الخميس 19 آذار (مارس) 2015

قراءة في نتائج الانتخابات «الإسرائيلية»

الخميس 19 آذار (مارس) 2015 par راسم عبيدات

سقطت كلّ الرهانات الفلسطينية والعربية والدولية على سقوط اليمين الصهيوني في الانتخابات، وبالتحديد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، الذي تعرض لحملات إعلامية شرسة من قبل قوى «إسرائيلية» ودولية، متهمّة إياه بتدمير الدولة ومصالحها، وتخريب وتشويه صورة وعلاقات «إسرائيل» الدولية، وخصوصاً بعد أن أذلّ الرئيس الأميركي باراك أوباما في عقر داره، وأذلّ معه كلّ التوابع العربية التي تتعامل مع أميركا على قاعدة الدونية والاستجداء، ورهن مصالحها وقراراتها وإرادتها لـ»السيد» الأميركي.

حققت قوى قوى اليمين «الإسرائيلي» المتطرف فوزاً ساحقاً في هذه الانتخابات، وبالذات حزب «ليكود» بزعامة نتنياهو 30 مقعداً ، أما «البيت اليهودي» برئاسة نفتالي بينت، فقد فاز بثمانية مقاعد، بالإضافة إلى عشرة مقاعد لحزب «كولانو» برئاسة موشيه كحلون وستة لحزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، يضاف إلى ذلك الأحزاب الدينية «شاس» و»يهوديت هتوراه» 14 مقعداً ، وبالتالي فإنّ نتنياهو، ومعه هذا الطيف السياسي الواسع اليميني المتطرف، هو الأكثر حظاً لتشكيل الحكومة الجديدة، ليس فقط حكومة يمينية ضيقة، بل لديها أغلبية واسعة ومريحة، ستعتمد عليها في تمرير أية قرارات أو تشريعات أو قوانين، وتحديداً في الجوانب السياسية والأمنية، وهذا ليس مربط الفرس، لكنّ ما يثير الاستغراب هو سذاجة وسطحية تحليلات بعض الكتاب والقادة الفلسطينيين والعرب الذين رأوا أنّ التطور الدراماتيكي والتغير الأبرز هو القوة العربية الموحّدة في الكنيست 14 مقعداً ، كما اعتبروا أنّ فوز قوى الوسط واليسار هرتسوغ ـ ليفني تحطيم لليمين وانقلاب جذري في السياسة «الإسرائيلية»، وكأن هذه القوى ستسلم مفاتيح القدس وتقتلع كلّ المستوطنات من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام1967.

أما في ما يخصّ القائمة العربية الموحّدة التي أوصى قادتها «المعسكر الصهيوني» بتشكيل الحكومة القادمة، وذهب رئيسها أيمن عوده بعيداً في تخيلاته، عندما صرّح لفضائية «الميادين»، بأنّهم حققوا الهدف من هذه الانتخابات بدفع نتنياهو إلى خانة المعارضة، ويتضح أنّ هذه القائمة، رغم ما تشكله من قوة انتخابية ثالثة في الكنيست، لن تستطيع التأثير في السياسة «الإسرائيلية»، وبالذات في القضايا والقرارات ذات البعد الاستراتيجي سياسياً وأمنياً، وإذا ما قدِّر لهذه الوحدة أن تستمر، وفق برنامج موحّد متفق عليه، يمكن لها أن تحدّ من «تغول» و»توحش» اليمين المتطرف تجاه حقوق شعبنا في الداخل الفلسطيني.

وقبل القراءة لهذه النتائج، يجب التأكيد على حقائق ثابتة في الفكر الصهيوني، تتبناها وتؤمن بها كلّ ألوان الطيف «الإسرائيلي» من أقصى يسارها إلى أقصى يمينها، ألا وهي أنّ الاستيطان مرتكز أساسي وعامل رئيسي وجوهري في كلّ برامج الأحزاب الصهيونية، وهي بمثابة الثابت لا المتغير، وأي حزب يحاول أن يقفز عن هذا الثابت، يدرك تماماً أنه بذلك ينتحر سياسياً ويعزل جماهيرياً، ويخسر وجوده في «الكنيست»، لذلك كان هذا الثابت البند الأساسي في دعاية أغلب، إن لم يكن جميع الأحزاب الصهيونية، والعديد منها بدأ دعايته الانتخابية بزيارة المستوطنات، أو القيام بزيارة استفزازية للمقدسات الإسلامية الأقصى والحرم الإبراهيمي ، أو إطلاق تصريحات تؤكد على قدسية الاستيطان وعدم التنازل عن القدس، أو حتى السماح بإقامة دولة فلسطينية غربي نهر الأردن، كتصريحات نتنياهو في مهرجان الأحزاب اليمينية في تل أبيب «متحدون من أجل أرض إسرائيل الكاملة».

أما المركّب الثاني الثابت في كلّ برامج الأحزاب «الإسرائيلية»، فهو أنها ترفض جميعها حقّ العودة للشعب الفلسطيني، حتى أنّ أكثر الأحزاب «الإسرائيلية» يسارية، لا تصل إلى حدّ الإقرار والاعتراف بالحدود الدنيا من حقوق الشعب الفلسطيني في الدولة المستقلة في حدود الرابع من حزيران.

الثابت الثالث، هو أنّ الأحزاب «الإسرائيلية» تعتبر أنّ العرب يخضعون بالقوة فقط، لذلك فإنّ كلّ حزب يريد أن يحقق نتائج سياسية وشعبية وتمثيلاً أوسع وأكبر في «الكنيست» والحكومة، يرى أنّ الطريق إلى ذلك هو الإيغال في الدم الفلسطيني والعربي، عبر ارتكاب الجرائم والمجازر وتوسيع القمع والإذلال وامتهان كرامة شعبنا الفلسطيني.

أثبتت نتائج الانتخابات أنّ المجتمع «الإسرائيلي» يميني متطرف وعنصري، كما أثبتت أنّ المحرك الرئيسي في صنع السياسة العامة، لم يعد الأمن، بل هو واحد من تلك العوامل، وأنّ المقرّر الأساسي في ذلك هو الاستيطان، وقد استطاع أنصار التيار الصهيوني الحاكم، الذين يرون أنّ الظروف الفلسطينية والعربية والدولية مؤاتية لهم، من أجل الاحتفاظ بالأمن والاستيطان والسلام معاً، أن يحققوا نصراً كبيراً على أصحاب نظرية الأمن هو المحرك الأساسي للسياسة «الإسرائيلية»، وما يدلّ على ذلك هو السقوط المدوي لوسائل الإعلام «الإسرائيلية» والاستطلاعات الموجهة التي خدعت الناس وصورت لهم أنّ نتنياهو و»ليكود» لن يحصلوا على عشرين مقعداً، حتى أنّ نتنياهو نفسه لم يتوقع النصر الذي حققه، وقد مهّد لخسارته بالحديث عن دعم خارجي من أجل إسقاطه.

الآن لن يفيد التذاكي ولا التباكي ولا الندب، فالحقيقة عارية وليست في حاجة إلى إنتظار أو رهان. علينا أن نغادر خانة رهن حقوقنا وقضيتنا وثوابتنا على من سيفوز في الانتخابات الأميركية و»الإسرائيلية»، لأنّ هذا الرهان ثبت عقمه وفشله وعدم واقعيته.

إنّ الخلاف بين الأحزاب «الإسرائيلية» ليس جوهرياً في القضايا الاستراتيجية والسياسية والموقف من حقوق شعبنا الفلسطيني، بل هي أدوار موزعة، فاليمين المتطرف يعبّر عن مواقفه في شكل واضح وصريح، والوسط واليسار يعبران عن المواقف نفسها، لكن مغلفة بديبلوماسية الاستيطان، القدس، اللاجئين، الكتل الاستيطانية الكبرى .

ما العمل؟ وبماذا سنردّ على نتنياهو الذي قال: لا انسحابات ولا دولة فلسطينية غرب نهر الأردن ولا تقسيم للقدس؟ الردّ يجب أن يكون إعلاناً القيادة الفلسطينية، رسمياً، الانتهاء الكلي من المرحلة الانتقالية التي بدأت عام 1994 وأنّ دولة فلسطين ستصبح الواقع السياسي الجديد، بدلاً من التكوين الانتقالي الذي استمرّ 21 عاماً.

من هنا تبدأ رحلة العمل، بتعطيل كلّ الاتفاقات مع دولة الكيان المحتلّ، من التنسيقات المختلفة الأشكال إلى سحب الاعتراف بـ «إسرائيل»، قبل التوجه إلى الجنايات الدولية، أو اتخاذ أي خطوات أخرى.

لا بدّ من رسم استراتيجية فلسطينية شاملة وموحّدة، بعيدة عن لغة المناكفات، استراتيجية تفرض حضوراً حقيقياً لفلسطين في مواجهة مشروع الاحتلال العنصري.

انتهى زمن المفاوضات ولم يعد هناك مجال للبحث عن الحجج والذرائع… نتنياهو بات واقعاً أمامكم فلا مناص من أن تقرروا ما يجب أن يكون لقضيتكم وشعبكم ومصالحكم الوطنية العليا، والتاريخ لن يرحم المتخاذلين أبداً…



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2180757

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع راسم عبيدات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2180757 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40