السبت 14 آذار (مارس) 2015

اتفاق أوسلو . . قراءة في الوقائع والنصوص

السبت 14 آذار (مارس) 2015 par عوني فرسخ

إعلان “المجلس المركزي” الفلسطيني وقف التنسيق الأمني مع “إسرائيل” يستدعي التذكير باتفاق أوسلو المؤسس لذلك والظروف التي جعلت قيادة عرفات تقر اتفاقاً يكرس سيطرة “إسرائيل” على الضفة والقطاع ويقنن تبعية السلطة فيهما للدولة المحتلة . ويذكر هيكل - في كتاب سلام الأوهام - إنه وأحمد بهاء الدين وإدوارد سعيد عقدوا أربع جلسات عمل مكثفة مع حسيب صباغ، وسعيد خوري، وعبدالمجيد شومان، وعبدالمحسن قطان، وباسل عقل .
وإنهم انتهوا إلى أنه إذا كان مطلوباً من المنظمة الاعتراف ب“إسرائيل” فإن قرار التقسيم يشكل أساساً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعترف بها الدول العربية والإسلامية والصديقة، وإنه لا داعي للاعتراف بقرار مجلس الأمن 242 لأنه لا يشير لقضية فلسطين وحق شعبها بتقرير المصير، وإنما بإزالة آثار العدوان على مصر وسوريا والأردن . وإن باستطاعة المنظمة إعلان دولة في المنفى تطالب وتفاوض لتحقيق سيادة الشعب الفلسطيني في وطنه .
ولدى لقائهم عرفات في تونس لإبلاغه بما انتهوا اليه، أوضح له هيكل إن تواصل زخم الانتفاضة بعد عام من تفجرها يعزز الموقف الفلسطيني . فيما تلخصت وجهة نظر عرفات بأن ما يغطي على قرار مجلس الأمن ويوازيه هو إعلان دولة فلسطين في المجلس الوطني في الجزائر بعد أسابيع .
ويلاحظ هيكل أن القيادة الفلسطينية بدت مرهقة، وأن قناعتها بهدفها متأثرة، وأن العلاقة بين رفاق الكفاح تدنت إلى حال من الشك تقارب العداء، وأنهم قلقون على أمنهم، ويساورهم شعور بضياع العمر من دون نتيجة تتساوى مع حجم القضية وما بُذل من تضحيات، وقد غلبت السذاجة على تحليلات معظمهم الذين بدوا وكأنهم فوجئوا بالحقائق المعروفة، وشاع بينهم الحلم بقيام دولة يستريح فيها المقاتل ويعيش ما تبقى له من حياته .
وفضلاً عن ذلك، كان عرفات قلقاً على دوره القيادي، إذ غدت الإدارة الأمريكية تتعامل مع شخصيات من الأرض المحتلة . وقد أثبت حيدر عبدالشافي وفيصل الحسيني وحنان عشراوي كفاءة في مؤتمر مدريد ومباحثات واشنطن . إضافة لتصاعد شعبية حماس وتشكيلها منافساً لفتح لا يستهان به . وبالمقابل كان رابين، رئيس وزراء “إسرائيل” حينها، قد تأكد من عجزه عن قمع الانتفاضة، وعمليات حماس الاستشهادية، بحيث غدا مستعداً لمفاوضة عرفات وفريقه، شاعراً بأنه لو مدّ لهم إصبعاً لمدوا له يداً . وعليه بدا هناك لقاء مصلحي بين القيادتين الفلسطينية و“الإسرائيلية”، وإن تناقضت أهدافهما في حوارهما المرتقب . فيما كانت إدارة كلينتون ترعى قنوات اتصالهما .
فيما يدين إدوارد سعيد في كتابه “نهاية عملية السلام” توقيع بعض الأنظمة العربية وقيادة المنظمة اتفاقيات سلام قبل تنفيذ “إسرائيل” قراري مجلس الأمن 242 و 338 كما نسب لمسؤول في الخارجية الأمريكية قوله، إن المفاوض الفلسطيني لم يكن يمتلك مثل “الإسرائيلي” معلومات وافية من الحقائق والأرقام حول موضوع التفاوض . ويقرر إدوارد سعيد أن المفاوض الذي كان مضطراً للرجوع إلى عرفات في الصغيرة والكبيرة بات فريسة سهلة للضغوط الأمريكية و“الإسرائيلية” . وبحيث لم نشهد بعد أوسلو مفاوضات حقيقية بل هزلية ندخلها بلا استعداد أو جدية . وقد بدأت قناة أوسلو حين رتب النرويجي لارسن لقاء أحمد قريع مع هيرشلد، رجل يوسي بيلين وبيريز . وفي الجلسة الأولى اتفقوا على عدم العودة الى “عُقد التاريخ” التي لا تُوفر فرصاً لنجاح عملي، وإنما التركيز على الأمر الواقع لخلق حقائق جديدة يمكن الانطلاق منها والبناء عليها . وباعتماد ذلك أساساً للتفاوض خسر المفاوض الفلسطيني قضيته التي أُخذت منه بالكامل . وبالتالي غدت “إسرائيل” تفاوض نفسها في أوسلو، كما قال محقاً المفاوض “الإسرائيلي” سابير في كتابه “العملية” (THE Procssess) .
وطرح لارسن موضوع غزة، مصدر قلق رابين، فرد أبو علاء “انسحبوا منها إذا كانت صداعاً لكم، ولكنها تحتاج الى مشروع مارشال” وأحسَ أن “إسرائيل” تعرض على المنظمة قطاع غزة ورأى الرجوع لمحمود عباس، الذي رجع لعرفات، وكان القطاع يقلقه وقد غدا بؤرة الانتفاضة ومركز ثقل حماس . وذهب الى القاهرة وقد أضاف أريحا الى غزة . ويذكر هيكل إنه سبق لوزير الخارجية الأمريكي سايروس فانس طرح فكرة غزة وأريحا على السادات سنة 1977 فنقلها الى عرفات وصلاح خلف إلا أن المنظمة رفضتها حينها . ولكن ما رفض بالأمس صار مطلوباً اليوم .
وقام الرئيس مبارك ووزير خارجيته عمرو موسى، ومستشاره أسامة الباز بالتواصل فيما بين عرفات ورابين ما سهل اتفاقهما على تبادل رسائل الاعتراف المتبادل و“إعلان مبادئ” . ودعا عرفات اللجنة التنفيذية للمنظمة لبحث الاتفاق . فرفضه محمود درويش إذ رأى فيه تنازلاً عن التاريخ الفلسطيني، وإحلال الخيار “الإسرائيلي” محل الخيار الأردني . كما اعترض عليه شفيق الحوت لأنه أطاح كل الثوابت الفلسطينية، واستقالا من اللجنة التنفيذية . ولكن ذلك لم يردع عرفات وفريقه، إذ توج ما أسموه “مفاوضات” بتوجيه رسالة لوزير خارجية النرويج في 9-9-1993 مؤكداً اعتزامه توجيه مواطني الضفة والقطاع للتطبيع ونبذ العنف و“الإرهاب”، والإسهام في تحقيق السلام، والمشاركة في التعمير والتنمية . كما وجه في اليوم ذاته رسالة الى رابين مكرراً اعترافه بحق “إسرائيل” في الوجود . غير مدرك انه بذلك تنازل عن حق الشعب العربي الفلسطيني بالوجود وتقرير المصير ومشروعية كفاحه للتحرير والعودة وإقامة الدولة الديمقراطية بديلاً للكيان الاستيطاني العنصري .
وبالمقابل وجه رابين في 9-9-1993 رسالة لعرفات يعترف فيها بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً لشعب فلسطين من دون إشارة لحق هذا الشعب بتقرير المصير وإقامة دولته على بعض ترابه الوطني .
ولاحظ كثيرون أن عرفات وقع رسالتيه كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، وليس لدولة فلسطين التي كان قد أُعلنها في المجلس الوطني بالجزائر، ما عنى عند الكثيرين تنازله عن الدولة عند التوقيع، كما يلاحظون أن رابين تحدث عن المآسي الإنسانية التي عاناها اليهود، بينما بدا عرفات وكأنه يعتذر نيابة عن شعب فلسطين .
وقد تحفظ على الاتفاق كلُ من الملك فهد، والرئيس حافظ الأسد والملك حسين . فيما يذهب برهان الدجاني، في كتابه “مفاوضات السلام”، الى أن قيادة المنظمة اعترفت ب“إسرائيل” دولة من دون حدود محددة، واستعدت لتعديل الميثاق الوطني بإلغاء مواده التي تتعارض مع اتفاق أوسلو . كما أنها أقرت استبعاد القدس من الضفة الغربية وإرجاء موضوعها لمرحلة لاحقة .
فضلاً عن إقرارها استمرار سيطرة “إسرائيل” على الضفة والقطاع، مع تبعية الشرطة الفلسطينية لسلطة الاحتلال . وكذلك إقرار بروتوكول تعاون “إسرائيلي” - فلسطيني لبرنامج مشترك للتنمية في الضفة والقطاع .
وتحت رعاية الرئيس كلينتون وقع رابين ومحمود عباس يوم 13-9-1991 “إعلان المبادىء” وسط تغطية إعلامية دولية قصد بها إشهار استسلام عرفات وفريقه وتخليهم عن مقاومة الاحتلال .
والسؤال: هل إعلان المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني يُراد به تصويب خطيئة تاريخية، وبداية مرحلة من المقاومة السلمية؟ أم أنه يستهدف تحسين فرص التفاوض وهو خيار قيادة المنظمة الاستراتيجي؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2182142

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2182142 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40