السبت 14 آذار (مارس) 2015

قرار ليس للتنفيذ

السبت 14 آذار (مارس) 2015 par عوني صادق

قبل أن يلتئم المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، كان التلويح باتخاذ قرار بوقف “التنسيق الأمني مع إسرائيل”، وقبل ذلك بسنوات، كانت المطالبة مستمرة باتخاذ هذا القرار، لكن السلطة الفلسطينية ورموزها جعلوا منه “مصلحة وطنية مقدسة”، ثم ببساطة والسلطة في أضعف حالاتها ومهددة بالانهيار، أخذ المجلس المركزي “القرار المستحيل”! مسؤول فلسطيني “رفيع”، قال “إن السلطة الفلسطينية أبلغت الإدارة الأمريكية مسبقاً نيتها باتخاذ القرار . وبعد إعلانه، اتصل وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، محذراً من”المساس بالاتفاقات المعقودة مع إسرائيل"!
بعد صدور البيان الختامي عن أعمال المجلس المركزي، نشب سجال حول ما إذا كان ما صدر عن المجلس “قرارات ملزمة” تقتضي التنفيذ الفوري، أو “توصيات” تحتمل الانتظار والملاءمة، وحسم “كتاب السلطة” المطلعون الأمر على أنها “توصيات” . وقال أحدهم، وكان محقا: “النقطة الثانية عشرة والأخيرة في بيان المجلس الختامي تقول:”تتابع اللجنة التنفيذية هذه القرارات وتقدم تقريرها للاجتماع القادم للمجلس“! القرار يقتضي التنفيذ الفوري، ويحتاج إلى مرسوم رئاسي بذلك، ولا ينفي ذلك متابعة التنفيذ . أما”التوصية“، فلا تحتاج لمرسوم رئاسي . الأهم من ذلك، أن التوصية هي برسم”القيادة“، وبالتالي يمكن أن تكون مجرد ورقة تكتيكية، الهدف منها”ممارسة الضغط“على الخصم . والحقيقة أن تصريحات كثيرة رافقت التهديدات التي سبقت انعقاد المجلس، أوضحت أن الغرض منها الضغط على حكومة نتنياهو للإفراج عن أموال الضرائب الفلسطينية المحجوزة! وقد قالها محمود العالول، عضو مركزية (فتح) قبل انعقاد المجلس بوضوح وصراحة:”إذا عادوا عن حجز الأموال، عدنا عن التفكير بوقف التنسيق الأمني" .
على كل حال، سواء كان ما صدر “قرارات” أو كان “توصيات”، في الحالتين ليس “وقف التنسيق الأمني” للتنفيذ، وكان هناك من يعرف هذه الحقيقة . ففي صباح افتتاح الاجتماع، كتب عضو المجلس، نبيل عمرو، مقالاً، طالب فيه أعضاء المجلس ب“التعقل” وتغليب منطق الحسابات على منطق الشعارات“! وبعد صدور البيان الختامي، مثل نبيل عمرو إن كان أعضاء المجلس قد”تعقلوا“أو لا، فأجاب:”نعم“، وأوضح أن”كثيرين من الأعضاء كانوا حملوا المجلس فاتورة أكبر من قدراته، وطالبوه بوقف التنسيق الأمني، وغيره من الشعارات، وهذا كلام لا معنى له"!
لقد وصف أحدهم البيان الختامي للمجلس بأنه كتب “بصيغة إنشائية” . والحقيقة أن الذين دافعوا عن محتويات البيان، ومنها القرار الخاص بوقف التنسيق الأمني، لجأوا لصيغ إنشائية أيضاً . وبعضهم استغرقه الحديث عن “تداعيات” القرار و“التضحيات” التي على الشعب أن يستعد لتقديمها، وكأن الأمر جاد فعلاً . وأقول “كأنه”، لأنه لو كان جاداً بالفعل لما كانت هناك حاجة لإبلاغ الإدارة الأمريكية به مسبقاً، والموقف الأمريكي من هذه المسألة معروف للسلطة ولغيرها . ألا يدل ذلك على أنه تهديد تكتيكي يراد به تحريك الإدارة الأمريكية، للضغط للإفراج عن الأموال المحجوزة، وليس أكثر من ذلك؟
ومن “الصيغ الإنشائية” التي تعودنا عليها على مدى العشرين سنة الماضية، ما جاء في بيان صحفي صدر عن “كبير المفاوضين” صائب عريقات الذي قال فيه مهددا: “إن لم تلتزم”إسرائيل“بما عليها، فإننا سوف نمضي في تنفيذ قرارات المجلس المركزي”! ولم يفت عريقات أن يوضح أن “التزامات”إسرائيل“تشمل: النشاطات الاستيطانية بما في ذلك القدس المحتلة، والإفراج عن قدامى الأسرى، وإعادة واحترام الملكية القانونية والأمنية لمناطق السلطة، وصولاً إلى إنهاء الاحتلال” (عرب 48 - 7/3/2015)!!
أعتقد، استناداً، إلى كل ذلك، وغيره من المعطيات، أن الإعلان عن “وقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله مع إسرائيل”، كما ورد في البيان الختامي للمجلس المركزي، ليس أكثر من “تهديد فارغ” لجأت السلطة الفلسطينية لمثله مرات ومرات، وكان دائماً يتضح بعد أيام قليلة أنه ليس للتنفيذ . أما الحديث عن “تداعيات” تنفيذ هذا القرار وتأثيراته، والتضحيات المطلوبة من الشعب الفلسطيني، فالقصد منه التحشيد للقيادة، وإظهار خطورته للتمهيد لمبررات عدم تنفيذه مستقبلاً، وليس لضمان تنفيذه كما قد يتوهم البعض!
ولعل أكثر من يعرف ذلك هي سلطات الاحتلال . فقد قابلت الإعلان بفتور واضح، إن لم يكن بلامبالاة واضحة، وأكد أكثر من مصدر أمني “إسرائيلي” بعد انفضاض اجتماع المجلس: أن الاتصالات مع الجانب الفلسطيني مستمرة ولا شيء تغير! وقد يقول البعض إن قراراً مثل هذا لن يكون تنفيذه فورياً، فهو يحتاج إلى ترتيبات معينة لا بد من اتخاذها . لكننا سبق وقلنا إن الأمر في أولى خطوات تنفيذه يحتاج إلى مرسوم رئاسي لم يسمع أحد عنه حتى الآن . وقد حاول البعض الإشارة إلى حالة الاستنفار العسكري، والمناورات العسكرية التي نفذها الجيش “الإسرائيلي” قبل وأثناء اجتماع المجلس، لكن ذلك كان بسبب التدهور الأمني في الضفة في الأشهر الأخيرة، وليس رداً على قرارات المجلس المنتظرة .
إن “التنسيق الأمني، يعتبر أهم بند في”اتفاق أوسلو“، بالنسبة لسلطات الاحتلال . كذلك، إن السلطة الفلسطينية هي أهم نتائجه، بالنسبة للجانب الفلسطيني . وعليه، فإن من يتحدث عن”وقف التنسيق الأمني“وهو جاد، يعي أنه بوقفه يلغي”اتفاق أوسلو"، ويحل السلطة الفلسطينية . وهل من يعلن أنه مستعد للتفاوض مع أي حكومة يتم تشكيلها بعد انتخابات الكنيست، يفكر بشيء من ذلك؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2177890

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177890 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40