الاثنين 9 آب (أغسطس) 2010

الخروج من استقالة الأمة

الاثنين 9 آب (أغسطس) 2010 par د. كلوفيس مقصود

قرارات لجنة المتابعة العربية بتأييد أو تغطية المفاوضات المباشرة بين الرئيس أبو مازن ورئيس حكومة «إسرائيل» نتنياهو استولدت بقصد أو من دون قصد تداعيات من شأنها أن تفاقم التعقيدات المتعلقة بالقضية الفلسطينية بما فيه حرفها عن مركزيتها باتجاه جعلها مسلسلاً من مشاكل معقدة مرشحة للمعالجة إدارياً، بدلاً من كونها تستوجب حلاً جذرياً يتلخص بتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق مصيره بما رسمته القرارات الدولية، وكما تم تعريفها في القوانين الدولية وإجماع محكمة العدل الدولية على شرعية حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والإنسانية.

إلا أن التداعيات المستولدة آنياً والتي تتسارع بشكل مطرد، فهي أن النظام العربي القائم استجاب منذ اتفاقيات أوسلو وقبلها معاهدة الصلح بين مصر الدولة و«إسرائيل» ما أفقد القضية الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير المناعة التي بدورها أجازت لـ «إسرائيل» الإمساك بمفاصل مقدرة التقرير ووتيرة المسار، وحتى لا نتهم بـ «اللاواقعية» وإعطاء آمال مغلوطة، أو كما يدعي «البراغماتيون الجدد» أوهام قيام دولة فلسطينية مكتملة السيادة مع القدس عاصمة لها، فإن فقدان المناعة وبالتالي فقدان إمكانية تصليب الالتزام بحق تقرير المصير يدفع الشعب الفلسطيني إما إلى ما يقارب الانفجار العبثي أو إعادة النظر بشكل جذري بما يؤول إلى إعادة الوحدة الوطنية إلى شرائح الشعب الفلسطيني بشكل فوري، وأن تكون هذه المراجعة نقدية وصارمة بحيث تخرج الوضع العربي من إشكالية انقسام في الحالة القومية بين أنظمة «معتدلة» وأخرى «ممانعة» أو متطرفة، وبالتالي دفعنا بشكل استفزازي إلى خيارات من شأنها قمع استقلالية الإرادة العربية، وبالتالي توصيف أية معارضة أو مقاومة أو حتى اعتراض كأنه انضمام إلى «محور الشر»، كما أن أي امتثال للإملاءات الصادرة عن بعض العواصم الغربية هو برهان على «الواقعية» وعلى نهج «الاعتدال».

من استتبع افتعال هذا التوصيف الجائر، إضافة لكونه غير دقيق مطلقاً، دفع الكثير من الجماهير العربية إلى التجاوب مع بروز تركيا والبرازيل، أو كما سميته قبلاً «قدر الجنوب» لنموذج جذاب يعيد الكرامة إلى كونها فعلاً يعبر عن استقلالية التحرك من دون اللجوء إلى المراهنة والارتهان.

وبالعودة إلى رصيد تصرفات لجنة المتابعة العربية التي أجازت أو غطت المفاوضات المباشرة بين «السلطة الفلسطينية» و«إسرائيل»، فإنه صار واضحاً أن الرئيس أوباما ضغط بشكل غير مسبوق على الرئيس محمود عبّاس مقترحاً حتى لا نقول ضاغطاً على لجنة المتابعة العربية تسهيل اختصار مدة المفاوضات غير المباشرة من أربعة أشهر إلى شهرين من دون مبررات مقنعة على اعتبار أن مهمة ممثل الرئيس أوباما السيناتور ميتشل لم تفسر الأسباب لاختزال تجربة «المفاوضات غير المباشرة»، إلا أن الاستنتاج هو الطلب الذي تقدم به نتنياهو الذي أبدى «رغبته» للرئيس أوباما، وسرعان ما تجاوب بشكل فوري مما أعطى الانطباع بأن ضغوطاً سياسية داخلية خاصة قام بها اللوبي «الإسرائيلي» (إيباك) دفعت إلى التسرع لوضع الرئيس عبّاس و«الاعتدال» العربي أمام الخيار فسارعت الدولتان المنضبطتان إلى تسويق ضرورة «الدخول فوراً في «المفاوضات المباشرة»»، وإلا، كما ورد في رسالة الرئيس أوباما إلى الرئيس عبّاس «لن نقبل رفضاً لطلبه»، وإلا «ستكون للرفض تبعات على العلاقات الأمريكية الفلسطينية». وعزز الرئيس الأمريكي هذه الرسالة الضاغطة بـ «أن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو أصبح جاهزاً للانتقال إلى المفاوضات المباشرة في أعقاب اللقاء الذي عقده معه أخيراً»، كما أن أوباما لن يقبل بالتوجه إلى الأمم المتحدة بديلاً عن المفاوضات المباشرة.

من المرجح أن أعضاء لجنة المتابعة العربية لم يكونوا مطلعين على محتوى العناصر التي وردت في اللقاء الثاني بينه وبين نتنياهو، لأن سرعة الموافقة دلت على أنه لم يسبق قرار لجنة المتابعة تجاوب مع طلب الرئيس أوباما من دون أية إحاطة دقيقة بما استوجب ثقة الرئيس الأمريكي بالنتائج المرجوة الضامنة قيام الدولة الفلسطينية المكتملة السيادة.

لماذا الشك؟ كما لماذا ترك الرئيس محمود عبّاس وحيداً في مجابهة غير متوازنة في مفاوضات ليست «مفاوضات»؟ استعمال مصطلح «مفاوضات» ينطوي على اتفاق مسبق بين الأطراف على النتيجة، وبالتالي يصبح التفاوض على المراحل والتوقيت والترتيبات الإجرائية المطلوبة لتسريع إنجاز الاتفاق لا لاكتشاف ما هو الاتفاق، كما أن لجنة المتابعة لم تأخذ أي إجراء جدي أو حتى غير جدي لإنجاز خطوات حاسمة لوحدة المرجعية التي تفرزها وحدة كل الفصائل حتى لا تتعثر المفاوضات، وأن يؤدي التسرع إلى مزيد من الانقسام وانعدام الفرص لممارسة حق تقرير المصير. يُضاف أن الرئيس أوباما لم يوضح بما فيه الكفاية، أو بالأحرى لم يوضح أبداً إذا انتزع من نتنياهو اعترافاً بأن «إسرائيل» سلطة محتلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة على الأقل منذ يونيو/حزيران 1967، كما أن ما تم من تجميد للاستيطان لم يكن مستقيماً مع تواصل الإجراءات التهويدية في القدس والتكثيف الحاصل في عدد من المستوطنات القائمة. وتستمر الأسئلة : ولماذا لم توفر لجنة المتابعة لنفسها إمكانية مخاطبة الرئيس الأمريكي؟ وتسأله، لماذا لا يطالب بتفكيك المستوطنات بدلاً من تجميدها، ما يعني تعامل إدارته مع كون «إسرائيل» تحتل الضفة وقطاع غزة والقدس الشرقية؟

وجود المستوطنات يشكل إضافة إلى كونه خرقاً واضحاً لاتفاقيات جنيف الرابعة، و«إسرائيل» تعتبر تمددها الاستيطاني حقاً يمليه المشروع الصهيوني، وبالتالي يتنافى مع اعتبار المجتمع الدولي أن «إسرائيل» محتلة، فهل وفر الرئيس أوباما ضماناً أن «إسرائيل» سوف تفاوض على كونها محتلة؟ أو كما يدل سلوكها منذ 5 يونيو 1967 أنها مستمرة بسلطتها كفاتح.

لقد حان الوقت أن يتوحد العرب في طرح هذا السؤال على الرئيس الأمريكي وإدارته كون المجتمع الدولي اعترف بأن «إسرائيل» تحتل، والإدارة الأمريكية تبقي الالتباس من خلال كلمة مفاوضات، لتمكن «إسرائيل» من الاستفراد بالمصير الفلسطيني، إذا لم يستعد العرب إدراكهم لمسؤوليتهم القومية تجاه فلسطين القضية، كما بالتالي تستعيد «لجنة المتابعة» إدراكها أن استقامة معادلة التفاوض هي أيضاً تعبر عن ثقافة المقاومة، وبالتالي تعطي غطاءات لـ «المفاوضات العبثية»، عليها أن تعي أن مسؤوليتها أشمل من مجرد «تغطية»، بل المشاركة بتعبئة قومية حتى لا تعود «إسرائيل» تستفرد بتعريف المصطلحات وبإملاء التوقيت والإمعان باستباحة الحقوق والادعاء أنها مستعدة للقيام بـ «تنازلات» هي ذروة الاستعلاء العنصري والاستخفاف بعقول العالم والإمعان في التهديد والتهويد وممارسة التمييز العرقي والديني، واعتبار أية مقاومة لاحتلالها كأنها تمرد على حقوقها الملكية وسهولة ممارستها القمع، وأيضاً اعتبار أن أي مساءلة عن ترساناتها النووية بمثابة «تهديد وجودي لها»، بما يعني أن أي سؤال في هذا الشأن دليل على حقها في الابتزاز، وبالتالي التفوق الاستراتيجي على الكل العربي باحتضان أمريكي معلن.

أمام هذا الوضع، أليس هناك من حاجة للجنة المتابعة لإعادة النظر فوراً بما أقدمت عليه من تمكين «إسرائيل» من الاستفراد بـ «السلطة الفلسطينية» في عملية «تفاوض» فاقدة الحد الأدنى من ميزان القوة والحد الأقصى من استمرار التمدد الاستيطاني «الإسرائيلي» وانقسام المرجعية القيادية للشعب الفلسطيني وفقدان مرجعية عربية موثوقة. ألم نتعلم أن فقدان التنسيق بين أقطار الأمة العربية ناهيك عن الوحدة بسبب ضياع البوصلة، سببّ المزيد من التفكك والتقوقع وتفتيت المجتمعات؟ أو هل قدرنا أن نبحث عن دورة تأمين حقوقنا من دون المطالبة بحقوق فلسطين؟

يبدو كأننا نجتر تذمرات سابقة، فهل من فرصة للخروج من حالة الاستقالة التي تجد الأمة العربية نفسها وقعت فيها؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 83 / 2181939

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2181939 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40