السبت 28 شباط (فبراير) 2015

رفض الافراج عن جورج ابراهيم عبد الله: أكثر من صُدف

السبت 28 شباط (فبراير) 2015 par معن بشور

هل هي مجرد صدفة أن يصدر في يوم واحد قرار من القضاء الفرنسي برفض طلب إخلاء سبيل المناضل من اجل الحرية جورج إبراهيم عبد الله (رغم انقضاء سنوات على انتهاء مدة الحكم عليه بالسجن) تزامناً مع حملة للرئيس الفرنسي هولاند ورئيس حكومته ضد أربعة برلمانيين فرنسيين لقيامهم بزيارة استطلاعية إلى دمشق من اجل البحث في حلول تخرج سوريا من محنتها الدامية التي لا يمكن إخفاء مسؤولية باريس مع حلفائها في تأجيجها والحيلولة دون إيجاد حلول لها.
وهل هي مجرد صدفة أيضاً أن يقدم في اليوم نفسه متطرفون صهاينة ينتمون إلى عصابة “تدفيع الثمن” الصهيونية على حرق كنيسة في القدس المحتلة، وسط صمت عربي ودولي مريب، فيما يقوم متطرفون على المقلب الآخر في سوريا والعراق بتدمير كنائس وبيوت عبادة ومتاحف تضم معالم تاريخية نادرة بالإضافة إلى خطف العشرات من المواطنين الأشوريين لانتمائهم إلى الديانة المسيحية.
في هذه المشاهد الأربع التي تصدرت الأخبار في يوم واحد ما يمكن أن يوضح حجم المعركة المفروضة على امتنا، بهدف تحطيم ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وتمزيق مجتمعاتها بكل مكوناتها، وبما يكشف جلياً حجم تحكم العقلية الاستعمارية والعنصرية بالكثير مما نراه من حولنا من سلوك وأداء ومواقف.
ففي العاصمة الفرنسية الوريثة لثورة رفعت قبل قرنين وربع القرن شعارات “الحرية، الأخوة، المساواة” وخرجت من مفكريها الكبار نظريات الفصل بين السلطات الثلاث، نرى تغولاً للسلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وهيمنة للقرار الأمريكي الإسرائيلي على القرار القضائي الفرنسي في قضية جورج عبد الله ، بما لا يزعزع أركان العدالة في دولة طالما اعتزت أنها دولة الحق والقانون، بل يكشف حجم الاختراقات الأجنبية لاستقلال بلد طالما تغنى بالتضحيات التي قدمتها مقاومته ومؤسس دولته الحديثة الجنرال شارل ديغول، لصيانة استقلاله وسيادته.
وإذا كانت السلطة التشريعية في الدول الديمقراطية هي التي تساءل وتراقب وتحاسب السلطة التنفيذية، فقد رأينا في حملة رئيس الجمهورية والوزراء الفرنسيين على نواب منتخبين قلبا للمعادلة وسابقة باتت فيها السلطة التنفيذية تحاسب نواب الأمة على زيارة قاموا بها لتقصي الحقائق في دولة أخذت شظايا التطرف والغلو الدموي تنطلق منها لتطال العالم كله، وتحديداً فرنسا.
ومن جهة أخرى نرى الاعتداء على بيوت العبادة والمقامات والأضرحة، إسلامية أم مسيحية، واستهداف المتاحف وتحطيم أثارها أو سرقتها، كما جرى لمتحف بغداد فور احتلال العاصمة العراقية عام 2003، سمتين متلازمتين في تصرفات الصهاينة والمحتلين الأمريكيين وأهل الغلو الظلامي والتطرف التدميري الدموي، بما يؤكد إن المستهدف في امتنا ليس حاضرها فقط عبر تمزيق وحدتها، بل كذلك ماضيها الممتد إلى ألاف السنين وهو مصدر اعتزازها وفخرها، وايضاً مستقبلها الآتي الذي تسعى لأن يكون حافلاً بانجازات تضح امتنا في مصاف أكثر الأمم تقدماً.
ولم يعد خافياً إن رفض السلطات الفرنسية إخلاء سبيل جورج إبراهيم العبد الله المناضل من اجل العدالة لفلسطين والأمة (وقد صفق المشاركون في منتدى العدالة لفلسطين الدولي المنعقد قبل أيام في بيروت طويلاً حين ذكر اسمه) هو إصرار على إبقاء قيم الحرية والعدالة والاستقلال في السجن الفرنسي، بل على إبقاء امتنا كلها، ومعها شعوب العالم كلها، أسيرة العقل الاستعماري والصهيوني الهرم الرافض أن يحترم حقائق العصر ومبادئه.
كما لم يعد خافياً إن استهداف الأخوة الأشوريين اليوم في الحسكة السورية، بعد استهداف غيرهم من مكونات مجتمعنا بالأمس، هو استهداف للأمة كلها، لوحدتها ولقيمها الإنسانية ولتاريخها الطويل القائم على فكرة العيش الواحد بين مكونات اجتماعية ودينية وعرقية متنوعة، وهي فكرة حرصت الرسالات السماوية كلها، لا سيما الإسلام، على احترامها والدفاع عنها.
ولم يعد خافياً أيضاً إن استهداف بيوت العبادة ورموزها، من مساجد وكنائس وحسينيات ومقامات وأضرحة، داخل فلسطين وخارجها، وفي المقدمة المسجد الاقصى والحرم الابراهيمي وكنيسة المهد، هو استهداف لكل ما يشد أبناء المنطقة إلى إيمانهم، وما يعتزون به من تاريخهم، وما يتغنون به من حضارتهم.
أما “الحملة” “المغرية” التي شنها هولاند ورئيس وزرائه ضد نواب فرنسيين زاروا دمشق لاستطلاع أحوالها واجتراح حلول لمحنتها، فان كشفت شيئاً فإنما كشفت حرص باريس وحلفائها، لا سيما في تل أبيب، على أبقاء الجرح السوري مفتوحاً ونازفاً، بما يشبه الانتقام التاريخي من وطن قاد شعبه أول حركات التحرر العالمي ضد الاستعمار الفرنسي واجبره على الجلاء عن أرضه مقدمة لجلائه من بلدان عديدة في المنطقة والعالم، بل كان شعبه وجيشه ودولته، وما يزالون، قلعة لمواجهة الصهيونية ومقاومتها ورفض التسليم بمشروعها العنصري الإرهابي الراعي لكل إرهاب.
بالتأكيد ما جرى ويجري في فلسطين وعلى امتداد الوطن الكبير هو أكثر من مصادفات مؤلمة، انه نتاج إستراتيجية استعمارية وصهيونية واحدة حتى ولو نجح أصحابها في استخدام أدوات محلية لتنفيذها.
ولعل في صمود جورج عبد الله في سجنه الممتد عقوداً، وفي صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته التي لم تهدأ منذ أكثر من قرن، وفي صمود سوريا المفاجئ للصديق والعدو في آن، ما يرسم ملامح مرحلة جديدة للأمة بعناوينها الكبرى وهي المقاومة والوحدة والنهضة وتفاصيلها المحددة في المراجعة والمصالحة والمشاركة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2166038

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2166038 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010