الأربعاء 11 آذار (مارس) 2015

حق الشعب المسلم في “الخلع”

الأربعاء 11 آذار (مارس) 2015 par حبيب راشدين

في بلد غير مستقر سياسيا، بمؤسسات دستورية مطعون في شرعيتها عند جانب من المواطنين، تأتي التعديلات الأخيرة التي أدخلت على قانون العقوبات لتُربك المشهد الاجتماعي باعتداء على فضاء الأحوال الشخصية، يضاف إلى اعتداءات سابقة لم نحط بعد بتداعياتها على مستقبل الأسرة الجزائرية.

تطاول المشرّع الجزائري على منظومة تشريعية، هي كل ما بقي للمسلمين من التشريع الإسلامي، هي في المقام الأول اعتداء على الدستور ومادته الثانية التي لم يعد لها مبرر، بعد أن اختار المشرّع الجزائري المزايدة على الخالق بتصويب شرعه، وظن أنه أكثر رحمة بالمرأة من خالق المرأة، حتى يُصدِر تشريعاتٍ تحمل تعطيلا صريحا للشريعة، في مجال لم تتجرّأ عليه حتى السلطات الاستعمارية.

في النصف الأول من القرن العشرين، استشعرت مكونات الحركة الوطنية وجود نوايا لدى سلطات الاحتلال للاقتراب من منظومة الأحوال الشخصية، فكانت تلك المبادرة الرائعة من قادة الحركة الوطنية، بجميع أطيافها العلمانية والإسلامية، وقد رفعت شعار “الفصل بين الدين والدولة” ليس حبا في هذا المصطلح الغربي المعادي للدين، بل حماية للأسرة الجزائرية من أن تطالها تشريعات المحتل، لتنجح بعد قرابة سبعين سنة حكومة تعمل تحت دستور يدّعي أن “الإسلام هو دين الدولة” في تنفيذ ما استعصى على دولة الاحتلال.

من التضييق على الحق في الطلاق وتعدد الزوجات، وتعميم حق “الخلع” دون تقييد، إلى الترهيب الذي يحمله التعديل الأخير للأزواج، ووضع الرجل وزوجه في حالة خصومة مفتوحة، لم يبق من منظومة الأحوال الشخصية سوى نظام المواريث الذي سوف تطاله يدُ المشرّع إن عاجلا أم آجلا، وهي التي لم تتردد من قبل في إسقاط الحدود كلها، ونسخ أحكام قطعية في مجال المعاملات، على رأسها تحليل الربا، في معارضة صريحة للمحكم من التنزيل في الآيات: 277، 278، 280 من البقرة.

المشرّع الجزائري يكون قد ارتكب أكثر من خطيئة: شرعية، دستورية، سياسية، اجتماعية، وإذا كان “نواب الشعب” لا يلتفتون إلى الوجه الشرعي، ولا إلى ما في هذه التعديلات من عوار يُسقِطها دستورياً، لو كان ثمة مجالٌ للطعن فيها، فإنه ليس بوسعهم التهرب من تبعاتها السياسية وخاصة الاجتماعية، وقد رأوا كيف كانت تداعيات تحرير حق “الخلع” على نِسب الطلاق، وسوف يشاهدون عما قريب عشرات الألوف من الأزواج يُغرقون المحاكم بدعاوى التحرش، وقضايا العنف بين الأزواج سوف تقود حتما إلى تمزيق الأسر.

المجتمعات المسلمة قد تتحمّل من حكامها التطاول على الشريعة الإسلامية في ما ليس فيه إكراه للمسلم على معصية الخالق كما فعلت زمن الاحتلال، لكنها حتما سوف تنساق إلى العصيان في اللحظة التي يراد لها أن تدخل في عصيان مع الخالق، بحكم المبدأ الإسلامي الثابت المؤيد بنص الآية 36 من الأحزاب “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ” وهي الآية التي تشرّع للمسلم حق “خلع” حكامه وفسخ عقد الطاعة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2165340

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حبيب راشدين   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165340 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010