإشكاليات والصراعات العربية محلياً وقومياً . والقادر حتماً على تجاوز معضلات الراهن . نعم الحلم الوطني ليس سذاجة بل هو طموح مشروع .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2178945

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز رشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178945 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40