الاثنين 9 آب (أغسطس) 2010

الطموح الأميركي في الشرق : نحو مزيد من دولة «الكنز والصفقة»

الاثنين 9 آب (أغسطس) 2010 par راكان المجالي

في محاضرة لـ «روبرت ساتلوف»، المدير التنفيذي لـ «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، في أواخر تموز/يوليو الماضي، أقامها في مركز «نيكسون»، بعنوان ««إسرائيل» أصل أم عائق»، وقدّم فيها رؤية لجوهر العلاقات الأميركية «الإسرائيلية»، لم تجرؤ السياسات الأميركية المعلنة حتى الآن، وكذلك السياسات العربية الرسمية (المعتدلة، بتعبير هذه الأيام)، على الاعتراف بها، أو الإقرار بحقيقتها.

وفي تلك المحاضرة، على خطورتها وأهميتها، قيل كلام كثير، هو في الأصل وجهة نظر وأفكار الغالبية العظمى مِن حركات التحرر الوطني العربية تاريخياً. وقد قام «ساتلوف» بتكثيف المحاضرة، على هيئة مقال بعنوان : ««إسرائيل» : ليست مجرد ثروة استراتيجية، لكنها الصفقة الاستراتيجية». فعلى الرغم مِن أنّ «ريتشارد نيكسون» كان أول رئيس أميركي يعترف بالقيمة الاستراتيجية لـ «إسرائيل»، بالنسبة للمصالح القومية الأميركية، فإنّ الأغلبية الكاسحة من الأميركيين، والأغلبية الشاسعة من استراتيجيات كلا الحزبين الكبيرين، والأغلبية الكبيرة لقادة الجيش، والمتخصّصين في الأمن القومي، ومعظم الأطياف السياسية الأميركية، يوافقون على تلك القيمة. أمّا الجديد، فهو إقرار «ساتلوف» التاريخي بالحقائق التفصيلية التالية :

- «مِن خلال خدمة «إسرائيل»، كوكيل لأميركا، بعد حرب الأيام الستة، فإنها ساعدت (أي «إسرائيل») على احتواء التمدد السوفياتي في المنطقة. وألحقت هزائم مذلّة بعملاء السوفيات مثل مصر وسوريا. بل ساعدت «إسرائيل» أحياناً على حماية حلفاء أميركا الآخرين، وأجبرت بسالتها العسكرية موسكو على زيادة الإنفاق لدعم عملائها المهزومين. كما أعطت «إسرائيل» أيضاً الولايات المتحدة معلومات استخباراتية مفيدة عن القدرات السوفياتية».

ولإدراك القيمة الاستراتيجية للعلاقات الأميركية «الإسرائيلية»، يحاول «ساتلوف» إثبات «أن «إسرائيل» هي أصل استراتيجي للولايات المتحدة». فتلك العلاقة (وهذا ما يثبته ساتلوف للواهمين مِن العرب)، مقارنة بأية علاقات أخرى في الشرق الأوسط، هي منجم ذهب استراتيجي للولايات المتحدة.

- «مِن مصلحة أميركا أن تكون لها أمة من الأصدقاء»، شعوباً وحكومات، أي ان يكون لها مناصرون ثابتون، ودعاة للمصالح الأميركية في «الشرق الأوسط الأكبر».

فبحسب «ساتلوف»، وهو محقّ، فليس هناك دولة في «الشرق الأوسط»، شعباً وحكومة، على تحالف وثيق مع الولايات المتحدة، كما هي الحال مع «إسرائيل». ففي بعض الدول، يكون الشعب موالياً لأميركا، وفي البعض الآخر تكون الحكومة هي الموالية. أمّا في «إسرائيل»، فالحكومة والشعب، في آن معاً، داعمان لأميركا، وبلا تردد. فإنّ هناك تشابهاً في الثقافة والقيم، يصبُّ في قلب المصلحة القومية الأميركية.

- «مِن مصلحة أميركا أن يكون لدى «إسرائيل» اقتصاد مرتبط ارتباطاً وثيقاً باقتصاد الولايات المتحدة، وتطور مماثل، في مجال تكنولوجيا المعلومات، والطب العالي التقنية، وفي التكنولوجيا الخضراء (الصديقة للبيئة) مثل السيارة الكهربائية».

فقوة تلك العلاقة الاستراتيجية ساعدت على تحوّل «إسرائيل» «مِن حالة السلّة الاقتصادية إلى محطة التوليد الاقتصادية»، وإلى أن تكون شريكاً اقتصادياً لأميركا.

- «مِن مصلحة أميركا ان كانت لها شراكة عمل قريبة مع «إسرائيل» منذ أكثر من ثلاثين سنة في السعي للسلام في «الشرق الأوسط»».

وإذا كان ثمّة مَن يتحسَّر على عملية السلام، باعتبارها «مجرد عملية بدون سلام»، وينتقد قوة العلاقات الأميركية «الإسرائيلية»، كعائق للتقدم وليس أحد مقوّماته، فإنّ «ساتلوف» يختلف معه. فهو يعتقد أن «إسرائيل» القوية، مع العلاقة الأميركية «الإسرائيلية» القوية في جوهرها، كانت محوراً مركزياً لعملية السلام المعروفة. وكذلك، فإنّه يرى، على نحو تاريخي، أنّ عملية السلام بـ «الشرق الأوسط» كانت واحدة من أنجح المبادرات الدبلوماسية الأميركية، في النصف الأخير من القرن العشرين.

وفي رأي أحد المراقبين المطّلعين : فإنّ «عملية السلام كانت وسيلة للأميركيين لتحقيق النفوذ، في كل أرجاء إقليم «الشرق الأوسط الكبير»، وقدمت (أي عملية السلام) تبريراً للتصريحات العربية بصداقاتها للولايات المتحدة، حتى لو ظل الأميركيون منحازين لصالح «إسرائيل»». وبمعنى آخر «فإنها ساعدت على محو ما يمكن أن نراه من لعبة المباراة الصفرية».

ووفقاً لهذا الرأي، فقد نتج هذا النوع من عملية السلام، الذي يستحقّ الثناء، عن حرب العام 1973، بحسب رؤية «روبرت ساتلوف». وذلك عندما بدأ بالتشكّل «تطوران متداخلان»، وهما نموّ العلاقات الاستراتيجية الثنائية، بين الولايات المتحدة و«إسرائيل»، التي انطلقت في المجالين الاقتصادي والعسكري، وظهور عملية السلام في شكلها الحالي بقيادة أميركا. ومنذ ذلك الحين، تغيّرت الساحة العربية «الإسرائيلية»، بصورة مثيرة، لصالح المصالح الأميركية. وخلال العقود الثلاثة الماضية، ظهرت الى الوجود اتفاقيات سلام بين «إسرائيل» وأقوى دولة عربية (مصر)، والدولة ذات الحدود الاطول مع «إسرائيل» (الأردن). كما تحقّق، خلال تلك العقود الثلاثة، الهدوء على الحدود السورية. هذا بالإضافة الى سبع عشرة سنة من الدبلوماسية بين «إسرائيل» ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا أيضاً فرق إيجابي وهائل، وفق تلك الرؤية.

بطريقة حسابية بسيطة، يستنتج «ساتلوف» أنّ علاقة الولايات المتحدة بـ «إسرائيل» قد ساعدت على إحداث ازدهار استراتيجي للولايات المتحدة بلغة الصفقات.

أمّا الخلاصة الأهم، التي يخرج بها، فهي : إن ما تحتاج اليه أميركا بالفعل، في «الشرق الأوسط»، هو المزيد من «إسرائيل». ليس المزيد من نموذج الدولة اليهودية، لكن نماذج مِن حلفاء أقوى، وأكثر ديموقراطية وموالاة لأميركا، ويمكن الاعتماد عليهم بشكل أكبر. ويفضل أن تكون، لدى أميركا، واحدة أو اثنتان من هذا النوع في الخليج العربي. ذلك أنّ غياب هذه النوعية من الحلفاء هو تحديداً ما أوقع الأميركيين في مثل هذه المشكلة العويصة خلال العقود الثلاثة الماضية. فما ينبغي أن تطلبه الولايات المتحدة بالفعل، هو دول تستطيع (حيث تكون أميركا القوية بجوارهم) أن تعتني بأنفسها، وتسلّط الضوء على قيمنا في أثناء ذلك. وبعبارة أخرى، نستطيع أن نستخدم دولتين أخريين مثل «إسرائيل».

أوَ ليس ما نراه في المنطقة العربية، مِن تسابق في برامج الإصلاح والديموقراطية والقيم والثقافة، بين العديد مِن الدول، هو نفسه التراكض المحموم، لاكتساب جدارة التأهيل والاعتماد، لموقع الحليف الأميركي المطابق لنموذج الدولة «الاسرائيلية»؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2178161

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178161 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40