الجمعة 13 آذار (مارس) 2015

على خطى بني إسرائيل

الجمعة 13 آذار (مارس) 2015 par حبيب راشدين

إسقاط دولة المسلمين التي يكره فيها المسلم على الدخول في معصية الخالق هي المرحلة المكملة لإسقاط “الدولة الإسلامية”، الذي تم في وقت مبكر بإسقاط حق المسلمين في إدارة أمرهم، وما لم يتحقق من تحريف للمعتقد عبر منظومة كنسية لا وجود لها في الإسلام، ينفذ اليوم عبر السلطة التي تتولى التشريع خارج أحكام الشريعة التي ارتضاها الله لعباده.

الاعتداءات المتلاحقة على ما بقي من الشريعة الإسلامية في منظومتنا التشريعية، هي في نهاية المطاف اختبارات مدروسة، تقدم بجرعات محسوبة، حتى لا تستفز نظام المناعة عند المسلمين، ورأيناها تستغل الأزمات الاقتصادية أو الأمنية، وانشغال الناس بهموم الحياة الدنيا، لتمرير إعادة صياغة المنظومة التشريعية، و“تطهيرها” من عوالق الشريعة على مراحل.

المسار ليس جديدا ولا مبتكرا، فقد تم تفكيك العقيدة المسيحية على مدار قرابة ثلاثة قرون بأدوات سياسية وثقافية وتعليمية، انتهت بـ “فاتكان اثنين” الذي هدم آخر معاقل الديانة المسيحية، بإحداث آخر تحريف لكتابهم المقدس، الذي حول الكنيسة إلى حليف موضوعي لمنظومة الدجال الأعور الذي يعبث بالطول والعرض بمعتقدات البشر، وأعرافهم، وقيمهم الإنسانية، ويسحبهم إلى مستوى البهيمة العاشبة التي تحيا لإرضاء المعدة وما تحت السرة.

معالجة الحالة الإسلامية تختلف بالضرورة عن المعالجات التي طالت معظم الديانات السماوية وما يقترب منها مثل: البوذية، والهندوسية، والبراهمانية، لأن الإسلام الذي حمل أمانة الدين للمسلم، قد حماه من عبث المؤسسات الكنسية الدينية كما هو الحال في اليهودية والمسيحية بجميع فرقها، وجعل من المسلم الفرد أمة قائمة بذاتها، ملزم فقط بطاعة الله ورسوله، ليس لأحد سلطان ديني عليه، يقبل من علمائه وفقهاء عصره ما يشاء ويترك ما يشاء.

الانقضاض على الإسلام بدأ مبكرا بالسطو على حق فرضه الله للمسلم في إدارة أمره، عبر نظام الشورى، بالتأسيس للملك العضوض مع دولة بني أمية حتى دون الحاجة إلى اسقاط النص القرآني، فاستعين عليه بالتأويل الضال الذي انطلى على المسلمين في عهد الأمويين، كما في ظل المتشابه من الخلافات الإسلامية العباسية فما بعدها، حتى سقوط الخلافة العثمانية مطلع القرن الماضي.

ومع ذلك فقد استتب الأمر لسلاطين المسلمين لأنهم لم يقتربوا من التشريع الإسلامي، لا في العبادات ولا في المعاملات، وظل الفقهاء المستقلون ماسكين بسلطة التشريع، باستنباط الأحكام لما يستجد على المسلمين من أمور، حتى أن أحد خلفاء بني العباس ظل يراود فقهاء عصره على فتوى تبيح له التنصل من شرط تضمنه عقد زواج، كان يمنعه من تعدد الزوجات، فلم ينجح، ولم يكن بوسعه أن يكره علماء وفقهاء عصره، فكان أن رضي المسلمون بإسقاط حقهم في إدارة الأمر ما دام السلطان لا يقترب من الشريعة، ليحملهم على الدخول في معصية الخالق.

التاريخ المزور يزعم أن الخلافة الإسلامية اسقطت في 1924 على يد أتاتورك بعد أن خلع آخر سلاطين العثمانيين سنة 1922، بينما الحقيقة أن الخلافة اسقطت في 27 أبريل 1909 عبر انقلاب أسقط آخر سلطان عثماني جمع بين السلطنة والخلافة، السلطان عبد الحميد الثاني الذي يكون قد ارتكب كبيرة في نظر خصومه في الداخل والخارج حين أنشأ البرلمان، وشرع في تدوين أول مدونة قانونية حديثة مستمدة بالكامل من الشريعة الإسلامية، وكان في خطابه الشهير عند افتتاح البرلمان قد أحاط بأسباب تخلف المسلمين، وانحطاط الدولة، بإهمالها للتعليم من جهة وابتعادها عن واجبات المساواة والعدل بين الناس.

وكما نرى، فإن اسقاط الخلافة الإسلامية (الدولة الإسلامية) في المرة الأولى لم ينته بإسقاط “دولة المسلمين” على امتداد ثلاثة عشر قرنا، مع استمرار عمل الدولة بالتشريع الإسلامي، فيما قاد السقوط الثاني لها بعد الانقلاب على عبد الحميد الثاني إلى اسقاط “دولة المسلمين” أي الدولة التي تضمن للمسلم ممارسة عقيدته في العبادات والمعاملات وفق الشريعة الإسلامية، وهو ما حصل منذ عهد أتاتورك، حتى مع الحكومات والدول التي اتخذت زورا شعار “الإسلام دين الدولة” كما حصل بعد قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتجارب إسلامية مماثلة في السودان وإندونيسيا وأخيرا مع وصول الإسلاميين للحكم في العراق، ومصر، والمغرب، وتونس.

جانب من حركات الإسلام السياسي فهم قواعد اللعبة، وعلم أن الطريق إلى الحكم دون معوقات يقتضي بالضرورة تقديم ضمانات حيال تعاملهم مستقبلا مع الشريعة الإسلامية بثقافة “المرجئة” الفرقة التي خالفت الخوارج وأهل السنة في مرتكب الكبيرة، وقد استندوا في اعتقادهم إلى قوله تعالى (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، والعقيدة الأساسية عندهم عدم تكفير أي إنسان، أيا كان، ما دام قد اعتنق الإسلام ونطق بالشهادتين، مبدأ له اليوم ترجمة عند من يعتقد أنه يكفي للدولة أن تعتمد في دستورها شعار “الإسلام دين الدولة” لتقبل كدولة إسلامية، يطبق عليها المبدأ الركن عند المرجئة: “لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة”

قد لا يضر المسلم كثيرا ما قد تشرعه حكوماته من مخالفات للشريعة، ما لم يكن فيه ما يحمله على الدخول في معصية الخالق، كما هو الحال حين يتعلق الأمر بالتشريعات الخاصة بالأحوال الشخصية، كهدم أركان عقد النكاح، والولاية، والطلاق، وتعدد الزوجات، وحتى في نظام المواريث، وهو آخر مربع من التشريعات الإسلامية التي سوف يطالها التشريع الوضعي دون الحاجة إلى مراجعة النص القرآني، كما فعل بالمسيحية واليهودية، حتى وإن كانت طائفة من العلمانيين تنادي اليوم بمراجعة الموروث الفقهي، ومتون الحديث الشريف، كمقدمة لمرحلة قادمة سوف يطالب فيها بمراجعة دورية للمحكم من التنزيل إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2177939

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حبيب راشدين   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2177939 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40