الجمعة 6 آذار (مارس) 2015

زنا المحارم بين “محور الشر” و“الشيطان الأكبر”

الجمعة 6 آذار (مارس) 2015 par حبيب راشدين

لم يكن الرئيس الأمريكي ليقبل بالإهانة التي اقترفها نتانياهو في حقه وفي عقر داره، لو لم يكن قد أغلق ملف الصفقة الكبرى مع الشريك القادم للإمبراطورية في إدارة بقايا العرب، وتوليد شرق أوسط كبير بالشراكة مع الطورانيين الأتراك، والصفوية الجديدة مع ملالي إيران، يعود فيه العرب كما كانوا قبل أن يشرّفهم الإسلام بقيادة الأمم: قبائل يُسمح لها برعاية ما بقي من الإبل.

من تابع منكم خطاب رئيس وزراء الكيان الصهيوني أمام الكونغرس الأمريكي، أمس الأول، يكون قد أصيب بحيرة: كيف يمكن لدولة تقود العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا، أن تقبل نخبها الحاكمة تلك الإهانة التي وجهها إليها رئيس وزراء كيان مصطنع مثل إسرائيل، مركب من قطيع من يهود الخزر، وبعض بقايا قبائل بني إسرائيل التي حماها الإسلام من همجية الغرب؟ وكيف يقبل رئيس دولة عظمى، كانت قبل أربع سنوات تحضر لتوليد شرق أوسط كبير، وبسط هيمنتها الإمبراطورية على العالم، كيف يقبل أن يقتحم عليه البيت، ويهينه في عقر داره، رئيسُ دولة تعيش على كرم الأمريكيين وحمايتهم منذ نشأتها؟

المشهد كان سرياليا للغاية، في بلد يسوّق للعالم على أنه الدولة الديموقراطية الأولى في العالم، حيث رأينا الأغلبية المهيمنة في الكونغرس، وأغلبية من الأقلية يقفون 25 مرة للتصفيق مطولا لرجل جاء من كيان آخر، يقول لهم: إن رئيس بلدكم المنتخب، يقود سياسة خاطئة تهدد أمن بلدكم بدخوله في حوار مع رأس “محور الشر” إيران.

في أي بلد آخر، ديموقراطي أو حتى شمولي، كان أحقر مواطن سيغضب لإهانة كهذه، ولا أظن أن نواب برلمان من العالم الثالث كانوا سيتقبلون لزعيم دولة أخرى أن يعتلي منصتهم ليهين رئيس دولتهم، لكن ذلك يحدث في بلد يعلم الجميع كيف يباع فيه منصب الرئيس، وعضوية الكونغرس بدولارات معدودة، وكيف أن حفنة من أرباب المال الرِّبوي تتحكم في غرفتيِ النواب والشيوخ، تملي عليهم ما ينبغي أن يُشرّع للأمريكيين، وكيف تنفق أموال دافعي الضرائب، ومن ينبغي لأمريكا أن تحالف، ومن ينبغي لها أن تؤدبه بالحرب.

من يحكم أمريكا؟ ومن يحكم العالم عبر أمريكا؟ لم يعد سؤالاً يطرحه أنصار نظريات المؤامرة، ولم يعد بحاجة إلى جواب، لأن أمريكا هي الكيان الصهيوني والكيان هو أمريكا، ومن كان يدعي معاداة الكيان، عليه أن يعادي أمريكا أولا حتى يصدق، ومن يريد تفكيك الكيان عليه أن يبدأ بتفكيك أمريكا إن استطاع إلى ذلك سبيلا.

المشهد يعرّي جميع سياسات الدول العربية والإسلامية التي تدّعي مقاطعة الكيان الصهيوني أو معاداته، فيما تسعى إلى توطيد العلاقات مع ظله في واشنطن، كما تعرّي الممانعين الذين يسوّقون لنهاية الكيان، ويزايدون على عملاء أمريكا من بقايا العرب، فيما يتأهّبون لعقد الصفقة مع الشيطان الأكبر لاقتسام النفوذ في بلاد العرب، أو للشراكة مع الكيان في إدارة هذا الفضاء العربي المستباح.

كثيرٌ من العرب، من الموالي كما من أدعياء الممانعة، سوف يُصدمون حين تُكشف تفاصيل الصفقة الكبرى التي حُضّر لها في جنيف بين إيران والولايات المتحدة، وسوف يكتشف العرب الموالي من دول الخليج، كيف أن رب البيت الأبيض، الذي لم يحم بيته من صلف الصهيوني نتنياهو، لن يحرك ساكناً لحمايتهم من الصلف القادم من جيرانهم الأعاجم، وقد قدّموا له بما ينفذه الحوثيون في اليمن. وسوف يكتشف أدعياء الممانعة، ومعهم أدعياء “الربيع” الذي زعم تحرير الشعوب من الاستبداد لتحرير فلسطين من الاستعباد، كيف سخر منهم وسخروا باللغو الباطل لتمكين الصفقة القادمة، التي هي المدخل الآخر لبناء الشرق الأوسط الكبير الجديد، الذي يشعر فيه الجميع أنه قد انتصر باستثناء العرب، لأن الكيان سوف يقبل باقتسام كعكة الشرق العربي مع ملالي إيران والعثمانيين الجدد، كما رضي بها من قبل في زمن الشاه وعسكر الطورانيين.

ولأن الصداقات والعداوات بين الدول لا تدوم، فإن الأعداء بالأمس قد قبلوا الجلوس إلى طاولة التفاوض لاقتسام كعكة العرب: فرس، أتراك، روس، ألمان، وأمريكان، بعد أن فشلت أمريكا في التفرّد بإدارة الشرق الأوسط كما كان يحلم بها آل بوش، لأن الصفقة القادمة لا تعني الملف النووي الإيراني، الذي لم يكن سوى واجهة، بل سوف توزع الأدوار والمصالح، وتحرر مفردات ضبط الأمن بمنطقة يعول عليها لتمويل العالم بالنفط والغاز لخمسين سنة قادمة، لم يكن مسموحا أن تُترك إدارته وعوائده للعرب كما قال كيسنجر من قبل.

وحيث إن أمريكا هي الكيان والكيان هو أمريكا، فلن تسمح الصفقة القادمة بتهديد الكيان، وأن الطرف الآخر المتعاقد يكون قد قدّم ما يكفي من الضمانات، لن تسمعوا بعدها ذكراً لفيلق القدس، ولا لشعار “الموت لإسرائيل” بعد أن تكون الصفقة قد أسقطت شعار “الموت لأمريكا” وقد جُمّدت الأوضاع في لبنان حتى إتمام الصفقة ليمنح الطرف الممانع ثمن صرف النظر عن الكيان، ونتابع كيف تُجمع أوراق خريف العرب بالشام، وتتقاطر الوفود الغربية على دمشق، تحضِّر لإعادة تأهيل الأسد كشريكٍ في الحل، بعد أن كان يسوّق لترحيله كشرطٍ للحل، وسوف يُسترضى الحليف السعودي بتسوية في اليمن، تعيد الحوثيين إلى مغاراتهم بصعدة، بعد أن أنجزوا مهمة التخويف وإشغال أهل الخليج عن فاجعة الخسارة بالشام والعراق.

بقي لنا نحن العرب، أو من بقي منا، أن نسأل: هل التسوية التي تُحضّر لها الصفقة الأمريكية الإيرانية في المنطقة هي مقدّمة لحقبة سلام توقف حمام الدم الذي طال العرب وحدهم، وفكك دولهم، وخرب نسيجهم الاجتماعي؟ أم إنها مقدمة لمزيد من التمزيق والتفكيك، حتى يصير بقايا العرب قبائل واهية يُسمح لها فقط برعاية الإبل كما كانت قبل أن يشرفها الإسلام بقيادة الأمم؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2177793

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حبيب راشدين   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2177793 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40